بعد أن تحدث لموظفيه عن أولويات السياسة الخارجية لبلاده

تيليرسون لا يفهم التاريخ الأميركي وجوهر الهوية الوطنية

صورة

في الثالث من مايو الجاري، قدم وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيليرسون، خطابه الكبير الأول عن السياسة الخارجية الأميركية إلى موظفي وزارة الخارجية.

وأخذ الخطاب أسلوب مدير تنفيذي، يلقي خطاباً حماسياً لموظفيه الذين يشعرون بالقلق، إذ إن عدداً كبيراً منهم يشكّون في أن رئيسهم يريد أن يعلن أنهم سيصبحون عاطلين عن العمل. وكان الدبلوماسيون وموظفو الخدمة المدنية يستمعون إلى قائدهم، الذي حسب ما هو معروف، لم يقاوم المقترح الذي يفيد بتخفيض 29% من ميزانية وزارته، إضافة إلى تسريح عدد من الموظفين الأساسيين لديه.

علينا حقاً أن نفهم ما هي مصالح أمننا القومي، وما هي مصالحنا الاقتصادية في كل دولة أو منطقة بالعالم الذي نتعامل معه، وبعد ذلك يمكن أن ندافع عن قيمنا، أو نعمل على نشرها.

وكرر العبارة التي تفيد بأن «أميركا أولاً»، وكما هي الحال لدى الأعضاء العاقلين والمنطقيين في الإدارة، كان يحاول نشر هذه العبارة، التي كانت مرتبطة بحركة ظهرت في الماضي، لمعارضة تدخل أميركا في الحرب العالمية الثانية. ومثل مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع، لم يكن أمامه أي خيارات سوى الإشادة بهذه العبارة المفضلة لدى رئيسه دونالد ترامب، في السياسة الخارجية، وهي واحدة من الطرق التي تجعل الرئيس يؤثر فيهم أكثر مما يؤثرون فيه.

وكان تيليرسون يشرح هذه العبارة بأنها تسهم في تعزيز الأمن القومي والازدهار الاقتصادي، وأنها لا يمكن أن تكون على حساب الآخرين، وهو الأمر الذي يعتبر تحدياً للحس السليم. وبالطبع إذا كانت أميركا أولاً، فهناك من يكون ثانياً وثالثاً وأخيراً. وأوضح تيليرسون أنه يؤمن بالحريات الأميركية بالنسبة للولايات المتحدة، واعترف بأنها تلعب دوراً في صياغة السياسات الأميركية. وبعد ذلك، انتقل إلى تلك النظرية بجملته المخيفة، قائلاً: «علينا حقاً أن نفهم ما هي مصالح أمننا القومي، وما هي مصالحنا الاقتصادية في كل دولة أو منطقة بالعالم الذي نتعامل معه، وبعد ذلك يمكن أن ندافع عن قيمنا، أو نعمل على نشرها».

وإذا كان الوزير تيليرسون يعني ما يقول حقاً، فيجب على المسؤولين الأميركيين إعلان دعمهم للانتخابات الحرة، وحكم القانون، أو حقوق المرأة في الدول الأخرى، فقط إذا لم يكن ذلك يعرض الأمن والازدهار الاقتصادي الأميركيين للخطر.

واستناداً لما سبق، فإن فكرة تيليرسون عن السياسة الخارجية تعكس سوء فهمه للتاريخ الأميركي وجوهر هويته الوطنية. فهي كما لو كانت تعني أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تتميز بمبانيها الشاهقة وغاباتها وسهولها ونهر المسيسبي، إلا أنه ثمة ما هو أكثر أهمية بكثير، مثل إعلان الاستقلال والدستور. ويمكن قطع الغابات، وأن تجف الأنهار، وعندها يمكن أن تصبح الدولة فقيرة، لكنها ستظل الولايات المتحدة الأميركية.

وأكمل تيليرسون ملاحظاته المتعلقة بوصف موقف أميركا حول العالم، وتحدث بصورة أساسية عن كوريا الشمالية والصين، وروسيا، وتنظيم داعش. وبالكاد ذكر علاقات الولايات المتحدة مع الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، التي تشكل الأساس لتحالفات أميركا. وكان أداء تيليرسون ضحلاً لأسباب عدة، أهمها أنه قال «الحرب الباردة كانت أسهل كثيراً» من العالم الذي نعيش فيه. وفي حقيقة الأمر إن هذا الحديث غير صحيح، إذا أخذنا بعين الاعتبار التهديد النووي الذي كان مسلطاً. وكان وزير الخارجية الأميركي يتحدث في مدرج يطلق عليه اسم دين أكيسون، وهو وزير الخارجية الأميركي في الفترة ما بين 1949 و1953، وربما يكون هذا الرجل هو أفضل من تسلم هذا المنصب في القرن العشرين. وفي عام 1951، ألقى أكيسون خطاباً، وضح فيه وجهة نظر السياسة الخارجية الأميركية، بصورة مختلفة تماماً عما قاله تيليرسون. وبعد الحديث عن الأحداث في أوروبا، والشرق الأوسط، وآسيا، أي بدأ بأصدقاء أميركا، وصل إلى الخاتمة التي مفادها «أن أعظم ما نفتخر به، وهو أفضل من قوتنا المادية، هو الفكرة الأميركية، إذ ليست هناك حاجة لتبليغ الأميركيين بما تحمله هذه الفكرة، إنها جزء من حياتنا اليومية، التي لا نقف عندها لتعريفها».

تويتر