كل جانب يسعى إلى كسب الأصوات على حساب مهاجمة الجانب الآخر

الأزمة بين تركيا ودول أوروبية تتــفاقم

صورة

الأزمة المتصاعدة بين تركيا وهولندا، وبدرجة أقل ألمانيا، هي عبارة عن مثال صارخ عن الكيفية التي يتم بها تنظيم الحملات الانتخابية الحاسمة لهذا العام، والتي يمكن أن تتحول إلى أزمات دولية. فقد نظمت هولندا، أخيراً، انتخابات برلمانية، قيل إنها ستشكل المستقبل السياسي في أوروبا، وتركزت الأنظار قبل الانتخابات بقلق على اليميني المتطرف، المتشكك في الاتحاد الأوروبي، المعادي للإسلام، غيرت فيلدرز. وفي الوقت ذاته، ستنظم تركيا استفتاء الشهر المقبل على تعديلات دستورية، من شأنها أن تلغي - إذا نالت الأصوات الكافية - النظام البرلماني في البلاد، لصالح رئاسة تنفيذية تحت قيادة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وخلال مزايداتهما الانتخابية، وجد كل من أردوغان وفيلدرز «مطبلين» نافعين في كلٍّ من دولة الآخر.

كتب أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجيا، كاس مدل، في صحيفة «توداي ورلد فيو»، إن الأزمة «الهولندية التركية المتواصلة واضحة للعيان»، ويضيف قائلاً «كلتا الدولتين غرقت في خضم حملات انتخابية، تهيمن عليها النزعة المحلية المستبدة».

وبدأت الدراما بعد أن منعت هولندا اثنين من الوزراء الأتراك من حضور تجمعات نظمها مواطنون أتراك في هولندا، لصالح الترويج للتغييرات الدستورية المقترحة، حيث إن أصوات الشتات التركية الكبيرة في شمال أوروبا، قد تكون عنصراً أساسياً في إنجاح مسعى أردوغان، وكان من المقرر أن ينظم الموالون له قوة دافعة في الحملة الانتخابية، في مختلف المدن الأوروبية. وبسبب شعورها بالقلق إزاء مثل هذه المسيرات، التي جرت قبل فترة قصيرة جداً من موعد اقتراعها الخاص بها، منعت الحكومة الهولندية وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، من دخول أراضيها.

وعندما سافرت وزيرة الشؤون العائلية التركية، بتول سايان كايا، بالسيارة من ألمانيا إلى مدينة روتردام الهولندية، أوقفتها الشرطة خارج القنصلية التركية في المدينة، ومنعتها من دخول المبنى، في الوقت الذي بدأت فيه حشود من الأتراك الهولنديين تنظم حملاتها في أنحاء المنطقة. ورافقتها الشرطة في نهاية المطاف إلى الحدود الألمانية، لتعود إلى تركيا على متن طائرة خاصة. وفي تغريدة ذكرت كايا: «لم يسمح لنا بدخول قنصليتنا التي هي جزء من أرضنا، فهل هذا فعلاً قلب أوروبا النابض ومهد الحضارة؟».

هذه المشاهد التي تكشفت فصولها في روتردام، أثارت الغضب في كلا البلدين، حيث إن فيلدرز، الذي ارتكزت سياسته على رفض الإسلام والحد من هجرة المسلمين، سخر من المتظاهرين ووصفهم بالمناهضين لمبادئ هولندا. وعلق في تغريدة «ترى هولندا أن هؤلاء الناس هم أتراك، وليسوا هولنديين، لديهم بالفعل جوازات سفر هولندية، لكنهم لا ينتمون إلى هنا»، كما غرد أيضاً مخاطباً كايا: «اذهبي بعيداً ولا تعودي إلى هنا، وخذي جميع المؤيدين لتركيا معك رجاء».

وأدان مسؤولون أتراك تصرفات الحكومة الهولندية، ووصفوها بأنها «فاشية»، ويجادلون بأن رئيس الوزراء الهولندي مارك روت، وهو سياسي من يمين الوسط، الذي فاز حزبه في الانتخابات، إنما أذعن لدعوة فيلدرز للتحزب.

توترات متصاعدة

وتصاعدت التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، خلال العامين الماضيين، حيث احتدم الجدل بين الجانبين حول أزمة اللاجئين السوريين، و«تدليل» أوروبا للانفصاليين الأكراد. وفي مناظراته، يغذي أردوغان بشكل روتيني الشعور بالظلم، بشأن النفاق والتدخل الغربي في شؤون بلاده.

وقال أردوغان في جمع حاشد بأسطنبول الأسبوع الماضي: «إن الغرب قد خلع قناعه في الأيام الماضية»، ومضي قائلاً «ما شهدناه هو دليل واضح على الخوف من الإسلام، كنت أعتقد أن النازية قد انتهت، لكنني كنت مخطئاً، النازية لاتزال على قيد الحياة في الغرب».

التأليب ضد الآخر

يقول كاتب العمود التركي في صحيفة «الصباح» اليومية، وهي صحيفة موالية بشدة لأردوغان : «عندما يتم تأليب المجتمع على كراهية المسلمين بحجة كراهية الأجانب، فإن أفراد المجتمع يكرهون الآخر، ويطالبون في نهاية المطاف بمزيد من القيود، ومزيد من الجدران، ومزيد من الحمائية». ويضيف «من شأن ذلك أن يتسبب في انهيار الاتحاد، الذي قضى الأوروبيون عقوداً من الزمن في بنائه وإنشائه»، و«هذا الاستنتاج من شأنه أن يكون مثل الموسيقى في آذان فيلدرز ومؤيديه من اليمين المتطرف».


الأزمة الهولندية التركية المتواصلة واضحة للعيان، فكلتا الدولتين غرقت في خضم حملات انتخابية، تهيمن عليها النزعة المحلية المستبدة.

وألقى أردوغان أيضاً بهذه الاتهامات في وجه ألمانيا، عندما قررت سلطاتها منع بعض التجمعات التركية المتعلقة بالاستفتاء المقبل. ورد كبير المتحدثين باسم أردوغان، إبراهيم كلين، على تغريدة فيلدرز، بالقول: «عار على الحكومة الهولندية أن تخضع للعنصريين المعادين للإسلام، والفاشيين، وتدمر العلاقات الأزلية بين تركيا وهولندا».

وكان الخلاف قد تصاعد إلى أبعد من ذلك، إذ هدد المسؤولون الأتراك وتوعدوا بالانتقام، من خلال منع عودة السفير الهولندي إلى أنقرة، والذي يقضي حالياً إجازته بعيداً عن تركيا، ويقول بيان من وزارة الخارجية عبر البريد الإلكتروني «لقد أخبرنا نظراءنا الهولنديين بأن هذا القرار الخطير الذي اتخذته بلادهم ضد تركيا والجالية التركية في هولندا، سيجر وراءه عواقب وخيمة في المجالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، وغيرها من علاقاتنا».

بعض المتظاهرين المؤيدين لأردوغان تجمعوا، وعصروا البرتقال - في إشارة إلى الهولنديين - في غضب رمزي، ومن ثم شربوا العصير.

موقف متشدد من الهجرة

قبيل الانتخابات، اتخذ رئيس الوزراء الهولندي موقفاً أكثر تشدداً بشأن الهجرة، بحجة أن بعض المسلمين الهولنديين عليهم أن يعملوا بجد، من أجل الاندماج في المجتمع الهولندي. حتى أنه نشر إعلانات في الصحف غطت صفحة كاملة، حذر فيها المهاجرين إما «أن يطبعوا وجودهم، أو يغادروا البلاد». مثل هذا الخطاب جعل روتا في الصدارة أمام فيلدرز وحزبه اليميني المتطرف، حزب الحرية، في استطلاعات الرأي، والتي كانت من قبل لصالح فيلدرز. ومن المفارقات أن السلطات التركية، على الرغم من تعليقها بغضب حول قمع التجمعات السلمية التركية، الديمقراطية، ستنظم هذا الاستفتاء كوسيلة لترسيخ سلطة أردوغان وحكمه.

فبعد محاولة انقلاب فاشلة ضده الصيف الماضي، شرعت الحكومة التركية في حملة تطهير واسعة النطاق، شملت بيروقراطيي الدولة والمجتمع المدني، كما أن تفكيك النظام البرلماني لتركيا ينظر إليه البعض باعتباره خطوة خطيرة أخرى نحو انهيار الديمقراطية، تحت قيادة أردوغان.

ومع ذلك، ليس هناك ضمان من أن «نعم لأردوغان» ستفوز في الاستفتاء، حيث إن استطلاعات الرأي التركية، مثل ما هي عليه الحال دائماً، تشير إلى إمكانية تساوي أو تقارب الأصوات، بسبب المعارضة المنقسمة على نفسها ضد الرئيس، لهذا فإن أردوغان يسعى لكسب الأصوات، من خلال قواعد لعبة القومية التي يمارسها.

والمفارقة الثانية، بالطبع، هي أن فيلدرز أشار إلى تلك الحوادث نفسها قبيل يوم الانتخابات، أملاً في استقطاب مؤيدين، إذ درج هذا السياسي اليميني المتطرف على مهاجمة أردوغان – ووصفه بـ«الدكتاتور» – وساق هذا الوصف نفسه أيضاً على القادة الأوروبيين الذين يسترضون أردوغان، على حد قوله. وسبق له أن نظم تظاهرة قصيرة خارج السفارة التركية في لاهاي، ضد زيارة وزير الخارجية التركي، حيث وقف أمام لافتة كتب عليها: «ابقَ بعيداً، هذه بلادنا».

من جهته، طالب رئيس وزراء هولندا، مارك روت، تركيا بالاعتذار عن وصف الهولنديين بالنازيين.

وأضاف، في تصريحات صحافية، أنه إذا واصلت أنقرة النهج الحالي، فسيتعين على هولندا التفكير في الرد.

وقال روت للصحافيين «والآن من مصلحة القيادة، ومن مصلحة العمل المشترك، محاولة وقف التصعيد لكن بالطبع يجب على الأتراك المساعدة، وما يقولونه اليوم لا يفيد». لكن على ما يبدو، لا يرغب الأتراك في التهدئة، حيث صرح أردوغان، أمس، بأن الأوروبيين قد كشفوا عن أقنعتهم، عبر موقفهم من الأزمة السورية، ومن استفتاء 16 أبريل المقبل. كما قررت أنقرة إلغاء أي تجمعات في ألمانيا بشأن الاستفتاء، بحسب مجموعة مؤيدة للحزب التركي الحاكم. جاء ذلك بعد أن تم منع مسؤولين أتراك من المشاركة في تجمعات بألمانيا، قبيل أسابيع قليلة من موعد الاستفتاء.

تويتر