ماطل في قبولها بناديه

الاتحاد الأوروبي يفقد تركيا في استفتاء الأحد وأحداث السنوات الأخيرة

أردوغان يلقي خطاباً أمام مناصريه. رويترز

من خلال النظر من زاوية مقابلة من قارتنا الأوروبية، تشاركت كل من بريطانيا وتركيا، على مدى عقود من الزمن، وجهة نظر مماثلة بشأن كتلة اليابسة الأوروبية الواقعة بينهما، وصار كلا البلدين ينظر إلى أوروبا كعامل لتعزيز ازدهارهما، والعمل معاً من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لتعزيز أمنهما المشترك. وكلا البلدان لديه ماض امبراطوري، وشعور قوي بالاستقلال، وحاولا إيجاد طريقة للعمل داخل الاتحاد الأوروبي، إذ حاولت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من خلال التقدم بطلب منذ عام 1987.

على الرغم من أنهم قد صوتوا لوضع ثقتهم برجل واحد، بطريقة يعتقد الشعب البريطاني أنه لا يمكنه الإقدام عليها، لايزال لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الشعب التركي.


قومية اقتصادية

تعكس نتيجة الاستفتاء في تركيا بعض الأمور المهمة جداً التي يتجه نحوها العالم، ما يؤكد، بطبيعة الحال، أن القومية الاقتصادية والسياسية آخذة في الازدياد، بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية للعولمة والإرهاب وتدفقات اللاجئين.

أوروبا، التي كان من الممكن أن تحتضن بريطانيا، وتستضيف تركيا في صفوفها، كانت ستستطيع السيطرة على بوابات مهمة، تفضي إلى كل من عالم ما وراء الأطلسي في الغرب، والعالمين الإسلامي والآسيوي في الشرق. وفي الواقع، فإن الرؤية العظيمة لأمة مسلمة ديمقراطية، تتمركز بشكل دائم في أوروبا، هي التي دفعت السياسيين البريطانيين إلى دعم عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وكانت هذه جائزة استراتيجية كبيرة للاتحاد الأوروبي، ومن شأنها أن تكون الرد الشافي لما يسمى «صراع الحضارات»، بدليل أن الديمقراطيات الإسلامية والمسيحية يمكن أن تتوحد، ويمكنها تشجيع الاتحاد الأوروبي على توسيع نطاقه، ويصبح لا مركزياً في الوقت نفسه.

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لم يفقد بريطانيا فحسب، إذ إن نتيجة استفتاء يوم الأحد وأحداث السنوات الأخيرة تدل على أنه فقد تركيا أيضاً. وعلى الرغم من نجاح الاستفتاء بهامش ضيق جداً، لم تستطع من خلاله المعارضة استخدام البث على الهواء، وافق الناخبون الأتراك على دستور جديد، يمنح صلاحيات واسعة للرئيس رجب طيب أردوغان، ووضعوا بلادهم بوضوح على الطريق المفضي لدولة ربما «سلطوية».

وهذه ليست أنباء طيبة لأي مراقب خارجي أو صديق. وبصفتي وزير خارجية سابقاً، قمت بزيارات إلى تركيا أكثر مما أستطيع أن أتذكر، وعملت بشكل وثيق مع الوزراء في أنقرة، وشجعت تطلعاتهم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى جانبنا، وعبرت عن إعجابي بإحياء الاقتصاد التركي، وسياسة البلاد الخارجية، ذات النظرة البعيدة في السنوات الأولى لحكم أردوغان، لكن الآن، وعلى خلفية انقلاب فاشل يستخدم كسبب لتطهير واعتقال عشرات الآلاف من المعارضين، فإن الرجل نفسه يقود بلاده إلى طريق مسدود من التعصب والانقسام.

وستكون النتيجة اقتصاداً ضعيفاً، وتضاؤلاً في الثقة الدولية بسيادة القانون، والأسوأ من ذلك فإن تركيز هذه السلطة في دولة أكثر مركزية، سيجعل من الصعب التوفيق بين الانقسامات العديدة بين الأتراك، سواء كانوا علمانيين أو محافظين دينيين أو أكراداً.

ويقبع عشرات الآلاف من المواطنين في السجن لأسباب سياسية، وتتعرض وسائل الإعلام للتخويف والترهيب بلا هوادة، كما أن انتصار الاستفتاء بنسبة 51% سيتم التعامل معه كتفويض لتنفيذ كل ما يريده الرئيس. ثقة مفرطة برجل واحد فقط، سيكون في يده الكثير من السلطة لفترة طويلة جداً، يتصف بالحساسية القصوى للنقد. وقد أصبح عدد قليل من البلدان أماكن مزدهرة أو سعيدة بمثل هذه الأنظمة من الحكم.

هذا الاحتمال يبعث على القلق العميق لأصدقاء تركيا في الخارج، لكن لا يمكن تجاهله باعتباره مجرد حدث عشوائي، تسبب فيه رجل واحد مع معاونيه، وتعكس النتيجة في تركيا بعض الأمور المهمة جداً التي يتجه نحوها العالم، ما يؤكد، بطبيعة الحال، أن القومية الاقتصادية والسياسية آخذة في الازدياد. وبغض النظر عن الضغوط الاقتصادية للعولمة والإرهاب، وتدفقات اللاجئين - تتحمل تركيا أكثر من نصيبها من هؤلاء المهاجرين - فإن الكثير من الشعوب صارت تتحول إلى أمة قوية، مع قائد قوي، ولو لم يكن من الممكن توقع ما سيفعله. ولنلق مجرد نظرة على الولايات المتحدة الأميركية.

ويظهر أيضاً أن فجر عصر المعلومات لم يجلب معه انتصاراً حتمياً للديمقراطية الليبرالية، على أساس أن المواطنين يتلقون الرأي والأخبار من مصادر كثيرة، وأن الحكومات غير قادرة على السيطرة على ما يسمعه ويراه الناخبون. بل على العكس من ذلك، فإن الاستبداد صار يستفيد بشكل جيد من صعود وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تستغل وكالات الدولة ومناصريها طرقاً جديدة لنشر الشائعات، وتنظيم حملات التشويه، ليضمنوا أن الرأي العام يصب في مصلحتهم. لقد أصبحت روسيا بارعة بشكل خاص في هذا المجال، كما أن شخصيات مثل أردوغان ليست بطيئة في التعلم.

وبما أن تركيا أخذت تنسحب عن المعايير الأوروبية لحقوق الإنسان والديمقراطية، فإن ذلك يعكس أيضاً ضعف قوة الاتحاد الأوروبي في استقطاب أمم أخرى لمداره، وارتفاع جاذبية الشرق. فعندما فتحت بروكسل أخيراً المفاوضات لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2005، كان الأتراك لايزالون يعاملون في أوروبا كمتدينين، ويطالبهم الأوروبيون بتغيير نهجهم للدخول إلى هذا النادي. بعد 10 سنوات من النمو البطيء، وأزمات اليورو التي لا نهاية لها، ضعفت المغناطيسية الأوروبية إلى حد كبير، وأصبحت غير جاذبة للأتراك. وفي الوقت نفسه، تستثمر الصين مبالغ ضخمة في ما يسمى بطرق الحرير الجديدة (طرق جديدة رئيسة للنقل والطاقة عبر آسيا الوسطى)، ولهذا لم يعد بالضرورة أن تؤدي جميع الطرق إلى الغرب.

والدرس الأخير هو أن سوء معاملة أوروبا الجماعية لتركيا كان مأساوياً. عاماً بعد عام يتم إلغاء اجتماعات حيوية من مفاوضات انضمام تركيا، عادة في باريس وأثينا ونيقوسيا. وأبقت أوروبا المسافة بينها وبين تركيا متسعة، وتمت عرقلة كل الجهود لكي تصبح تركيا دولة أوروبية، وفي نهاية المطاف ابتعدت هي بنفسها عن هذا المسعى، ينتابها شعور بخيبة الأمل والازدراء.

وكان من الممكن أن يحتضن الاتحاد الأوروبي تركيا، تماماً كما كان من المحتمل أن يحافظ على بريطانيا عضواً إذا كانت مستعدة لتقديم تنازلات بشأن الهجرة، لكن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الإرادة الجماعية للقيام بما هو ضروري لنجاحها. ولذلك، ينبغي ألا ننظر إلى نتيجة الاستفتاء على أن الأتراك منحوا حواسهم إجازة لأسباب خاصة بهم، لكن كأحد انعكاسات الفشل الأوسع نطاقاً في بلدهم، وأيضا في الجوار، وهذا يعني أننا يجب ألا ندير ظهورنا للأتراك، فهم لايزالون محوراً حيوياً للتوصل لحل للحرب في سورية، وإدارة تدفقات الهجرة التي من المتوقع أن تنمو أكبر من ذلك بكثير. إنهم حلفاء حيويون، يعيشون في واحدة من أكثر النقاط الحاسمة استراتيجياً في العالم بأسره.

وعلى الرغم من أنهم قد صوتوا لوضع ثقتهم برجل واحد، بطريقة يعتقد الشعب البريطاني أنه لا يمكنه الإقدام عليها، لايزال لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الشعب التركي، ويجب أن نحزن بالنسبة لهم هذا الأسبوع، لكن على المدى الطويل، ينبغي أن نظل منفتحين بشأن التجارة والتحالف والتفاهم المشترك والصداقة.

وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني السابق

تويتر