تتخذ من الدوحة ملاذاً آمناً

قطر تراخت دائماً عن ملاحقة عنــاصر المنظمات الإرهابية وشجعت على تمويلهــا

صورة

على الرغم من صغر حجمها، يصف بعض المسؤولين الأميركيين الدوحة بأنها أكبر مصدر في المنطقة للتبرعات الخاصة بالجماعات المتطرفة في سورية والعراق. وأكد مسؤول أميركي كبير في مكافحة الإرهاب، زار قطر أكتوبر الماضي، أن مواطنين قطريين يخضعون لعقوبات فرضتها عليهم أميركا والأمم المتحدة بشأن تمويل الإرهاب، يتمتعون حالياً بالإفلات من العقاب القانوني داخل قطر. وفي سبتمبر، أدلى دبلوماسي غربي بتصريحات للصحافة في الدوحة أفادت بأن «هناك بين 8 و12 شخصية رئيسة في قطر يجمعون ملايين الدولارات للمتطرفين»، الجزء الأكبر منها يذهب لجبهة النصرة في سورية، أو تنظيم «داعش» المتطرف.

تراخٍ غير مبرر

لا يمكن تبرير تراخي قطر بشأن تمويل الإرهاب على أساس نقص في القدرات التنظيمية. حيث إن لدى قطر ثروة لا حدود لها تقريباً. ولا تعوزها القدرة على وضع نظام لتتبع ممولي الإرهاب، وعلاوة على ذلك، لا توجد أي مشكلات في تعيين الخبراء أو ضعف في المؤسسات تفسر سبب فشل دولة قطر باستمرار في توجيه الاتهام، والاعتقال، والإدانة، والزج خلف القضبان بالأفراد الذين يفرض المجتمع الدولي عقوبات عليهم بسبب تمويلهم للإرهاب.

ومن المفارقات أن قطر سعيدة تماماً بعد اعتقالها باحثين دوليين في مجال حقوق الإنسان، بل إنها حكمت على مواطن قطري بالسجن مدى الحياة لإلقائه قصيدة تدعم الربيع العربي (تم تخفيف الحكم عليه في وقت لاحق إلى 15 عاماً)، وإذا كان الأمر كذلك، فمن المعقول أن نتوقع أن تعتقل الدوحة ممولي الإرهاب.


• قد يجادل البعض بأن إجراءات الدوحة الضعيفة ضد تمويل الإرهاب ناتجة عن الضغوط الوطنية، إلا أن هذه الحجة لا يمكن الدفاع عنها، وذلك ببساطة أن النظام في قطر شمولي بالكامل، كما أن المعارضة في قطر هي الأضعف بين جميع دول الخليج العربي.


• مليونا دولار ظل تنظيم «داعش» المتطرف يحصل عليها من مصادر قطرية، حسبما زعمت الولايات المتحدة.


• عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات استضاف النعيمي للتحدث أمام المركز.


• مشكلة تمويل قطر للإرهاب ناتجة عن ضعف تنفيذها للقوانين، وتمثل انتقاصاً كبيراً للإرادة السياسية، وتهديداً خطيراً للمصالح الأميركية.


• مع كل حالة مهمة تتعلق بمشتبه فيه قطري يشارك في تمويل الإرهاب خلال السنوات الماضية، ترفض الحكومة التعامل معه بشكل فاعل.

مشكلة تمويل قطر للإرهاب ناتجة عن ضعف تنفيذها للقوانين، وتمثل انتقاصاً كبيراً للإرادة السياسية، وتهديداً خطيراً للمصالح الأميركية. وفي الأشهر الأخيرة، كان هناك تركيز كبير على المواطن القطري، عبدالرحمن النعيمي، الذي أدرجته كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن قوائمها السوداء المتعلقة بتمويل الإرهاب. وتشير التقارير إلى أن النعيمي لايزال حراً طليقاً في قطر، ربما بسبب علاقاته الواسعة بالنخبة الحاكمة في الدوحة.

وفي أول مقابلة دولية له منذ صعوده الى السلطة، ذكر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، البالغ من العمر 34 عاماً، لشبكة «سى إن إن» في 25 سبتمبر 2014: «أعرف تماماً أن أميركا وبعض البلدان تنظر إلى بعض الحركات على أنها حركات إرهابية.. ولكن هناك اختلافات». وافترض العديد من المراقبين أنه كان يشير إلى منظمة «حماس» الفلسطينية، التي أكد مسؤول كبير في وزارة الخزانة أن قطر «تمولها علناً» طوال سنوات عدة.

تمويل الشبكات المتطرفة

و«حماس» هي مجرد واحدة من العديد من الشبكات المتطرفة التي تستفيد من الممولين المقيمين في قطر، الذين يستفيدون من تراخي قطر في انفاذ قانون حظر تمويل الإرهاب. وعلى الرغم أنه من المؤكد أن الطائرات القطرية قدمت مشاركة رمزية في مهمة القوة الجوية ضد تنظيم «داعش»، فإن ممثلي قطر جلسوا للتفاوض في سبتمبر مع الإرهابيين المنتمين لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، ومازالوا يتوسطون بين الحكومة اللبنانية وتلك المجموعات الموجودة على حدودها.

بالإضافة إلى ذلك، يتهم مسؤولون حكوميون من الغرب والدول الإقليمية، الدوحة، بأنها تقدم فدى لهذه المنظمات تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات. وعلى نطاق أوسع، تعتبر مساهمة قطر في الجهود الرامية لكبح تمويل الإرهاب غير كافية.

وبعد زيارته للدوحة، صرح وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والتحريات المالية، ديفيد كوهين، أن قطر والكويت «لايزال أمامهما الكثير ليفعلانه»، إذا كانا يريدان ألا يعتبرا «متسامحين مع تمويل الإرهاب». وكشف أيضاً ان «هناك ممولين للإرهاب وضعتهم الولايات المتحدة والأمم المتحدة على قائمتهما السوداء، لم يتم التصرف ضدهم بموجب القانون القطري». وأشار كوهين إلى أن واحداً من هؤلاء الأفراد هو عبدالرحمن بن عمير النعيمي، الذي فرضت عليه واشنطن حظراً في ديسمبر الماضي على خلفية اتهامات بتمويل «القاعدة» في بلدان مختلفة لعقد من الزمن.

تمويل «داعش»

وذهبت الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك لتزعم أنه في وقت من الأوقات ظل يقدم لتنظيم «داعش» المتطرف، مبلغ مليوني دولار في الشهر.

ومع ذلك يعود تاريخ غض قطر الطرف عن تمويل الإرهاب الى أبعد من ذلك، بما يزيد على أكثر من عقدين من الزمن. وفي الواقع، فإنه مع كل حالة مهمة تتعلق بمشتبه فيه قطري يشارك في تمويل الإرهاب خلال السنوات الماضية، ترفض الحكومة التعامل معه بشكل فاعل، ويبدو أن المجموعة الحالية لممولي الإرهاب تفلت من العقاب بشكل مماثل.

وفي ديسمبر من عام 2013، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على النعيمي. واعتبرت وزارة الخزانة الأميركية أن النعيمي «إرهابي» بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، الذي يقضي بتجميد أصول الأفراد الذين «يساعدون أو يرعون أو يقدمون مواد مالية، أو مادية، أو دعماً تقنياً» لأعمال إرهابية أو منظمة إرهابية.

وأصدرت الخزانة نشرة توضح فيها أن النعيمي حول ملايين الدولارات خلال عقد من الزمن لفروع «القاعدة» في العراق وسورية والصومال واليمن، ومول ايضاً الجماعة الإرهابية اللبنانية المرتبطة بالقاعدة، وهي «عصبة الأنصار»، التي تم حظرها في 2001. وفي عام 2014 فرضت كل من الأمم المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حظراً على النعيمي. وتشير بعض المصادر إلى أن النعيمي ممنوع من السفر للسعودية لأسباب غير معروفة.

ومنذ فرض الحظر عليه من قبل تلك الدول والمنظمات لم تصدر من قطر سوى إشارات عامة طفيفة بأنها ستأخذ موضوع النعيمي بجدية، وكان النعيمي في اسطنبول وقت صدور الحظر عليه، لكنه عاد الى الدوحة في غضون أيام قليلة، حيث عقد مؤتمراً صحافياً في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ليعلن براءته مما ينسب إليه، مؤكداً ان السلطات المحلية ستقف بجانبه. وحتى بعد حظره من قبل الأمم المتحدة ظل حساب التويتر الخاص به نشطاً، وفي الشهر التالي أكدت صحيفة صنداي تلغراف، أن النعيمي في الدوحة لكنه لم يخضع بعد للاعتقال.

وبالنظر إلى أن الدوحة عضو في التحالف العسكري ضد «داعش»، لاتزال هناك أسئلة تدور عن سبب رفض السلطات القطرية توجيه الاتهام إلى أحد كبار ممولي الإرهاب أو اعتقاله. وفي هذا الصدد، فإن العلاقة الشخصية للنعيمي بآل ثاني توفر له الحماية المناسبة، وعلى مر السنين لعب النعيمي دوراً قيادياً في المؤسسات التي تعتبر قريبة من الحكومة. وباختصار، فإن لدى النعيمي العديد من الاتصالات بالنخبة الحاكمة.

إلا أن السلطات القطرية لم تتردد في ما مضى في سجن النعيمي لمجرد ممارسة حقه في حرية التعبير، حيث تم اعتقاله عندما كان موظفاً في وزارة التعليم، في 16 يونيو 1998 ولبث في السجن مدة ثلاث سنوات تقريباً دون محاكمة، بسبب تقديمه للمجلس الاستشاري المعين في قطر دعوى ينتقد فيها دور المرأة في المجتمع واختلاطها بالرجال، بما في ذلك زوجة الأمير. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة فإن اعتقال النعيمي جاء بأمر صادر عن الأمير نفسه.

وفي وقت لاحق أصدر الأمير عفواً عنه وأطلق سراحه في مارس أو أبريل من عام 2001، بعد أن نظم نشطاء إسلاميون في بريطانيا تظاهرات لإطلاق سراحه.

وعندما أطلق سراحه أفادت التقارير بأن الأمير استقبله شخصياً، ووصفه مسؤول بأنه كان مسؤولاً عن ترتيب لقاءات الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مع رجال الفكر والسياسة الإسلاميين، بما في ذلك عبدالمجيد الزنداني، رجل الدين اليمني المعروف المنتمي لجماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن، والمرشد السابق لزعيم القاعدة، أسامة بن لادن، وكذلك مؤسس حركة «حماس»، الراحل أحمد ياسين.

ويخضع الزنداني في الوقت الراهن لعقوبات الأمم المتحدة، كما أن «حماس» نفسها مدرجة على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي وقت لاحق تم تعيين النعيمي رئيساً للمركز العربي للبحوث ودراسات السياسات المقرب من السلطة، ويعتقد أنه ممول من قبل الدولة. المدير العام الحالي للمركز هو عزمي بشارة، الذي حصل على الجنسية القطرية بعد فراره من إسرائيل بعد اتهامه ببيع أسرار الدولة لحزب الله. ويعتبر الآن مفكراً في ديوان الحاكم يقدم المشورة اليه في ما يتعلق بسورية وليبيا، وفلسطين. ويستضيف كل من بشارة والنعيمي كبار قادة «حماس» مثل خالد مشعل للتحدث في المركز.

وقد يجادل البعض بأن إجراءات الدوحة الضعيفة ضد تمويل الإرهاب ناتجة عن الضغوط الوطنية، إلا أن هذه الحجة لا يمكن الدفاع عنها، وذلك ببساطة أن النظام في قطر شمولي بالكامل، كما أن المعارضة في قطر هي الأضعف بين جميع دول الخليج العربي.

وعندما واجهت قطر معارضة ذات مغزى للقضاء على تمويل الإرهاب، فإن مثل هذه المعارضة أتت من داخل الدوائر الحاكمة، وليس من القوى المجتمعية.

وبطبيعة الحال، فإن اعتقال ممولي الإرهاب ليسوا العنصر الوحيد في ما يتعلق بمعالجة التمويل غير المشروع للإرهاب، ولكن من الصعب أن نفهم أن الجهات الفاعلة الخارجية تعرف بالفعل الكثير عن التمويل غير المشروع في قطر أكثر من القطريين أنفسهم. وبالمثل، فإن رفض الحكومة القطرية تنفيذ اللوائح بشأن تمويل الإرهاب، التي وقّعت عليها تحت الضغوط الغربية تشير أيضاً إلى أن الدوحة ليس لها نية حتى الآن للدخول في معركة حظر تمويل الإرهاب، على الرغم من أن قطر أنشأت وحدة تحريات الأموال في عام 2004، وهي عبارة عن لجنة لمكافحة تمويل الإرهاب في عام 2010، التي تعمل على تجميد الأموال المرتبطة بالإرهاب.

ولكن حتى نهاية العام الماضي، أفادت تقارير الوحدة بأنها رصدت معاملة مشبوهة واحدة فقط في البلد بأسره تم إحالتها إلى النيابة العامة من قبل وحدة التحريات المالية القطرية، ولم يتم تجريم شخص واحد من قبل اللجنة. وفي الآونة الأخيرة، أكد مساعد سابق لوزير الخزانة الأميركية أنه في عام 2009 ادعى مسؤول قطري كذباً امام صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة أن دولته أصدرت قوانين ضد التمويل غير المشروع.

إجراءات قطر المتساهلة مع تمويل الإرهاب وفرت التمويل في السنوات الأخيرة إلى قادة تنظيم داعش، ومجموعة خراسان، وجبهة النصرة، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشباب، وطالبان، ولشكار - طيبة، والقاعدة الأساسية في باكستان، على سبيل المثال لا الحصر. ويُشكل كل ذلك مشكلة خطيرة بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة، ومن غير المرجح أن تختفي من دون تغيير خطير بالقدر نفسه في سياسة الولايات المتحدة.

ديفيد أندرو واينبيرغ  - باحث في مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات» بواشنطن

تويتر