في ظل التقسيم المبسّط الذي يتبنّاه الرئيس الأميركي في ما يخص ما هو «جيد» و«سيئ»

ترامب مستعد لتجاهل مصالح بلاده مع قطر

صورة

طريقة قطع السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، الأسبوع الماضي، كانت مفاجئة، سواء في شدتها أو نطاقها الواسع، لكن بالنسبة لأولئك الذين يتابعون العلاقات الحساسة بين دول الخليج العربي، خصوصاً في أعقاب ما يسمى الربيع العربي، كانت الأمور بالنسبة إليهم واضحة بشكل كبير.

أكبر الخاسرين في هذه الأزمة، هو التنظيمات والكيانات التي لديها علاقة بالإسلام السياسي، والتي تقودها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ومنذ لحظة الضعف التي شهدها هذا التيار في الفترة 2012-2013، تواصل الحركة التدهور.. وبات الصدع بين مؤيديها والعالم المعتدل عميقاً.

إن التوتر بين المحور المعتدل من جهة، ودولة قطر (الولد المشاغب) ليس جديداً. سياساتها الأخيرة النشطة، وطموحاتها العالمية، ودخلها الضخم، كل ذلك حوّل هذا البلد الصغير إلى لاعب إقليمي، لا يتردد في المشاركة في أي نزاع في الشرق الأوسط.

على مدى سنوات، عمل أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، على استفزاز الدول العربية المعتدلة التي يقودها حكام يكبرونه سنّاً وخبرة. قطر لديها علاقة مندفعة مع إيران، التي تريد موطئ قدم أقوى على الجانب الآخر من الخليج، كما أنها تدعم المنظمات المتشددة حول العالم. وبالإضافة إلى ذلك، تتدخل قطر في الصراع الداخلي بين قيادة السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الأمر الذي أثار غضب القاهرة، التي تعتبر نفسها الوسيط الدائم بين الطرفين؛ كما تساند الدوحة طرفاً مختلفاً في الصراع الليبي، وفضلاً عن ذلك، يستثمر القطريون مبالغ كبيرة في شرق آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.

دخلت مصر في خلاف مع قطر منذ 20 عاماً، وخلال الأشهر الستة الماضية انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكان العامل الحاسم وراء ذلك هو انتخاب رئيس أميركي جديد. التقسيم المبسّط الذي يتبناه دونالد ترامب في ما يخص ما هو «جيد» و«سيئ» في الشرق الأوسط، يناسب تماماً السعودية ومصر والإمارات، فحسب رأيها، فإن ترامب يفهم موازين القوى في الشرق الأوسط بشكل جيد: «الجيدون» هم كل من يقاتل ضد مختلف أنواع التطرف والراديكالية، أي السعودية ومصر والأردن والإمارات، و«السيئون» هم من يدعمون التطرف، أي إيران و«داعش» ودمشق وميليشيا «حزب الله».

وعلاوة على ذلك، لا يهتم الرئيس ترامب بأمور «عديمة الأهمية» بالنسبة له، مثل الديمقراطية أو أحكام الإعدام أو حقوق المرأة، التي كثيراً ما أدت إلى اشتباكات مع إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما. وتعترف السعودية ومصر الآن، بأن واشنطن حليف قوي في مواجهاتهما الإقليمية، وهما على استعداد للتخلي عن الخلافات السابقة بشأن مواقف ترامب القاسية تجاه المسلمين.

ومن الصعب أن نصدق أن هذه الخطوة المثيرة، التي جرت بعد أسبوعين فقط من زيارة ترامب للمنطقة، لم تنسق مع الأميركيين. صحيح أن الولايات المتحدة لديها مصالحها في قطر، لكن ترامب يبدو مستعداً للتغاضي عن تلك المصالح، وهو يبدو على يقين أن الأزمة ستنتهي بشكل إيجابي لمصلحة السعودية ومصر، وبالتالي الولايات المتحدة.

ومثل الآخرين، يعتقد ترامب أن الأزمة لن تدفع قطر إلى حضن إيران، وبدلاً من ذلك، سيجد طرف الأزمة الخليجية حلاً توفيقياً في غضون أيام أو أسابيع: ستخفض قطر دعمها بشكل كبير للعناصر الراديكالية الإقليمية، وتخفض علاقاتها مع إيران، وتعمل على أن تكون لهجة قناة الجزيرة تجاه السعودية أكثر اعتدالاً، كما ستعمل على إبعاد جماعة الإخوان المسلمين، ومواصلة الانسجام مع المعسكر السعودي في منظمة «أوبك». وليس لدى قطر أي خيار، حيث إن للانسحاب آثاراً كبيرة في اقتصادها الذي يعاني التباطؤ بالفعل، بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز، كما أن الوضع قد يقوض استقرار الحكم في الدوحة، الأمر الذي سيكون كابوساً على القطريين.

أما أكبر الخاسرين في هذه الأزمة، فهو التنظيمات والكيانات التي لديها علاقة بالإسلام السياسي، والتي تقودها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ومنذ لحظة الضعف التي شهدها هذا التيار في فترة 2012-2013، تواصل الحركة التدهور.. وبات الصدع بين مؤيديها والعالم المعتدل عميقاً. ويمكننا القول إن مصدر دعم «حماس» الوحيد المتبقي في الشرق الأوسط هو تركيا، ومن المرجح أن يصبح هذا الدعم نقطة مهمة في الاحتكاك بين أنقرة وواشنطن.

مع كل ما قيل عن ترامب، تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الحالية قد فهمت بسرعة شيئاً لم يتمكن أوباما من استيعابه لمدة ثماني سنوات: تحالف عربي أميركي محدود، مع مجموعة محددة من الدول والجهات الفاعلة، استناداً إلى مبادئ توجيهية واضحة، ودعم أميركي مناسب، أفضل من محاولات الاحتواء والتعاون مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة.

تويتر