لطالما تمكنت زعيمته من الحفاظ عليه متماسكاً عن طريق الوعود بانتصار انتخابي

حزب «الجبهة الوطنية» يواجه التفتت لو خسر الانتخابات

صورة

ما كادت تنتهي جولة الانتخابات الأولى قبل أيام، حتى وصلت تصريحات الرئيس السابق لحزب الجبهة الوطنية التقدمية جان لوبان، إلى الصحف الفرنسية، إذ ظهر الرجل كأنه يقدم حملة رئاسية مبكرة لابنته. وقال لوبان لإذاعة «فرانس إنتر»، إنني «لو كنت مكانها لقمت بحملة على غرار ما قام به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث تكون حملة أكثر انفتاحاً وحزماً ضد أولئك المسؤولين عن تفسخ دولتنا، سواء كانوا من اليمين أو اليسار».

حزب الجبهة الوطنية واجه أكثر من انقسام خلال تاريخه الذي يزيد على 40 عاماً.


الضغط للتغيير

على الرغم من أن ماريون لوبان تشكل ذخراً كبيراً لخالتها مارين، إلا أن هذه الأخيرة انتقدتها علناً، خلال مقابلة مع مجلة «فيم أكتولي» النسائية في مارس الماضي، وقالت مارين إذا تم انتخابي في منصب الرئيس، فلن يكون لماريون مكان في حكومتي، وأضافت: «ابنة أختي عضو في البرلمان، وأنا لا أدين لها بأي شيء، ولا أدين بأي شيء لأحد».

ولاتزال ماريون شابة صغيرة، ومن غير المرجح أن تشكل تهديداً حقيقياً لزعامة خالتها للحزب، لكن خسارة الأخيرة المحتملة للانتخابات يمكن أن تدفع ماريون إلى استغلال أنصارها في الحزب للضغط على خالتها، وإجبارها على تغيير استراتيجيتها السياسية والانتخابية.

الابنة تغير الحزب

منذ أن سيطرت لوبان الابنة على الحزب، والتي كانت بخلاف والدها واضحة في إصرارها على الوصول إلى الحكومة، عملت على إبعاد نفسها عن والدها، ونوعية السياسة التي كان ينتهجها. وركزت على الهجرة، والأمن، والخروج من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التركيز على القضايا الاجتماعية الساخنة، مثل الإجهاض وزواج المثليين. وساعدتها هذه الاستراتيجية على نقل الجبهة الوطنية إلى أماكن جديدة، الأمر الذي مكنها من الحصول على ناخبين جدد، من الذين يشعرون بالسخط من الأنظمة السياسية الحالية، ولم يعد من المحظورات بالنسبة لهم التصويت للجبهة الوطنية.

وقد كان ذلك انتقاداً جريئاً من سياسي، رغم أنه رشح نفسه للرئاسة مرات عدة، إلا أنه لم يحقق ما أنجزته ابنته مارين، التي يتوقع أن تحصل على 40% من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة غداً، لكن يبدو أن تعليقات لوبان الأب ربما إشارة إلى ما سيأتي.

وبالنسبة لأعضاء حزب الجبهة الوطنية، هناك سبب قوي للاحتفال بنتائج حملتهم الانتخابية، وبغض النظر عما سيأتي غداً، وأن يصفقوا للمرأة التي جعلت هذا الأمر ممكناً، إذ إن رئيسة الحزب لوبان الابنة، التي تربعت على زعامة الحزب عام 2011، بهدف تحسين سمعة الحزب الذي طالما كان يعتبر سابقاً حزباً هامشياً بالنظر إلى عدائه للسامية والأجانب، حققت له أكبر نسبة من الأصوات في انتخابات رئاسية. وعلى الرغم من أن كثيرين يعتقدون أن الحزب سيخسر في الجولة الثانية، إلا أنه حقق نتائج جيدة.

متاعب وشيكة

وعلى الرغم مما سبق إلا أن ثمة إشارات إلى أن المتاعب تلوح في الأفق بالنسبة لحزب الجبهة الوطنية، فقد أمضت مارين لوبان ست سنوات، وهي تسير على مسار دقيق بين مناشدة جزء عريض من الناخبين، الذين يشعرون بالقلق من الهجرة والاتحاد الأوروبي، وبين تهدئة قاعدة المتشددين في حزبها اليميني، المهتمين قبل كل شيء بإنشاء هرم ثقافي يستفيد مما يراه هوية العرق الفرنسي التقليدية. وظهرت الانقسامات حتى الآن على السطح، من أجل تقديم جبهة انتخابات موحدة، لكن هذا التحالف المتباين الذي يشكل الآن الجبهة الوطنية، يمكن ألا يستقيم كذلك حال تعرضه لخسارة انتخابية. وإذا تعرض الحزب للخسارة سيجبره ذلك على تغيير استراتيجيته، التي أوصلت الحزب إلى ما هو عليه اليوم. وقالت الخبيرة بالحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا، من جامعة أكسفورد، كاترينا فرويو، إن «أحد الأسئلة الكبيرة التي ستواجهها مارين لوبان، في أعقاب الجولة الثانية هو: لماذا لم يحقق الحزب ما كان متوقعاً منه؟». وأضافت: «سنرى الكثير من الانقسامات الداخلية في الحزب، تحتل دوراً كبيراً جداً من نقاشات ما بعد الانتخابات».

وإذا انتشرت انقسامات الجبهة الوطنية على الملأ بعد انتخابات 7 مايو، فلن تكون تلك المرة الأولى التي يقع فيها ذلك داخل حزب يميني متشدد في أوروبا، وتنزع هذه الجماعات إلى الكفاح بشدة، عندما تحاول الانتقال من مجرد الاحتجاجات إلى أحزاب تصبو إلى الوصول للحكومة. وتتطلب هذه الانتقالات توسيع مناشدة الحزب بطرق يمكن أن تؤدي إلى غضب قاعدته. وعلى سبيل المثال، أعلنت رئيسة حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف، فراوك بيتر، أنها لن تكون المرشح الرئيس لحزبها في الانتخابات الوطنية، في الخريف المقبل، إثر شهور من الصراع الداخلي في الحزب على مقترحاتها المتعلقة بالسياسات الواقعية نسبياً.

ولن تكون هذه المرة الأولى التي تؤدي فيها التفسخات الداخلية إلى تعكير الجبهة ذاتها، فقد واجه حزب الجبهة الوطنية أكثر من انقسام، خلال تاريخه الذي يزيد على 40 عاماً، وكان أشهرها عندما غادر برونو ميغريت الذي يأتي ترتيبه الثاني بعد جان ماري لوبان، الجبهة الوطنية عام 1998، نتيجة خلافات على قيادة الحزب، وكان ميغريت يرى أن قيادة لوبان المتطرفة للحزب منفرة للآخرين.

لكن إذا خسرت لوبان الانتخابات فليس من المرجح أن يتعرض منصبها كرئيسة للحزب للخطر، وبخلاف حزب البديل لألمانيا، فإن حزب الجبهة الوطنية كان تاريخياً حزباً عائلياً، وليس هناك حالياً أي تحديات يمكن أن تؤثر في زعامة لوبان الابنة.

وقالت الخبيرة في التمييز الجنسي والجبهة الوطنية في جامعة وسط أوروبا، دوريت جيفا: «لا أرى منافسة على القيادة في الحزب حالياً، إذ إن مارين تسيطر بقوة على قيادة الحزب، حيث تحظى بدعم وشرعية كبيرين»، وإذا اتخذت مواقف قوية خلال الانتخابات، داعبت من خلالها عواطف أنصارها، فستخرج منها زعيمة أقوى من أي وقت مضى للحزب. لكن خسارتها للانتخابات من شأنها تقوية بعض العناصر داخل الجبهة الوطنية، التي تمت تهدئتها سابقاً عن طريق الوعود بالنصر الانتخابي.

وظهرت الجبهة الوطنية في سبعينات القرن الماضي، عندما تمكن جان ماري لوبان بمساعدة آخرين من جذب الأنصار والمؤيدين من المجموعات المناوئة للسامية ومن النازيين الجدد. وعلى الرغم من أنها حققت بعض الانتصارات الانتخابية عبر السنوات، خصوصاً الانتخابات المحلية أو البرلمانية، في جنوب فرنسا حيث السكان الكاثوليك والمحافظون، إلا أن الجبهة الوطنية بقيادة لوبان الأب، كانت عبارة عن حزب لصنع الضجيج، وليس للوصول إلى الحكومة.

ولم تتغير القاعدة الأصلية للحزب، ولا الناخبون الذين شعروا بالسعادة، لأن الحزب صار تطلق عليه نعوت من قبيل الجبهة الوطنية الأكثر لطفاً. وكانت فرقة من داخل الحزب تفضل سياسات لوبان الأب الاجتماعية المحافظة جداً، خصوصاً في جنوب فرنسا حيث أسست الجبهة الوطنية قاعدة قوية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. ووجدت هذه القاعدة بطلها في ابنة أخت مارين لوبان، وهي ماريون مارشال لوبان، التي تم انتخابها، وهي في الـ22 من العمر، العضو الأصغر سناً في البرلمان منذ زمن. وهي الآن في الـ27، وأصبحت محبوبة موقع الأخبار الأميركي اليميني «بريتبارت»، وتعتبر نفسها حارسة إرث مؤسس الحزب جان لوبان. وقالت ماريون في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي: «أنا الوريث السياسي لجان ماري لوبان، ونحن جميعاً في الجبهة الوطنية ورثة له، لقد كان صاحب رؤية»، وماريو تؤيد كل أفكار جدها بصورة متشددة.

إيميلي شولتيس كاتبة مستقلة مقيمة في باريس.

تويتر