طهران تفضّل تأجيل اتخاذ قرار يمكن أن يؤثر في سير العمل بالاتفاق النووي

«زيادة العقوبات» ضد إيران الخيار الأسهل المتاح أمام ترامب

صورة

رغم التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بعد اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين، إلا أن ذلك لم يدفع إيران إلى التسرع في اتخاذ قرارات للرد على التعليمات التي وجهها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي الأميركي، في 19 أبريل 2017، بإجراء مراجعة للاتفاق النووي، وتقييم مدى التزام إيران به، ومدى استجابته لمصالح الأمن القومي الأميركي، وهو ما بدا جليّاً في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، التي دعا فيها إلى «عدم إبداء اهتمام بتصريحات ترامب»، بشكل يشير إلى أن طهران قد تفضّل تأجيل اتخاذ أي قرار جديد يمكن أن يؤثر في سير العمل بالاتفاق النووي إلى حين انتهاء فترة التقييم التي حددها ترامب بثلاثة أشهر.

اعتبارات عدة

انتظار النتائج

ترى بعض الاتجاهات الإيرانية أن إقدام الإدارة الأميركية على مد الفترة الزمنية لمراجعة الاتفاق النووي لتصل إلى 90 يوماً، كان الهدف منه تقييم السياسة التي ستتبناها إيران في مرحلة ما بعد اختيار رئيس الجمهورية الجديد. وبعبارة أخرى فإن تلك الاتجاهات ترى أن إدارة ترامب تضع في حساباتها أيضاً هوية الرئيس الإيراني الجديد كمتغير سيؤثر في سياستها إزاء الاتفاق النووي والملفات الخلافية الأخرى مع إيران، على غرار دورها في الأزمتين السورية واليمنية.

وهنا، ربما يمكن تفسير حرص بعض وسائل الإعلام الإيرانية على نشر تقارير تكشف عن وجود اتجاهات داخل الولايات المتحدة الأميركية، تدعو إلى عدم منح الفرصة للمحافظين الأصوليين في إيران للفوز بالانتخابات الرئاسية، من خلال اتخاذ إجراءات تصعيدية تسهم في تفاقم الضغوط المفروضة على تيار المعتدلين، بقيادة الرئيس روحاني، بشكل قد يعرقل مساعيه للاحتفاظ بمنصبه لولاية رئاسية جديدة.


ترامب قد يفضل انتظار نتائج الانتخابات الإيرانية قبل اتخاذ قرار تجاه البرنامج النووي الإيراني.

يمكن القول إن ثمة عوامل عدة دفعت إيران إلى عدم التسرع في الرد على التصعيد الأميركي الأخير تجاهها، رغم أن المؤشرات تكشف عن أن الرئيس ترامب قد يقدم على خيارات أخرى غير خيار استمرار مشاركة واشنطن في الاتفاق، بدليل تأكيده في 30 أبريل 2017، أن «الاتفاق النووي مسيء للمصالح الأميركية، لأنه يؤثر سلباً في الاقتصاد الأميركي»، بما يعني أنه يستبق التقييم الذي ستقدمه الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي في غضون 90 يوماً.

يتمثل العامل الأول في أن دوائر صنع القرار في إيران ترى أن الرئيس الأميركي مازال يواجه صعوبات عدة في تمرير قراراته التنفيذية، على عكس ما كان يُتوقع قبل توليه مهام منصبه، وهو ما يعني أن تهديداته ربما لا تُترجم إلى خطوات إجرائية على الأرض، خصوصاً في ظل التداعيات السلبية التي يمكن أن تفرضها على المصالح الأميركية.

إذ إن تهديده، على سبيل المثال، بالانسحاب من الاتفاق لن يكون سهلاً، في ظل التأثيرات المحتملة التي قد ينتجها، والتي لن تنحصر فقط في توتر علاقات واشنطن مع القوى الدولية المهتمة بمواصلة العمل بالاتفاق، وإنما ستمتد أيضاً إلى تزايد احتمالات إقدام إيران على إعادة تطوير برنامجها النووي من جديد، بشكل قد يفرض أخطاراً لا تبدو هينة، خصوصاً أن تراجع واشنطن عن الاتفاق معناه عودتها إلى التلويح بالخيار العسكري، وهو ما يمكن أن يدفع إيران من جديد إلى إعادة تفعيل الجانب العسكري من برنامجها النووي.

ويبدو أن تلك الدوائر تستند إلى أن تقييم الـ100 يوم الأولى من فترة رئاسة ترامب، يشير إلى أنه لم يتمكن من تنفيذ إلا القليل من قراراته، بسبب الفجوة الواضحة بين طموحاته وبين العقبات الموجودة على الأرض.

صراعات مفتوحة

وينصرف الثاني إلى أن الإدارة الأميركية دخلت في خلافات مفتوحة مع كثير من القوى، على غرار كوريا الشمالية، خصوصاً بعد الخطوات التصعيدية والتهديدات القوية التي وجهتها الأخيرة بشكل سيدفع واشنطن، وفقاً للرؤية الإيرانية، إلى عدم المجازفة باتخاذ قرار حاسم في بعض الملفات، مثل الاتفاق النووي مع إيران، على الأقل في تلك المرحلة.

وفي ضوء ذلك، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحاً أن تتجه الإدارة الأميركية إلى رفع مستوى العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، بحيث تستهدف كيانات اقتصادية أكثر تأثيراً في الاقتصاد الإيراني، على عكس العقوبات الحالية التي تركز على كيانات دولية وأشخاص متهمين بنقل تكنولوجيا حساسة لإيران.

سياسات غير واضحة

ويتعلق الثالث بعدم وضوح السياسة الأميركية إزاء بعض الملفات الإقليمية، على غرار الأزمة السورية، حيث لم تحدد الإدارة الأميركية بعدُ موقفها النهائي من مستقبل النظام السوري في الحكم، ومن المفاوضات التي تجري في الفترة الحالية بين النظام والمعارضة، التي تتواصل مع بداية مايو الجاري، بما يعني أن الرؤية الأميركية تجاه تسوية الصراع في سورية مازالت غير متكاملة، وهو ما يبدو جلياً، وفقاً لاتجاهات عدة، في التناقض بين تصريحات وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي.

توقيت حرج

بالطبع، فإن ثمة عوامل داخلية أخرى دفعت إيران إلى تبني هذا الموقف، تتصل بانشغال طهران في الوقت الحالي بإجراء الانتخابات الرئاسية في 19 مايو 2017، وتصاعدت حدة المنافسة فيها مع إجراء المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشحين الستة للانتخابات، التي شهدت خلافات ونقاشات حادة، لاسيما بين رئيس بلدية طهران مرشح «الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية»، محمد باقر قاليباف، وكل من الرئيس حسن روحاني، ونائبه الأول إسحاق جهانجيري، المرشح أيضاً في الانتخابات.

وهنا، فإن اتخاذ قرار واضح إزاء التصعيد الأميركي سينتظر تحديد هوية رئيس الجمهورية المقبل، سواء كان الرئيس الحالي، حسن روحاني، الذي يسعى إلى الفوز بولاية رئاسية جديدة، أو كان أحد منافسيه، مثل إبراهيم رئيسي، المشرف على العتبة الرضوية، والمرشح الآخر لـ«الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية»، أو محمد باقر قاليباف. إذ إن نتيجة الانتخابات ستمثل مؤشراً قوياً إلى المسار الذي ستتجه إليه إيران في التعامل مع التصعيد الأميركي الجديد؛ حيث إن فوز روحاني، وهو احتمال مطروح، معناه حرص إيران على استمرار العمل بالاتفاق النووي حتى مع التصعيد الأميركي الأخير، في حين أن انتخاب رئيس آخر، لاسيما إذا كان ينتمي لتيار المحافظين الأصوليين (الذي تمثله الجبهة)، يؤشر إلى أن إيران ربما تستعد لخيارات أصعب خلال المرحلة المقبلة، وقد تكون مقبلة على اتخاذ قرارات تصعيدية أكثر شدة لمواجهة الضغوط الأميركية.

تويتر