إسرائيل هدمت منازل ومنشآت سكانها كافة وجرفت ممتلكاتهم الخاصة

خربة طانا.. 280 فلسطينياً من البيـت إلى الكهف

صورة

القادم إلى خربة طانا شرق بلدة بيت فوريك في مدينة نابلس، يشعر بأن الزمن عاد به مئات السنين إلى الوراء، فكل سكانها يقيمون حالياً داخل كهوف بدائية، تنعدم فيها الخدمات الأساسية للحياة، بعد أن كانوا يمتلكون المنازل والأراضي الزراعية، والممتلكات الخاصة.

بعد أن هدم الاحتلال مدرسة خربة طانا المكوّنة من فصلين دراسيين، لا توجد حالياً مدرسة للأطفال الذين يضطرون إلى الدراسة في مدرسة من «البركسات الحديدية» في بلدة بيت فوريك على بعد ثمانية كيلومترات.

الحالة التي آلت إليها 42 عائلة من خربة طانا مكوّنة من 280 فرداً، بينهم 70 طفلاً، بالغة السوء، حيث قامت القوات الإسرائيلية بداية شهر أبريل الجاري بهدم منازلهم كاملة، وتجريف 40 حظيرة تؤوي 8000 رأس ماشية.

ونفذت إسرائيل عملية الهدم هذه ضمن إطار حملة جديدة، للنيل من عزيمة أهالي التجمع الريفي، وذلك بهدف طردهم من أرضهم التي أعلن الاحتلال أنها منطقة عسكرية مغلقة، في حين تشرع حكومة الاحتلال من خلال ما تعرف بالإدارة المدنية، بزيادة أعداد المستوطنين في مستعمرة «مخولا»، والبؤرة الاستيطانية القريبة من تجمع «جفعات عولم»، عن طريق البناء والتوسع بشكل غير قانوني في أراضي الفلسطينيين، والمناطق المحيطة بها.

وتعد عملية التدمير هذه هي الرابعة منذ مطلع العام 2017، لكنها الأوسع والأعنف، فيما تعرضت الخربة للهدم ست مرات متتالية خلال العام الماضي، إذ استهدف الاحتلال حينها 22 عائلة.

وبالعودة للحديث عن عملية الهدم الأخيرة التي شهدتها الخربة خلال الشهر الجاري، فقد شرعت قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي برفقة أربع جرافات عسكرية، في تنفيذ أعمال هدم طالت، بحسب معطيات البحث الميداني لمعهد أريج للبحوث التطبيقية، 42 منزلاً سكنياً قدم نصفها كتبرع من مؤسسة آكندا الفرنسية، وتجريف منشآت حديدية وبلاستيكية وحظائر للأغنام، ونبع المياه الرئيس، بالإضافة إلى تدمير وحدات صحية خارجية متنقلة، تبرعت بها مجموعة الهيدولوجين الأوروبية، فيما صادرت القوات الإسرائيلية خمس مركبات وخيمة تبرع بها الصليب الأحمر الدولي للسكان.

«الإمارات اليوم» وصلت إلى خربة طانا، لتنقل صورة حية عن حياة الأهالي داخل الكهوف، والتي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، حيث يفترش السكان وأطفالهم الأرض، ويعتمدون على وسائل بدائية في حياتهم اليومية.

عائلة المواطن ماجد حنني، المكوّنة من ثمانية أفراد، وأربعة أطفال، تقضي أوقاتها داخل كهف متهالك لجأت للعيش بداخله منذ أيام قليلة، عقب هدم الاحتلال منزله، وحظيرة المواشي الخاصة به.

ويقول حنني، وقد بدت معالم القهر واضحة على محياه، «إن حياتنا صعبة للغاية، ومريرة، ففي المرات السابقة التي هدم الاحتلال فيها منازلنا، أقمنا بيوتاً من الصفيح والإسمنت، ولكنها سرعان ما هُدمت بذريعة البناء غير المرخص في مناطق مصنفة (C)، وفقاً لاتفاقية أوسلو».

ويضيف أن «الاحتلال سلب منا كل شيء، وبقينا مشردين بلا مأوى، فلم نجد سوى الكهوف تؤوينا، على الرغم من انعدام أدنى مقومات الحياة بداخلها، لكننا لم نجد بديلاً سواها، على الرغم من فقداننا الأمان ونحن بداخلها، فلم نسلم من ممارساتهم، فيومياً ينغص المستوطنون والجنود حياتنا بوجودهم المستمر والاعتداء علينا».

ويتكوّن الكهف من الداخل من غرفة واحدة يعيش فيها حنني وعائلته كل تفاصيل حياتهم اليومية، فهي بمثابة غرفة النوم والمعيشة والضيافة، ولا يتوافر بداخله سوى الفراش البسيط، وموقد للتدفئة والطهي.

وخسر حنني 200 رأس من الماشية، نفقت إثر عملية التجريف والهدم من قبل قوات الاحتلال، وهي كل ثروته في الحياة، وكان يعتمد على ما تنتجه من حملان وألبان وأجبان كمصدر دخل له ولأسرته.

ويضيف، كانت تلك المواشي تساعدنا على العيش ومواجهة الظروف الصعبة التي نمر بها، فكنت أساعد زوجتي في صناعة الأجبان في فسحة المنزل سابقاً، لكننا اليوم خسرنا ذلك».

ويشير حنني إلى مستوطنة «مخولا» على قمة جبل مقابل لمنزله المدمر قائلاً، «بجانب تلك المستوطنة نصب مستوطن قبل سنوات عدة بيتاً متنقلاً، وبات اليوم يملك مزرعة لتربية الأبقار، وأسس بؤرة استيطانية، يريد أن يتمدد ويسيطر على كل هذه الأراضي التي نعيش فيها منذ ما قبل قدوم الاحتلال».

موت بطيء

على بعد 50 متراً يقيم محمد نصاصرة في كهف مجاور، هو وعائلته المكوّنة من 11 فرداً، بعد أن هدم الاحتلال مسكنه، وجرف أربع حظائر وخياماً للطيور والمواشي كان يعتاش منها، بالإضافة إلى تحطيم سيارة خاصة به.

ويقول نصاصرة، وهو يجلس أمام فسحة صغيرة في الكهف الذي يقيم به «نسكن في خربة طانا منذ أن ولدنا، ومن قبل ذلك الآباء والأجداد، ولكن الاحتلال يبذل كل ما بوسعه لترحيلنا، والسيطرة على الأراضي لمصلحة التوسع الاستيطاني».

ويضيف، نحن لا نشكل خطراً على أحد، إذ نعيش حياة بسيطة، ونرعى الأغنام التي تعد هي ومنتجاتها مصدر دخلنا، ورغم كل ذلك نتعرض لعمليات هدم متواصلة.

ويصف حياته داخل الكهف بالموت البطيء، لكنه استدرك قائلاً «إن الحياة داخل الكهف هي الخيار الوحيد أمامنا اليوم، لكننا لن نخرج من هذه الأرض، فسنعيد بناء المنازل التي هدموها، وسنورث حقوقنا لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا». وبجانب الكهف المتهالك الذي يقضي فيه نصاصرة حياته، يلهو أطفاله من حوله مع صغار الخراف التي نجت من عمليات التجريف، فيما بدت ملامح البؤس ظاهرة على وجه طفلته نهى صاحبة الأعوام الثمانية.

وتقول نهى بصوت خافت، إن الجيش هدم بيتنا، وهدم مدرستي التي كنت أدرس بداخلها، وحرمونا اللعب والدراسة.

وتعرضت مدرسة خربة طانا خلال عملية الهدم الأخيرة للتدمير، حيث تظهر آثار ذلك من خلال الغرف الصفية التي تحولت إلى حطام.

حرمان

بعد أن هدم الاحتلال مدرسة خربة طانا المكونة من فصلين دراسيين، لا توجد حالياً مدرسة للأطفال الذين يضطرون إلى الدراسة في مدرسة من «البركسات الحديدية» في بلدة بيت فوريك، التي تبعد عن الخربة مسافة ثمانية كيلومترات، وذلك بحسب عضو مجلس بلدي بيت فوريك أسامة خطاطبة.

ويقول خطاطبة «إن خربة طانا تفتقر الخدمات الأساسية كافة، فهي غير موصولة بشكبات مياه وكهرباء، ويعتمد سكانها على الخلايا الشمسية لتوفير الكهرباء، بسبب ممارسات الاحتلال، وتحويل أراضي المواطنين إلى منطقة عسكرية، بالإضافة إلى منعنا من البناء والعمل فيها».

ويشير إلى أن خربة طانا التابعة لأراضي بيت فوريك، تحاصرها أربع مستوطنات، هي حرمة وجيتيت وإيتمار ومخورا، بالإضافة إلى معسكر تدريب لقوات الجيش الإسرائيلي.

تويتر