يولي اهتماماً للقضاء على الإرهاب وعودة اللاجئين إلى ديارهم

الرأي العام الغربي لا يبالي بقتــل المدنيين في الشرق الأوسط

الأزمة السورية تجاوزت عتبة أوروبا وتتجلى حالياً في سياستها. أرشيفية

يبدو العالم في حالة من الفوضى وعدم اليقين، أكثر من أي وقت مضى، منذ نهاية الحرب الباردة.. القادة المتسلطون يشددون قبضتهم، والديمقراطية الليبرالية نفسها تبدو تحت الحصار، كما أن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية يتلاشى مع استفحال القتال عبر الحدود، في حين فشلت المؤسسات الدولية التي بنيت، على الأقل نظرياً، لتكون بمثابة مكابح للذبح الوحشي، في تقديم الحلول. في المقابل، فإن الحركات الشعبوية على جانبي المحيط الأطلسي لا تركب موجة الغضب المناهض للمؤسسات القائمة فحسب، لكنها تثير المخاوف من توجهات دينية «أخرى»، وهذه المرة تستهدف المسلمين.

مصالح متعارضة

اندلعت الحرب في سورية، عندما كان العالم يمر بمرحلة يسودها التقسيم وعدم الفاعلية.. كانت روسيا حريصة على دور أكبر، والولايات المتحدة تتراجع، وأوروبا تستهلك في مشكلات داخلية. ولدى موسكو وواشنطن مصالح متعارضة في سورية، ما أدى إلى تعطل مجلس الأمن، ولا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئاً يذكر سوى توثيق جرائم الحرب، في وقت أصبحت فيه أكثر روتينية.

ويهدد الصراع السوري الأساس الوحيد للحياد الطبي في الحرب، وهو مبدأ نصت عليه اتفاقية جنيف، اللازمة للحفاظ على الجهود الصحية العالمية، مثل مكافحة الأوبئة؛ وفقاً لمجلة «لانست» الطبية البريطانية والجامعة الأميركية في بيروت. وحذرت الجهتان من «عسكرة الرعاية الصحية» في سورية، خصوصاً من قبل الحكومة، حيث قتل أكثر من 800 عامل طبي في مئات الهجمات، وألقي القبض على أطباء كانوا يعالجون المتظاهرين المصابين، وحجبت الإمدادات الطبية عن المناطق المحاصرة.

400

ألف سوري، قتلوا خلال الحرب، إضافة إلى تشريد الملايين، وتحولهم إلى نازحين ولاجئين، يطرقون أبواب أوروبا.

هذه التحديات التي أصبح الغرب في مواجهتها بعد الحرب العالمية الثانية، تمت بلورتها ضمن أيديولوجية تدفع نحو خلط في المفاهيم، ربما يلخصه مصطلح «مسلمون يقتلون مسلمين»، وهو المصطلح الذي يلخص سياسة الغرب تجاه «الحرب السورية».

وبينما تدخل الحرب عامها السابع، يرتفع عدد القتلى إلى 400 ألف شخص، إضافة إلى تشريد الملايين وتحولهم إلى نازحين ولاجئين يطرقون أبواب أوروبا. إن مفهوم العالم (بعد الحرب)، الذي لم يعد يسمح للقادة بقتل مواطنيهم دون تمييز، يبدو الآن في تراجع كامل، فعملية القمع التي قام بها النظام السوري ضد شعبه مازالت مستمرة عاماً بعد آخر؛ وما يحدث في سورية لم يسبق له مثيل في العالم. ويبرر الأسد ما يقوم به من قمع ضد شعبه، بالمفهوم الذي انتشر عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهو «محاربة الإرهاب».

تصرف أحادي

يقول المعارض السوري ياسين الحاج صالح، الذي سجنه النظام على مدى عقدين من الزمان، إن الحرب السورية غيرت العالم، لقد كشف الصراع السوري حالة من الشلل في مجلس الأمن الدولي، والهجمات الصاروخية التي شنتها أميركا على القاعدة الجوية السورية، كانت تصرفاً أحادياً لا يمثل نقطة في بحر الاضطرابات التي تشهدها سورية، إذ لم يمضِ على تلك الهجمات أكثر من أسبوعين، حتى عاد نظام الأسد لسياسة القصف العنيف بدعم روسي.

ويبدو واضحاً أنه لا يوجد توافق في الآراء، حول ما كان ينبغي أو لايزال من الممكن القيام به بالنسبة لسورية، أو ما إذا كان هناك نهج دولي أكثر صرامة، من شأنه أن يحقق نتائج أفضل. وحافظ البيت الأبيض في عهد باراك أوباما على حياده حيال سورية، لتجنب أخطاء غزو العراق واحتلاله، وزعم القادة الغربيون أنه على خلاف الحرب الأهلية في البوسنة في التسعينات، فإن الصراع السوري يمكن أن يشتعل بعيداً عن بلدانهم، سواء كان ذلك أخلاقياً أم لا، وهذا الحساب غير صحيح، لقد تجاوزت الأزمة عتبة أوروبا وتتجلى في سياستها.

الهوية والثقافة

يقول مدير «إنترناشونال كرايسيس غروب» الشرق الأوسط، الهولندي جوست هيلترمان، «لقد وضعنا القيم جانباً، لكننا لم نتمكن أيضاً من العمل من أجل مصالحنا الخاصة، لأننا تركنا الأمور تستمر لوقت طويل». وشكلت أزمة اللاجئين واحداً من أكبر التحديات للاتحاد الأوروبي وقيمه الأساسية: حرية التنقل والحدود المشتركة والتعددية. وقد زاد القلق حيال الهوية والثقافة، ما أدى إلى إضعاف الأمن الاقتصادي، وعدم الثقة في النخب الحاكمة التي ازدهرت على مدى عقود مع العولمة والأزمات المالية.

وفجأة.. أقامت دول أوروبية أسواراً ومعسكرات اعتقال لوقف المهاجرين؛ وفي حين رحبت ألمانيا باللاجئين، فإن بلداناً أخرى قاومت تقاسم العبء، وتحدث اليمين المتطرف عن حماية أوروبا المسيحية البيضاء، وحتى حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لعبت جزئياً على مخاوف اللاجئين.

ويمكن للمرشحة المناهضة للمهاجرين، مارين لوبان، التى تريد أن يبقى الأسد في السلطة، أن تفوز بالجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات الرئاسية في فرنسا. والحزب اليميني المتطرف في ألمانيا يترصد بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وفي الانتخابات الهولندية، الشهر الماضي، كان أداء حزب اليمين المتطرف، الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، أسوأ مما كان متوقعاً، لكنه غيّر الطيف السياسي إلى اليمين.

لقد تم إنشاء الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في القرن الماضي، بعد حروب مدمرة، للحفاظ على السلام، ومنع الاضطهاد، وإخضاع القادة للمساءلة وتقديم المساعدة إلى أشد الفئات ضعفاً. لكن الثقة في هذه البلدان تنحسر عندما تكون هناك حاجة ماسة إليها، إذ إن اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب، التي لم تنفذ دائماً، يتم التهرب منها علناً.

أكثر سواداً

يخشى المعارض السوري ياسين الحاج صالح أن «توسيع الحالة السورية لتشمل العالم بأسره» سيجعل المشهد أكثر سواداً؛ ويشبه صالح الشعبوية ومعاداة المسلمين، حالياً، بخليط الفاشية ومعاداة السامية خلال الحرب العالمية الثانية. وقال إن «الأجواء في العالم لن تتجه نحو الأمل والديمقراطية والإنسان»، متابعاً «إنها تسير نحو القومية والكراهية وصعود الدولة الأمنية». وفي الولايات المتحدة، كما هي الحال في أوروبا، المتطرفون اليمينيون هم من بين الذين يتبنون ردود الفعل الاستبدادية العنيفة والعشوائية للتهديدات «الإسلامية» المتصورة. وينشر القوميون البيض، مثل ريتشارد سبنسر وديفيد ديوك، وهو الزعيم السابق للمنظمة العنصرية «كو كوكس كلان»، صوراً على وسائل الإعلام الاجتماعية للأسد، الذي يصور نفسه حصناً ضد التطرف.

العلاقة مع الأسد

يطالب البعض في الغرب بتطبيع العلاقات مع الأسد، على أمل أن يساعد ذلك في محاربة تنظيم «داعش»، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم. لكن دون مساءلة أو إصلاحات سياسية، فإن هذه النتائج من الصعب أن تتحقق. فخلال عقد مضى قضيته (الحديث للكاتب) في تغطية العنف ضد المدنيين بالشرق الأوسط، غالباً يبدو أن القتل الجماعي من قبل الدول أقل تأثيراً في الرأي العام الغربي، من عمليات القتل التي يقوم بها «داعش»، وسلفه تنظيم «القاعدة».

ومن الصعب التغلب على الشعور بأن المخاوف الغربية من الإرهاب قد ازدادت حدة، لدرجة أن الكثيرين مستعدون للتسامح مع أي عدد من الوفيات بين المدنيين، وأي انتهاكات لسلطة الدولة، باسم محاربته. وقد لعبت الحرب التي شنتها أميركا على الإرهاب دوراً بارزاً في جعل انتهاكات القواعد الإنسانية والقانونية روتينية: الاعتقالات في غوانتانامو، والتعذيب في أبوغريب، واستمرار قصف الطائرات بدون طيار والحروب الجوية، مع تزايد الخسائر المدنية في سورية والعراق واليمن، وفي أماكن أخرى.

آن برنارد كبيرة مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» في بيروت

تويتر