أي تسوية مع السعودية والإمارات تحتاج إلى معالجة للمسائل الخلافية الأساسية

قطر.. من حليف قوي إلى جار عــــدائي

صورة

يبدو أن ما اعتبرته أجهزة الأمن الأميركية اختراقاً لوكالة الأنباء الرسمية القطرية، أثار الآن إعصاراً دبلوماسياً في دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت التداعيات سريعة للغاية، ولاتزال المصالحة بعيدة المنال. وفي الوقت الذي تحاول فيه الكويت والأمين العام للأمم المتحدة وغيرهما التوسط بين الجانبين، يجدر بنا أن نسأل ما هو رأي السعودية، باعتبارها السلطة المركزية وراء سياسة مجلس التعاون الخليجي، وقرار قطع العلاقات مع قطر. وقد أعلنت قطر، أخيراً، أنها مستعدة للنظر في مخاوف السعودية، ولكن السعودية تخشى منذ وقت طويل من قطر، وترى أنها معادية. وأي تسوية تحتاج إلى معالجة للمسائل الأساسية.

علاقات أقوى

ويعتقد العديد من المراقبين الدوليين أن الرياض وأبوظبي، استطاعتا إقامة علاقات أقوى مع البيت الأبيض، ولهذا سعتا لمقاطعة قطر بعد تلقيهما «الضوء الأخضر» من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ولكن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك، وتضرب جذوره أكثر في سياق تاريخي متعرج، يجعل التوقيت الدقيق للتداعيات مستغرباً نسبياً. وفي واقع الأمر فإن انهيار العلاقات هو نتاج ديناميتين رئيستين، تزايدتا بالتوازي على مدى السنوات العشرين الماضية. الأولى هي العلاقة الثنائية القطرية السعودية المتعثرة، بعد الانقلاب الذي دبره الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (والد الأمير الحالي) ضد والده الشيخ خليفة بن حمد. والثانية هي صدام أساسي، خصوصاً في أعقاب الانتفاضات العربية، في السياسة الخارجية ومقاربات مكافحة الإرهاب بين السعودية والجهات الفاعلة الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، مثل الإمارات والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة أخرى.

شكوك

لا يمكن للمرء أن يفهم الموقف السعودي في هذه الأزمة بشكل صحيح إلا من خلال هذا الإطار. فالسعودية تنظر إلى كل عمل قطري في المنطقة بكثير من الريبة والشك. فمن وجهة النظر السعودية، فإن الهدف من المقاطعة والعزلة الإقليمية المفروضة على قطر هو إجبار الحكومة القطرية على السير على جادة الطريق الصحيح مرة واحدة وإلى الأبد، ولضمان أنها لم تعد تشكل تهديداً للمملكة. وكان رد فعل السعودية على البيان الذي بثته وكالة الانباء القطرية للامير تميم حول علاقاته بالسعودية والامارات متوقعا تماماً. وبدون شك فان رد فعل دول مجلس التعاون الخليجي يعكس الظلم المقيت الذي طال أمده. وترى المملكة وشركاؤها الإقليميون أن هذا الانقسام في الخليج بعد أيام قليلة من نجاح السعودية في استضافة مجموعة من قادة الدول في الرياض للمشاركة في قمة مع الولايات المتحدة مدمر للغاية، ولكن بالنسبة للمملكة وحدها، فإن خطورة تهديد الدوحة للرياض تفوق بكثير الكلفة السياسية التي أحدثت هذا الشرخ في الخليج.


جوانب مثيرة للقلق

كل جانب من جوانب السياسة الخارجية لدولة قطر يثير قلق السعوديين والإماراتيين، بدءاً من رغبة قطر في العمل مع الجماعات الإسلامية والجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل جبهة النصرة، ودعم «الإخوان المسلمين»، والاستعداد للتحدث مع إيران، واستعداد «الجزيرة» لتغطية قضايا سياسية حساسة، واستضافة شخصيات تنتقد الدول العربية الأخرى، وهو ما تعتقده السعودية حملة نشطة لتقويض المملكة. وفي الوقت ذاته ترى قطر أن هذه الأساليب هي وسيلة لضمان نفوذها، واخذت تمارس أنشطة أكبر من حجمها، وبدأ جيرانها يشعرون بالتناقض ليس فقط مما تفعله قطر فحسب، بل في الوسيلة التي تستخدمها لتحقيق ذلك.


• يرى السعوديون أن تفاعل قطر مع الجماعات المتطرفة يقوّض سياسة مكافحة الإرهاب.

• علاقة قطر مع «جبهة النصرة» دقت جرس الإنذار في دوائر الاستخبارات بالإمارات والسعودية.

• تتهم السعودية دولة قطر بالإذعان لمطالب الجماعات المسلحة، وتوفير الأموال لها، وتشجيعها على احتجاز الرهائن.


بعد صعود الشيخ حمد بن خليفة بفترة وجيزة للسلطة في بلاده، تحوّلت قطر من حليف قوي للسعودية إلى عضو غامض نسبياً في (مجلس التعاون الخليجي).

بعد نحو عام من حكم الشيخ تميم، شعر السعوديون بأن التغيير في الموقف القطري غير كافٍ، وأن حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، مازالا يتمتعان بنفوذ كبير في الدوحة.

في يونيو من عام 1995، بينما كان أمير دولة قطر، الشيخ خليفة بن حمد، في رحلة إلى سويسرا، قام ابنه الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بانقلاب دموي، واستولى على السلطة من والده، الذي كان نفسه استولى على الحكم، بعد خلع ابن عمه في عام 1972. ومن سويسرا، رفض الأمير المخلوع استيلاء ابنه على السلطة، ووصفه

بـ«السلوك غير الطبيعي لرجل جاهل». وكان قادة مجلس التعاون الخليجي يتفقون إلى حد كبير مع الأمير المخلوع. وكان الشيخ حمد بالنسبة لهم، وجميع أصدقاء والده المخلوع، يشكل تهديداً للوضع الراهن في الخليج، ويضع سابقة خطيرة.

بعد صعود الشيخ حمد بن خليفة بفترة وجيزة للسلطة في بلاده، تحولت قطر من حليف قوي للسعودية إلى عضو غير واضح نسبياً في مجلس التعاون الخليجي، ثم إلى فاعل مستقل يراه السعوديون معادياً للمملكة ودول الخليج الأخرى. وأصبحت قناة الجزيرة الاخبارية، منبراً لمناقشة القضايا الحساسة سياسياً. وبدلاً من الابتعاد عن أي تدخل، استضافت المعارضين السياسيين السعوديين، وبعضهم كان مثيراً للجدل في الخليج، مثل سعد الفقيه، الذي ينتقد الحكومة السعودية، وأضيف إلى قائمة الأمم المتحدة الخاصة بأفراد «تنظيم القاعدة» في عام 2004، ولكن تم رفع اسمه في 3 يوليو 2012 بسبب عدم وجود أدلة.

وما زاد من يقين السعودية بأن قطر معادية للمملكة، تلك التسجيلات لمحادثات مزعومة جرت بين القيادة القطرية والزعيم الليبي السابق معمر القذافي، والتي ناقش خلالها الأمير ورئيس وزرائه خططاً لتقويض الحكم في المملكة. وفي التسجيل الأول، أدعى الشيخ حمد بن خليفة أن قطر هي البلد الذي يتسبب في أكبر قدر من المتاعب للسعودية، وتوقع سقوط المملكة خلال 12 عاماً، وتفاخر بأن قطر أعطت منصة للمنشقين السعوديين، أحدهم كان مقيماً بالمدينة المنورة، وذلك من خلال قناة الجزيرة، على الرغم من امتناع منافذ أخرى عن استضافته. وفي التسجيل الثاني، اقترح الشيخ حمد بن جاسم اختيار ضباط عسكريين سعوديين من خلال توفير الرعاية الصحية لهم في أوروبا، وغيرها من الفوائد لهم ولمن يعولونهم. كما أوضح أن قطر شعرت بالحاجة إلى بناء علاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لخدمة المصالح العربية في المنطقة وتخفيف الضغط الأميركي على الدوحة، حيث يعتقد أن هذا الضغط يأتي بإيعاز من السعودية.

وعلى الرغم من عدم التحقق من مقاطع الفيديو هذه، إلا أنها تعني الكثير من جانب السعودية، حيث تصدرت عناوين الصحف. وفي مقال نشر اخيراً في صحيفة الحياة التي تمتلكها السعودية، قال الدكتور خالد الدخيل إن تخلي الشيخ حمد لابنه تميم في عام 2013 عن السلطة كان نتيجة مباشرة لغضب السعودية ومجلس التعاون الخليجي، بعد الكشف عن تسجيلات القذافي.

كان صعود الشيخ تميم حلاً توفيقياً وصفحة جديدة في علاقات قطر مع جيرانها. وبعد نحو عام من حكم الشيخ تميم، شعر السعوديون بأن التغيير في الموقف القطري غير كافٍ، وأن حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، مازالا يتمتعان بنفوذ كبير في الدوحة. وأدى ذلك إلى قيام السعودية والإمارات والبحرين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر. وأدى اتفاق الرياض في عام 2014، الذي وافق فيه الأمير الجديد الشيخ تميم على مجموعة من الشروط التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي، إلى استعادة العلاقات بين قطر ودول المجلس. ويجدر بنا أن نطلق على الأزمة الدبلوماسية في الأسبوع الماضي بأنها انتكاسة.

ما هو أكثر وضوحاً ومعروف لعامة المجتمع الدولي هو أن المملكة، جنباً إلى جنب مع دولة الإمارات والبحرين ومصر، تختلف مع قطر من حيث السياسة الإقليمية واستراتيجية مكافحة الإرهاب. وقد ركزت السياسة القطرية في المنطقة منذ فترة طويلة على المشاركة المفتوحة مع جميع الأطراف. وهذا يعني التعامل مع حركة «طالبان» والجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» في سورية، والحوثيين في اليمن، وحزب الله، وإيران وميليشياتها في المنطقة، وطائفة واسعة من الجهات الفاعلة الأخرى. ورأت قطر أن هذا الدور الإقليمي غير المنجز ضروري لحل النزاعات وتقديم مبادرات الوساطة. ومن ناحية أخرى، رفضت الإمارات والسعودية التعامل مع هذه الجماعات.

تقويض سياسة مكافحة الإرهاب

ويرى السعوديون أن تفاعل قطر مع الجماعات المتطرفة يقوّض سياسة مكافحة الإرهاب. على سبيل المثال، تعاطي قناة الجزيرة مع زعيم «جبهة النصرة» التابعة لـ«تنظيم القاعدة»، أبومحمد الجولاني، حيث استضافته القناة على برنامجها «بلا حدود» دون أن تبدو ملامح وجهه، وسألته عن دور «جبهة النصرة» في سورية. وتدّعي قطر في أن تواصلها مع جبهة النصرة من شأنه أن يشجعها على الانفصال عن «تنظيم القاعدة»، وربما علناً على قناة الجزيرة، ما يحوّلها إلى مجموعة أكثر اعتدالاً، تستطيع الحصول على دعم دولي ضد نظام الأسد. ومع ذلك، فإن علاقة قطر مع «جبهة النصرة» دقت جرس الإنذار في دوائر الاستخبارات في الإمارات والسعودية.

إحباط سعودي

وما زاد من إحباط السعوديين أن قطر ظلت تتخذ بعض الخطوات في سياستها الخارجية، ولهذا شعرت السعودية بأنه ينبغي اتخاذ اجراءات صارمة بحقها. على سبيل المثال، دفعت قطر ملايين الدولارات كفدية لإطلاق سراح صيادين قطريين من العائلة المالكة، تعرضوا للاختطاف في العراق. وذهبت تلك الأموال إلى كتائب حزب الله العراقية، وهي الميليشيات، التي كانت تحتجز الصيادين القطريين، بالإضافة إلى «هيئة تحرير الشام» (أحدث مظهر من مظاهر جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة) والجماعة الإسلامية «أحرار الشام» للمساعدة في تأمين الإفراج عن الصيادين. وتتهم السعودية دولة قطر بالإذعان لمطالب الجماعات المسلحة، وبهذا توفر لهم الأموال، وتشجع على المزيد من عمليات احتجاز الرهائن.

محمد اليحيى - محلل سياسي سعودي وزميل غير مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة.

تويتر