يستغلون الانقسامات الاجتماعية لتعزيز نفوذهم

أفغانستان.. الهدف المقبل للمــــتطرفين بسبب تلكؤ أميركا

صورة

مع اشتداد الحملة العسكرية لاستعادة مدينة الرقة ووصول القوات الأميركية إلى سورية، واقتراب معركة تحرير الموصل العراقية من مراحلها الأخيرة، يبدو أن هزيمة تنظيم «داعش» باتت وشيكة. وفي إطار التحضير لمرحلة ما بعد «داعش»، كتب الكثير حول ما سيبدو عليه العراق وسورية في أعقاب نهاية حكم التنظيم. ومع ذلك، وبعيداً عن النقاش حول عودة الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى ديارهم، هناك اهتمام ضئيل بالطموحات الإقليمية المستقبلية للمتطرفين. في سبتمبر 2014، وفي ذروة قوة «داعش»، شكل العراقيون والسوريون الأغلبية الساحقة من الكادر العسكري للتنظيم. وعندما يسقط الأخير، أين سيكون مسرح العمليات القادم؟

كل شيء قد يتغير بسرعة

ألقى الجيش الأميركي أخيراً أكبر قنبلة غير نووية، مستهدفاً شبكة أنفاق تابعة لتنظيم «داعش» في أفغانستان. وذكر مسؤولون عسكريون في أفغانستان أن قنبلة جي بي يو-43 شديدة التدمير استهدفت «شبكة أنفاق» في منطقة آشين في ولاية نانغرهار. وأكد المتحدث باسم سلاح الجو الأميركي، العقيد، بات رايدر أن القنبلة المذكورة هي أضخم قنبلة غير نووية تستخدم في القتال. واستخدم الجيش الأميركي هذه القنبلة لأنها الذخيرة المناسبة لتقليل الحواجز والحفاظ على زخم الهجوم على التنظيم، وفق القادة في البنتاغون.

ويأتي القصف على أفغانستان بعد أيام من ضربة أميركية استهدفت مطار «الشعيرات» العسكري التابع للنظام السوري، شرقي سورية، بعشرات الصواريخ من نوع «توماهوك»، رداً على استهداف النظام بلدة خان شيخون، شمال غرب البلاد، بالأسلحة الكيماوية، مطلع الشهر، ما يظهر أن إدارة الرئيس دونالد ترامب مستعدة لاستخدام القوة في كل مكان تقتضي فيه الضرورة ذلك.

قد يكون مغرياً أن يعالج هذا الأمر من منظور عسكري بحت- خصوصاً في ضوء ضخ الرئيس دونالد ترامب مليارات الدولارات في ميزانية الدفاع، لكن فهم البنية التحتية الايديولوجية للتنظيم يوفر دليلاً أكثر دقة، وغالباً ما يتم تحليل المعتقدات الايديولوجية، والنشاط العسكري لهؤلاء المتطرفين بشكل منفصل من قبل الوكالات الأميركية المختلفة.

ومع ذلك، فإن قراءة مقربة لبيانات «داعش» تشير إلى أن هذا النهج يسيء توجيه الولايات المتحدة في حملة أوسع لمكافحة الإرهاب. إن وضع المبادئ الرئيسة لايديولوجية التنظيم مع الأنشطة العسكرية السابقة في كفة واحدة، يساعد على فهم الأهداف العملياتية بشكل أفضل، واختياره الايديولوجي للأهداف، والتكتيكات التي يستخدمها لضمان الاستمرار. وباستخدام هذه العوامل لتوقع البلد الذي سيغتنمه «داعش» باعتباره الهدف الإقليمي المقبل، فإن أفغانستان تبرز هدفاً جذاباً وقابلاً للاستمرار.

في حين لا يعرف الغرب الكثير عنه، فإن كتيب «إدارة الهمجية: المرحلة الأكثر حرجاً من خلالها ستمر الأمة»، يعتبر جزءاً مهماً من منهج التنظيم. فقد نشر الكتيب على الإنترنت في 2004، وقيل في بداية الأمر إنه لمصلحة تنظيم «القاعدة»، ولكن زعيمه أيمن الظواهري رفضه لكونه متطرفاً جداً. ومع ذلك، فإن محتوى الكتيب تجاوب مع توجهات العديد من القادة المتشددين في «داعش».

وتعتبر أفغانستان هدفاً قابلاً للحياة لأن هدف التنظيم هو «الإرباك والاستنزاف» الذي حققه التنظيم بالفعل، ويأتي ذلك في وقت تشهد الساحة الأفغانية عودة قوية لحركة طالبان، مع تقلب وتذبذب كبيرين في الوجود العسكري الأجنبي.

انقسامات اجتماعية

وفي ظل هذه الخلفية، أدى العنف السياسي، والفساد، والركود الاقتصادي إلى تفتيت الفضاء السياسي لأفغانستان. وفي نظر التنظيم، فإن هذا يجعل أفغانستان هدفاً تشغيلياً سهلاً لأن انعدام الديمقراطية والأمن في البلاد، يساعد على تفاقم الانقسامات الاجتماعية القائمة. وقد مارس فرع «داعش» في أفغانستان، المعروف باسم «مقاطعة خراسان»، هذا التكتيك بنجاح للحصول على الأراضي في سبع مقاطعات أفغانية على الأقل.

ومن المهم أن نلاحظ أنه على غرار تكتيك «داعش» المتمثل في الاستيلاء على أراضٍ ذات أهمية تاريخية تنفي وجود حدود بين العراق وسورية، فإن مقاطعة خراسان تطالب بالولاية على «منطقة تاريخية تضم أجزاء من أفغانستان وباكستان». تعريف الإقليم على أساس أهميته التاريخية، بدلاً من حدود الدولة القومية، يعزز هدف «داعش» المتمثل في نزع الشرعية عن مؤسسات أفغانستان، وزرع جذور خصبة من أجل الاستيلاء المحتمل على الأراضي.

تالياً، إن «إدارة الهمجية» بالإضافة إلى سجل «داعش» للهجمات في جميع أنحاء العالم، تعكس أن المجموعة تسعى إلى القضاء على من تعتبرهم «مسلمين غير ملتزمين» بالإضافة إلى الأجانب. وكانت القوات الأجنبية في أفغانستان التي نشرتها منظمة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا، أهدافاً متكررة لمقاتلي التنظيم.

بالإضافة إلى ذلك، ومثل ما فعلت «طالبان»، فإن «داعش» ينظر إلى الكثير من أفغانستان على أنه «محتل» من قبل أناس بعيدين عن الدين، نظراً للتركيز المتجدد على التعليم- خصوصاً بالنسبة للنساء- في أوائل العقد الأول من القرن الـ21. والواقع أن الانتماءات العرقية والقبلية تشكل هوية الأفغان بشكل عام. وهكذا، فإن دور أفغانستان كمضيف لما يسمى بالبعيدين عن الإسلام والأجانب، يجعلها مسرحاً جذاباً للمتطرفين من أجل استهداف «العدو» على ساحة معركة إقليمية واحدة.

استيعاب المقاتلين

وأخیراً، بالنظر إلى المناطق التي كسب فیھا التنظيم أکبر عدد ممکن من المجموعات المنتسبة اليه والوكلاء المتعاطفين معه- مصر ولیبیا وباکستان، يمكن القول إنه نجح في ذلك من خلال استيعاب المقاتلين الموجودين هناك. وفي أفغانستان، تستفيد «مقاطعة خراسان»، بالفعل، من النضال التاريخي للبلد ضد الفصائل المسلحة والقبلية. في حين أنها تتنافس مع «طالبان»، التي تستفيد من جذورها في قبائل الديوباندي والباشتون المحلية، إذ يستغل مؤيدو «داعش» المظالم الشخصية والفئوية داخل الشبكات المسلحة القائمة، جنباً إلى جنب مع تقديم الرشى للتشجيع على الانشقاق. وانشق القائد السابق في «طالبان» ومعتقل غوانتانامو عبدالرؤوف عليزا عن الحركة، وأصبح نائب قائد «مقاطعة خراسان». وبالإضافة إلى ذلك، انشق العديد من القادة والمسؤولين في «طالبان» الباكستانية معلنين ولاءهم لـ«مقاطعة خراسان». ومن خلال استيعاب أعضاء «طالبان» ومسلحين آخرين في صفوفها، يكون «داعش» قد عزز رصيده البشري في حين اكتسب الخبرة من مقاتلين في أفغانستان وباكستان على دراية بالتاريخ والجغرافيا، والبيئات الاجتماعية والسياسية، في المنطقة.

وفي حين أننا لا نستطيع معرفة ما إذا كان «داعش» سيحاول إنشاء كيان جديد بعد هزيمته في العراق وسورية، فإن التنظيم سيسعى للسيطرة على أراضٍ جديدة، لأن ذلك يدخل ضمن ايديولوجيته. وبالنظر إلى أن المجتمع الدولي قلل من شأن استراتيجية التنظيم في العراق وسورية، فإن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يدركوا أن محاربة «داعش» ليست مجرد معركة خطابية حول مصطلحات العنف والإرهاب. ومن خلال توسيع التكتيكات الموضحة في «إدارة الهمجية» إلى ساحة المعركة، قد تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها قادرين على منع أفغانستان من أن تصبح معقل التنظيم المقبل.

جاكلين سوذرلاند محللة وخبيرة في شؤون التطرف والإرهاب في مركز «الخبراء الشباب في السياسة الخارجية».

 

تويتر