كانت تعد دولة غنية في أميركا الجنوبية ومقصداً سياحياً

صراع السلطة في فنزويلا يقف بين الاشتراكية والموت

صورة

بدأ كارلوس مورينو، وهو شاب فنزويلي يبلغ من العمر 17 عاماً، لتوه في دراسة علم الاقتصاد منذ شهر، بجامعة «فنزويلا المركزية» بالعاصمة كاراكاس. غير أنه قُتل منذ بضعة أيام بطلقة نارية، أصابته في رأسه خلال مسيرة احتجاجية، شارك فيها الملايين، وجابت شوارع فنزويلا للمطالبة بالديمقراطية.

وقال زملاء مورينو في المظاهرات، إنه قتل على يد أفراد ميليشيات مسلحة يستقلون دراجات نارية، وهذه الميليشيات موالية للحكومة الاشتراكية في البلاد. لكن زعيم المعارضة، هنريك كابريليس، قال إن دم مورينو في رقبة الرئيس نيكولاس مادورو.

وكتب كابريليس في تغريدة في حسابه على «تويتر» يقول إن «الجهة الوحيدة المسؤولة عن عملية القتل هذه هي مقر الإقامة الحافل بمظاهر الوحشية لنيكولاس مادورو»، مشيراً بذلك إلى القصر الجمهوري بفنزويلا.

وكانت فنزويلا تعد الدولة الغنية في أميركا الجنوبية، إلى جانب كونها مقصداً سياحياً يلقى رواجاً، أما الآن، وبعد 18 عاماً من تبني نظام الحكم الاشتراكي، أصبحت هذه الدولة على شفا الانهيار، مع ظهور مخاوف من التحول إلى أوضاع أكثر سوءاً.

البرامج الاجتماعية هي حجر الزاوية للسلام الاجتماعي في فنزويلا، غير أنه مع تصاعد حركة الاحتجاجات وتزايد التوترات يبدو أن السلام الاجتماعي أصبح مراوغاً بشكل أكبر.

وفي كل يوم تقريباً يصطف مئات الآلاف من المواطنين في الشوارع، مشكلين بحراً من الأعلام الفنزويلية، التي تحمل الألوان الصفراء والزرقاء والحمراء، وهم يرددون الهتافات «لا ديكتاتورية بعد اليوم»، و«نعم، نحن نستطيع».

وقتل سبعة من المحتجين، وجندي من الحرس الوطني، وأحد المارة، وسط أعمال القمع العنيفة من جانب الشرطة التي رصدتها الكاميرات، وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع وتضرب المحتجين، وأصيب واحتجز مئات آخرون.

ويقف الرئيس مادورو، الذي كان يعمل من قبل سائقاً للحافلات العامة في مركز العاصفة، فقد ارتدى عباءة الرئيس الراحل الذي سبقه هوغو شافيز، الذي يعد مهندس الاشتراكية الفنزويلية، وقام بتقليده بدعوة مؤيديه إلى الانضمام إليه دفاعاً عن الوطن.

وعلى الرغم من محاولات تنحيته عن الحكم من خلال إجراء استفتاء جماهيري لعزله، فإنه شدد قبضته على السلطة خلال الأشهر الأخيرة، بينما يرى الكثيرون أنه فقد القدرة على رؤية الأوضاع الحقيقية التي تمر بها البلاد.

ويقوم مادورو بتلطيخ سمعة المتظاهرين بوصفهم بأنهم دمى «إرهابية»، تستخدمهم الولايات المتحدة، وبأنهم يتآمرون للقيام بانقلاب. ويفسر مادورو أسباب الأزمة الاقتصادية الحادة في بلاده، التي اقتربت العملة الفنزويلية في ظلها من أن تكون بلا قيمة، مع نقص بالغ في المواد الغذائية، بأنها نتيجة لاستراتيجيات الحرب الاقتصادية التي تشن ضد فنزويلا من الخارج، والتي أصبحت أكثر حدة بسبب انخفاض أسعار البترول.

وكلف مادورو الجيش بمسؤولية توزيع حصص المواد الغذائية، وطالب متلقي الأغذية بأداء قسم الولاء له، وظهر نائبه على القائمة الدولية التي تصدرها الولايات المتحدة لكبار مهربي المخدرات، جنباً إلى جانب مع إمبراطور تجارة المخدرات المكسيكي خواكين «إل تشابو» جوزمان.

وبالنسبة لمواطني فنزويلا، فإن الأمر جد خطر، فقد وصل معدل التضخم إلى ثلاثة أرقام، كما أن الحد الأدنى من الأجور أصبح يساوي الآن ما قيمته 10 يورو في الشهر، وصارت المتاجر الكبرى «السوبرماركت» خالية من الزبائن، بينما تعاني المخابز نقصاً في الدقيق اللازم لصناعة الخبز، ومن ناحية أخرى صار ثمن المياه أغلى بشكل متزايد من البنزين، الذي يتم دعمه بشدة ليصبح الأرخص سعراً في العالم.

أما إخراج فنزويلا من حالة الفوضى التي تعانيها حالياً، فسيكون أكثر صعوبة من الظروف التي دفعت بالبلاد إلى هذه الحالة من الفوضى والاضطراب.

وقال نائب رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، ونائب رئيس المعارضة، فريدي جيفارا، إن فنزويلا تحتاج، في ظل نقص المدفوعات، إلى إعادة هيكلة، ما أصبح الآن عبئاً صعباً من الديون لا يمكن إدارته، كما يحتاج الاقتصاد إلى التنويع بعيداً عن اعتماده الحالي على صادرات البترول، وهي مسألة ثبت أنها مميتة مع تراجع أسعار النفط على المستوى العالمي.

من جانب آخر، أضاف جيفارا «أن من الخطأ شيطنة كل سياسات الاشتراكيين».

وجاء هذا التعليق من جانب جيفارا الذي كان في السابق زعيماً طلابياً، وهو يتحدث من مسكنه الصغير داخل مبنى شاهق، حيث توجد آلة غيتار موسيقية في أحد الأركان، بينما تطل من الرف نسخ من كتيب «دليل الديمقراطية الثورية» الذي ألفه.

وأوضح أن البرامج الاجتماعية هي حجر الزاوية للسلام الاجتماعي، غير أنه مع تصاعد حركة الاحتجاجات وتزايد التوترات، يبدو أن السلام الاجتماعي أصبح مراوغاً بشكل أكبر.

وقامت المعارضة، وهي ائتلاف من الأحزاب، يتضمن أطيافاً من اليسار إلى يمين الوسط، بجمع ملايين التوقيعات الصيف الماضي، لإجراء استفتاء بهدف عزل مادورو، وفقاً لإجراء دستوري، غير أن هذه العملية أبطلها حلفاء الحكومة.

وتصاعدت المطالب بإجراء انتخابات، ويتم الآن سماع هذه المطالب من شوارع كاراكاس موجهة إلى منظمة الدول الأميركية.

تويتر