اعتبرته «خيانة» بعد التقارب الملحوظ عقب تنصيب ترامب

تركيا ترى تسليح أميركا للأكراد تهــديداً مباشراً لأمنها

صورة

انتقدت الحكومة التركية قرار الولايات المتحدة بتسليح المقاتلين الأكراد في سورية، على أنه «تهديد لتركيا»، وهو أول شجار دبلوماسي بين عضوي «الناتو»، منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه. وجاءت تصريحات أنقرة من قبل رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء وكبار الدبلوماسيين، قبل اجتماع وجهاً لوجه بين ترامب ونظيره التركي، في وقت لاحق من هذا الشهر.

طموحات أكراد سورية تغضب أنقرة

يشير مراقبون إلى مساعي أكراد سورية إلى تشكيل كيان مستقل لهم بشمال البلد، وربط منطقتهم التي تعرف باسم «الإدارة الكردية»، في شمال سورية، بالبحر المتوسط، وهي طموحات تغضب أنقرة، التي تبدي استعدادها دائماً للتدخل العسكري، إذا لزم الأمر.

وذكرت مصادر صحافية أن الأكراد السوريين يريدون مطالبة واشنطن بتقديم دعم سياسي لهم بإنشاء ممر تجاري، يمر عبر غرب سورية إلى شواطئ البحر المتوسط في إطار اتفاق، كمكافأة للقوات الكردية على دورها في تحرير مدينة الرقة، والمرتقب، ومدن أخرى من قبضة تنظيم «داعش».

ونقل عن مسؤولين في القوات الكردية أن «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) تستعد لاحتلال الرقة، بعد طرد المسلحين المتطرفين، ثم بعدها التوجه إلى مدن عربية بطول نهر الفرات، حتى مدينة دير الزور.

25

ميلاً فقط متبقية لوصول المقاتلين الأكراد إلى الرقة، عاصمة تنظيم «داعش» المتطرف، ومعقله الأخير.

وقال مسؤولون أميركيون إن ترامب وافق على اتفاق لتوريد الأسلحة مباشرة إلى وحدات حماية الشعب، وهي ميليشيات كردية تدعي تركيا أنها منظمة إرهابية، تنتمي إلى تنظيم كردي متمرد محلياً، وهو حزب العمال الكردستاني.

وجاءت التوترات بين واشنطن وأنقرة، بينما قالت القوات الكردية، التي تدعمها الولايات المتحدة، إنها استولت على أكبر سد في سورية، واستعادت بلدة الطبقة من مقاتلي تنظيم «داعش». وإن المكاسب التي حققتها القوات الديمقراطية السورية، التي شاركت في ضمها وحدات حماية الشعب، بما في ذلك المقاتلون العرب، لا تترك أي مستوطنات حضرية رئيسة أخرى، على الـ25 ميلاً المتبقية إلى الرقة، عاصمة التنظيم المتطرف، بحكم الأمر الواقع، ومعقله الأخير في سورية.

وتؤكد واشنطن أن تسليح مقاتلي قوات الدفاع الذاتي خطوة ضرورية لاستعادة الرقة، على الرغم من معارضة تركيا التي ترى القوات الكردية امتداداً لحركة التمرد التي تجتاح جنوب شرقها. وفى مؤتمر صحافي، خلال زيارة إلى سيراليون قال أردوغان إن الحرب ضد الإرهاب لا يمكن أن تتم بتحالف مع الجماعات الإرهابية، مضيفاً أنه سيثير مخاوفه مباشرة مع ترامب، «أريد أن أصدق أن حلفاء تركيا سيوجدون معنا، وليس في صف التنظيمات الإرهابية».

حليف استراتيجي

انضم رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديرم، إلى موجة الغضب في تركيا - حليف استراتيجي رئيس وثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي - ضد القرار الأميركي الذي اعتبر خيانة من قبل أنقرة، بعد التقارب الملحوظ بعد تنصيب ترامب. وقال يلديرم إن «تركيا لا تستطيع أن تتصور اختيار الولايات المتحدة بين شراكة استراتيجية مع تركيا ومنظمة إرهابية»، مضيفاً أن القرار «غير مقبول». وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، فى تصريحات بثها التلفزيون التركي، إن كلاً من حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، منظمات إرهابية، وإنهما لا يختلفان سوى في الاسم. وأضاف المسؤول «كل سلاح يقع بحوزتهما يشكل تهديداً لتركيا».

وتنظر تركيا إلى توسع وحدات حماية الشعب، وخططها لإقامة منطقة حكم ذاتي شمال سورية بعين الشك، وتعتبر مثل هذا الكيان تهديداً رئيساً للأمن القومي التركي. وكانت أنقرة قد حثت - منذ وقت طويل - إدارة أوباما على وقف دعم وحدات الحماية، بحجة أنها قامت بتشريد قسري للعرب المحليين، في سعيها لإقامة مقاطعة كردية على الحدود.

وكان القضاء على هذه المخاوف هدفاً رئيساً لأنقرة، عندما تدخلت عسكرياً في الحرب السورية، الصيف الماضي، حيث أرسلت الدبابات والقوات الخاصة عبر الحدود، إلى جانب المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا. ونجح هؤلاء في هزيمة مسلحين من «داعش»، وطردهم من معاقل عدة بالقرب من الحدود، لكنهم منعوا أيضاً المحاولات الكردية للانضمام إلى منطقتين كرديتين بشمال سورية.

أكثر موثوقية

واعتبر أوباما، والآن ترامب، وحدات حماية الشعب وقوات الدفاع الذاتي، القوة البرية الأكثر موثوقية في المعركة ضد «داعش». وقامت قوات الدفاع بتطهير مساحات واسعة من أراضي التنظيم المتطرف، خصوصاً حول الرقة. وبإمدادات الأسلحة المباشرة من الولايات المتحدة، قد تكون قريباً جاهزة للاستيلاء على المركز الحضري الرئيس للتنظيم (الرقة)، وهو اقتراح عارضته تركيا بشدة، قائلة إن العملية يجب أن تقودها القوات البرية العربية. في حين رحبت وحدات الحماية بالقرار الأميركي، ووصفته بأنه «متأخر»، لكنه «تاريخي».

من جانبه، قال المتحدث باسم وحدات حماية الشعب، ريدور زليل، «إن هذا القرار الصحيح لتسليح وحداتنا، ضربة لمن يكذب على قواتنا»، متابعاً: «من الآن فصاعداً، وبعد قرار التسليح التاريخي هذا، سوف تلعب وحداتنا دوراً أكبر وأكثر فاعلية في مكافحة الإرهاب». ومن المحتمل أن تثير الأزمة الدبلوماسية الجديدة توترات مع إدارة ترامب، قبل الاجتماع مع أردوغان.

وقد أعرب الرئيس التركي صراحة عن إعجابه بالرئيس الأميركي الجديد، وسعى إلى إعادة تفعيل العلاقات الثنائية، التي اتسمت بالتعثر خلال سنوات أوباما. وأحد أسباب تعثرها يرجع إلى رفض أوباما الدفع لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة، ودعم واشنطن للميليشيات الكردية، التي كانت حملاتها ضد «داعش» مدعومة بغارات جوية أميركية.

وكان ترامب قد وصف في الماضي أردوغان بالزعيم القوي، وكان أول زعيم غربي يدعوه في أعقاب استفتاء دستوري، صوت فيه الناخبون الأتراك بنسبة ضعيفة لمنحه صلاحيات جديدة، وهو إجراء انتقد بشدة في عواصم أوروبية. وكانت أنقرة تأمل الحصول على ضمانات من واشنطن، بأن حملة استعادة الرقة ستقودها وحدات عربية، بالإضافة إلى طلب تسليم فتح الله غولن، وهو رجل دين تركي مقيم في ولاية بنسلفانيا، يعتقد أن حركته قامت بمحاولة انقلاب يوليو الماضي.

قوة بديلة

وتركت إدارة البيت الأبيض أنقرة أمام خيارات قليلة، غير العمل العسكري المكثف ضد قوة كردية، تعتبرها تركيا «تهديداً مباشراً للأمن القومي». لكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة لا تقدم شيئاً لتهدئة المخاوف الأمنية لتركيا. وقد خلقت عملية الرقة مأزقاً للمسؤولين العسكريين الأميركيين، الذين يرون أن «وحدات حماية الشعب» هي المجموعة الأكثر قدرة على شن هجوم لاستعادة المدينة. وقد رفض المسؤولون الأميركيون تأكيدات متكررة من قبل الحكومة التركية، بأن بإمكانها حشد بديل وقوة عسكرية فعالة بالحجم نفسه. في المقابل، حاولت الإدارة أيضاً التأكيد لتركيا أن المقاتلين الأكراد لن يلعبوا دوراً في إدارة المدينة بعد الهجوم، وأنهم سيتركون هذه المهمة للسكان العرب المحليين. وقال مسؤول في وزارة الدفاع إن أي عتاد يعطى للأكراد السوريين، سيخضع للمراقبة الدقيقة «للتأكد من أنه يستخدم بالضبط، للغاية التي نريدها».

تويتر