على الرغم من علمها بأن الأموال ذهبت إلى منظمة مشبوهة

قطر تتغاضى عن حملة تبرعات «مدد أهل الشام» لحساب «جبهة النصرة»

صورة

في ديسمبر 2013، ذكر الصحافي بصحيفة واشنطن بوست، جوبي واريك، أن حملة قطرية تسمى «مدد أهل الشام»، وصفتها «جبهة النصرة» في أغسطس باعتبارها واحدة من الوسائل المفضلة للتبرعات الخاصة بالمجموعة. ووفقاً لواريك، فإن «الإطراء الذي حظيت به الحملة الخيرية القطرية، جاء في تغريدتين نشرتهما في الحال الحملة الخيرية على صفحة تغريداتها».

وقف تدفق التمويل

بعد مرور 15 عاماً على أحداث 11 سبتمبر، ليس بالأمر الصعب بالنسبة لواشنطن أن تطلب من شركائها الخليجيين اتخاذ إجراءات قانونية واضحة ضد مجموعة من الممولين الإرهابيين المدرجين على قوائم الولايات المتحدة والأمم المتحدة، من أجل وقف تدفق التمويل بشكل فعال إلى تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإرهابية.


ذكرت الولايات المتحدة، بعد أن أدرجت كلاً من الكعبي، وعبداللطيف الكواري المتهم بتمويل الإرهاب، على قائمتها السوداء، أن قطر لم تعتقل أياً من الرجلين، وأنها لم تفرض حظراً على السفر أو تجميد أصول أي منهما أيضاً، إلى أن اضطرت قانونياً إلى ذلك عندما فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليهما.

وعلى الرغم من نشر كل هذه الوقائع، لم تتحرك قطر لاتخاذ الإجراء المناسب، حتى بعد أن أعادت الصحيفة نشر ذلك في قصتها باليوم التالي على صفحات صحيفة «غلف نيوز» الصادرة باللغة الإنجليزية في دبي.

وبعد نصف عام من ذلك سافرت مراسلة محطة الـ«سي ان ان» الإخبارية، ارين بورنيت، الى قطر للاستقصاء عن ذلك، واتصلت هاتفياً بأحد المسؤولين عن الحملة، وهو سعد الكعبي من خلال مترجم، الا أن الكعبي أنكر أنه ارسل رسالة «واتساب» تدعو إلى جمع تبرعات بقيمة 1.500 مليون دولار، لتسليح وإطعام المجموعة ومعالجة جرحاها في سورية. سألته بورنيت عن سبب ظهور صورة طائرات كالتي ضربت مركز التجارة العالمي في 11/‏‏‏‏‏9 على بروفايل حساب «تويتر» الخاص به، لكنه ادعى أن مثل هذه الصورة منتشرة ويمكن لأي شخص استخدامها، وأن الصور متاحة على نطاق واسع على الإنترنت.

وأشارت وزارة الخارجية في تقاريرها القُطرية – بضم القاف - عن الإرهاب لعام 2014 إلى أن السلطات القطرية «أغلقت حملة مدد أهل الشام لجمع التبرعات على الإنترنت، وهي الحملة (المشتبه فيها بجمع وإرسال الأموال الى عناصر متطرفة عنيفة في سورية)».

في فبراير عام 2015، أوردت صحيفة وول ستريت جورنال، أن مسؤولين أميركيين وقطريين أفادوا بأن الدوحة «أغلقت موقعاً لوسائل إعلام اجتماعي في الولايات المتحدة، يعتقد أنه كان يستخدم في جمع أموال المال لمسلحين مرتبطين بالقاعدة في سورية».

وأكد سفير قطر لدى فرنسا في وقت لاحق، أن حكومته أغلقت موقع مدد أهل الشام في عام 2014، لأنه كان يستخدم لتمويل «الفصائل المتطرفة في سورية».

وعلى الرغم من أن الدوحة اتخذت في نهاية المطاف إجراءات في هذه الحالة، لكنها انتظرت ما يقرب من عام لإغلاق موقع مدد أهل الشام، بعد أن اثنت جبهة النصرة على الحملة عام 2013.

وبعد عامين من ذلك، أدرجت الولايات المتحدة كلاً من الكعبي وعبداللطيف الكواري، المتهم بتمويل الإرهاب، على قائمتها السوداء، بينما ذكرت أن قطر لم تعتقل أياً من الرجلين، وأنها لم تفرض حظراً على السفر أو تجميد أصول أي منهما ايضاً، الى أن اضطرت قانونياً الى ذلك، عندما فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليهما. ولم تكشف قطر عن تلك القيود المحلية الى أن أفصحت عنها وزارة الخارجية الأميركية في يونيو 2016، أي بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من ظهور علامات مثيرة للقلق حول المجموعة. ومع ذلك، فإن تقرير وزارة الخارجية الأميركية لم يذكر ما إذا كان الكعبي والكواري قد تم اعتقالهما، أو ما إذا كان هناك أي دليل ملموس بتوجيه اتهام لهما من قبل قطر، على الرغم من أن الأمم المتحدة أكدت أنهما يعملان انطلاقاً من الأراضي القطرية.

أدوار الكعبي والكواري

عندما فرضت العقوبات على الرجلين في عام 2015، أعلنت وزارة الخزانة أن الكعبي ظل يقدم الدعم إلى «جبهة النصرة» منذ عام 2012، وقام بتنظيم حملات تبرع في قطر استجابة لدعوات من أحد زعماء القاعدة لجمع الأموال لشراء الأسلحة والمواد الغذائية. وعلاوة على ذلك، ادعت وزارة الخزانة أنه سهل دفع فدى لفرع القاعدة السوري. ورفض أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية الإجابة عما إذا كانت حكومة قطر ساعدت بنفسها في تمويل أي من هذه الفدى.

وتعتقد الولايات المتحدة أن الشريك المزعوم للكعبي، عبداللطيف الكواري، كان مسؤولاً أمنياً في تنظيم «القاعدة»، وتتهمه بتسهيل سفر أحد الأشخاص لجلب عشرات الآلاف من الدولارات في عام 2012، وأكدت أن الكواري عمل مع إبراهيم باكر وحسن غول من تنظيم «القاعدة» قبل عقد من الزمان لتمويل «القاعدة» في باكستان، وأن الكواري رتب لتوفير جواز سفر مزور لغول لزيارة قطر معهما، ولم يكن غول من صغار المسؤولين في «القاعدة»، إذ إنه سرعان ما اصبح مبعوث زعيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، للعراق، وفي نهاية الأمر قدم معلومات ساعدت الولايات المتحدة على قتل بن لادن. أحد الأفراد يحمل الاسم الأول والوسط والأخير للكواري ظهر على قائمة مزعومة لسجناء قطريين محتجزين دون توجيه اتهامات لهم عام 2004. وتقول الولايات المتحدة إنه حصل على جواز سفر قطري جديد في عام 2007.

ولعب الكعبي دوراً محورياً في «مدد أهل الشام» وفقاً للعديد من تقارير الأخبار. أيضاً، ظهر اسمه ورقم هاتفه مدرجاً في كل نشرة تتعلق بالحملة، وعادة ما يكون الاسم الأول مدرجاً. وأطلقت عليه مشاركات ووسائل اعلام اجتماعي وبعض النشرات اسم «المشرف».

كما وصف مؤيدو ومنسقو حملة «مدد أهل الشام» عبداللطيف الكواري كنقطة اتصال للحملة ويعود ذلك إلى عام 2013، مع إدارج أرقام هواتفه المحلية مع الإشارة إلى انه كان يساعد الكعبي في الإشراف على الحملة.

وبالنظر إلى سجل الكواري المزعوم بأنه مسؤول قديم في تنظيم «القاعدة»، وأنه اعتقل في قطر دون توجيه أي اتهامات، كان ينبغي للسلطات المحلية أن تكون في حالة تأهب قصوى، عندما أشارت الصور المنشورة في عام 2013 إلى أنه كان يساعد على إدارة الحملة.

إخفاقات في الرقابة

كانت «مدد أهل الشام» من أكثر الحملات زخماً لجمع التبرعات المخصصة لإغاثة السوريين، وأفاد متحدث باسم الحملة لوسائل الإعلام بأن الحملة تتضمن أكثر من 50 من الشباب القطري الذين كانوا يقومون بجمع التبرعات والأموال لسورية. وأفادت الحملة على ما يبدو بأن الجهود التي يشرف عليها الكعبي استطاعت جمع أكثر من خمسة ملايين ريال قطري في عام 2013 وحده (نحو 1.4 مليون دولار).

وأوردت صحيفة الوطن القطرية عام 2013، أن المنسق الإعلامي للحملة ذكر أن الحملة تجمع تبرعات عينية تحت مظلة مركز قطر للعمل الطوعي وترسل التبرعات عن طريق المركز، الذي تطلق عليه وسائل الإعلام الاجتماعي أنه «منظمة حكومية»، وذكرت بورنيت (مراسلة شبكة سي إن إن) أن وزير الثقافة، الذي تشرف وزارته على المركز رفض مقابلتها.

ويشير مقال عام 2013 في موقع الوزارة إلى أن المساعدات العينية أرسلت إلى سورية من قبل مركز التطوع، الذي ذكر أن جهود جمع المساعدات تمت «بمشاركة متطوعين من حملة مدد أهل الشام». وتلقت الحملة أيضاً استحساناً من متطرفين معروفين كانوا موجودين في الشبكة قبل فترة طويلة من إغلاقها. وضمت أسماء المروجون للحملة معتقلين سابقين في غوانتانامو، وأشاد وجدي غنيم المنتمي للإخوان المسلمين بالكعبي وبالحملة، عندما زار قطر بعد مغادرته للولايات المتحدة عام 2005 للاشتباه به في جمع تبرعات متعلقة بالإرهاب، وهو ما نفاه. ووفقاً لواشنطن، تسلّم الكعبي أموالاً من رجل الدين الكويتي، حامد حمد العلي، الذي زعمت أنه زار قطر في يونيو 2013 لتأييد حملة مدد اهل الشام، وهو الآن تحت طائلة العقوبات الأميركية والأمم المتحدة.

وفي حين أن مساعد وزير الخزانة دانيال غلاسر، كشف في أكتوبر 2016، أن قطر على الرغم من توجيهها أخيراً اتهامات ضد بعض ممولي الإرهاب الذين لم يكشف عن اسمائهم، لكن لا يبدو أن هناك أي مؤشر إلى أن الكعبي أو الكواري من بين المتهمين.

ولوقت طويل جداً، ظل سجل قطر في معالجة تمويل الإرهاب متراخياً بشكل لا مبرر له، وفي الحالات الموثقة هنا، فإن سجل الإنفاذ الملموس في قطر ظل غائباً بشكل صارخ، ما يقوض الأمن الدولي من خلال السماح بممارسة أعمال تمويل الإرهاب دون عقاب.

وفي حين أن قطر اتهمت أخيراً عدداً من ممولي الارهاب الذين لم تذكر أسماءهم، فإنها لا يبدو قد أدانت اياً منهم حتى الآن، وليس هناك دليل على أن قطر وجهت ادانات لأي شخص في هذا الصدد، سواء كان حضورياً أو غيابياً، ضد أي من الأشخاص الخمسة الذين لهم علاقات مع «النصرة»، والذين وردت أسماؤهم في هذا التقرير، ومازالوا على قيد الحياة، وهم: أشرف عبدالسلام، عبدالملك عبدالسلام، إبراهيم الباكر، سعد الكعبي، وعبداللطيف الكواري.

وبدلاً من معالجة هذا التحدي بشكل شامل ظلت قطر تتعامل من خلال جزء من التدابير، وتعالج في الوقت ذاته التداعيات، مثل استغلال العلاقات العامة، ودفع اموال لإصلاح الأوضاع، وتأجير جماعات الضغط للعمل على تثبيت مصالحها في واشنطن. وقد زادت الإمارة الصغيرة عام 2015 قيمة إنفاقها على الوكلاء الأجانب في الولايات المتحدة إلى 3.34 ملايين دولار، أي بزيادة 10 أضعاف مقارنة بعام 2013.

قطر الآن تتطلع إلى الحصول على المكافأة من الإدارة الجديدة، من خلال تقديمها طلبات شراء طائرات نفاثة بقيمة 21 مليار دولار، من دون شروط مسبقة.

وكما يقول مسؤول رفيع بالخزانة الأميركية، إن الخزانة «تكرس الكثير من الاهتمام» للتصدي لقضايا تمويل الإرهاب في قطر. ولكن بعض المسؤولين الأميركيين الآخرين لسوء الحظ يقللون من أهمية إهمال دولة قطر لتمويل الإرهاب، ويتساهلون في ذلك على أمل أن تتخذ الدوحة خطوات أكثر وضوحاً في وقت ما في المستقبل.

ديفيد اندرو واينبيرغ 

تويتر