بيوت العائلات متقابلة على بعد 500 متر فقط

أسطح المنازل وشرائح الهاتف المصريـة وسـائل التقاء عائلات رفح الفلسطينية والمصـرية

صورة

خمس دقائق هي المدة الفاصلة بين المواطن عادل زعرب (45 عاماً) وشقيقته (أم أحمد) في مدينة رفح المصرية، ولكن بفعل الشريط الحدودي، وإغلاق معبر رفح لفترات طويلة تصل إلى ثلاثة أشهر متواصلة أحياناً، منذ شهر يونيو 2013، تجاوزت تلك المدة سنوات العمر، ليصبح الالتقاء بينهما أمراً مستحيلاً.

فلم يلتقِ عادل شقيقته وأولادها منذ أكثر من ثلاثة أعوام بفعل إغلاق معبر رفح، وعندما تفتحه السلطات المصرية لمدة ثلاثة أيام، لا يتمكن من التنقل بفعل اكتظاظ المعبر بآلاف الحالات، بالإضافة إلى تحديد أعداد المسافرين خلال تلك الفترة، بحيث لا يتجاوز 1000 مسافر.

وانتقلت (أم أحمد) للعيش في مدينة رفح المصرية منذ 30 عاماً، عندما تزوجت ابن عمها المقيم هناك، حيث لا تبعد سوى 500 متر عن منزل عائلتها في رفح الفلسطينية، والذي يقابل منزله، ولا يفصله سوى الأسلاك الحدودية.

وكانت الأنفاق المقامة على طول الشريط الحدودي بين غزة ومصر، البديل المؤقت لإدخال كل أنواع البضائع، وتنقّل المواطنين بين المنطقتين منذ عام 2007، ولكن في عام 2014 توقف عمل الأنفاق بشكل كامل، وذلك بعد إغلاقها وهدمها من قبل الجانب المصري.

حرمان طويل

(علياء) تزوجت ابن خالتها عام 2010، حيث تقدم إلى خطبتها في رفح الفلسطينية بغزة، قادماً من الجزء الثاني للمدينة في الأراضي المصرية عبر الأنفاق الحدودية، فيما أقاموا حفل الزفاف في منزل العريس، بعد انتقال عروسه أيضاً عبر الأنفاق.

«الإمارات اليوم» التقت عائلة عادل زعرب داخل منزلها المحاذي للحدود مع رفح المصرية، فيما يظهر منزل شقيقته واضحاً من أعلى سطح منزله، فالمسافة الفاصلة بينهما لا تتعدى الـ500 متر فقط.

وبالقرب من منزل زعرب يتواجد عدد كبير من الأنفاق الحدودية، التي اعتمد عليها سكان قطاع غزة كبديل لإغلاق المعابر، والتي تحولت إلى منطقة أمنية مغلقة، فكل الأنفاق هدمت بكل المعدات والبضائع التي كانت تحتويها، وهذا ما لاحظناه خلال تواجدنا في الشريط الحدودي بين غزة ومصر، الذي كان يشهد حركة دؤوبة لآلاف العاملين في مئات من الأنفاق، التي تحولت إلى معابر أرضية خلال السنوات الماضية.

وكانت الأنفاق، قبل توقفها عن العمل، الوسيلة البديلة لسكان مدينة رفح بشقّيها، وذلك لمشاركة الأقارب في الأفراح والمناسبات المختلفة.

وإذا كان زعرب يتمكن من رؤية شقيقته قبل أعوام ولو مؤقتاً من فوق سطح منزله، فإنه اليوم محروم من مشاهدتها بعد هدم منزلها، وترحيلها من رفح المصرية في نهاية عام 2014.

فقوات الجيش المصري، خلال تنفيذها الحملة الأمنية لإغلاق الأنفاق الحدودية في ذلك الوقت، هدمت العديد من منازل المواطنين في رفح المصرية، والتي تأثرت نتيجة عمليات تجريف الأنفاق، ليضطروا إلى الرحيل إلى مدينة العريش المجاورة. وبذلك لم تعد المسافة الزمنية هي التي تفصل لقاء عادل بشقيقته، ليكون البعد المكاني الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فالمنطقة التي انتقلت إليها شقيقة زعرب في العريش، تبعد أكثر من 50 كيلومتراً عن منزله في رفح الفلسطينية.

ويقول زعرب لـ«الإمارات اليوم» بنبرة حزينة: «في السابق كنت أصبّر نفسي أنا وأشقائي برؤية شقيقتنا في رفح المصرية عبر أسطح المنازل، أو من خلال المرور عبر الأنفاق، وكنا نتشارك كل اللحظات التي تمر في حياتنا اليومية، فقد حضرنا غالبية أفراح أبناء شقيقتي داخل الأراضي المصرية، وكانت لحظات سعيدة ومؤثرة».

ويضيف «كان أبناء شقيقتي في السنوات السبع التي تنقّلنا فيها عبر الأنفاق يكبرون أمام أعيننا، وتربوا بيننا، وقد زاروا مدينة والدتهم وجدهم في غزة، وفور وصولهم إلى رفح الفلسطينية كانوا يطلبون منا زيارة أخوالهم وخالاتهم، وكل أقاربنا، والتنقل بين مدن ومناطق قطاع غزة».

وتسبب إغلاق الأنفاق، التي كان تعتمد عليها عائلة زعرب وكل عائلات مدينة رفح، في تعقيد حياتهم، والتسبب في شرخ كبير بين تلك العائلات المنقسمة، التي هي بالأساس جزء واحد.

ويتابع زعرب قائلاً: «إن إغلاق الأنفاق زاد من معاناة البعد والحرمان التي نتجرع مرارتها، ففي عام 2014 لم تتمكن شقيقتي من زيارة والدتي وهي تلفظ أنفاسها الاخيرة، وحرمت من المشاركة في تشييع جثمانها، والبقاء بجانب أشقائها في محنتهم القاسية».

فرح الأنفاق

أما المواطن جميل الشاعر من سكان منطقة الأحراش الواقعة في المنطقة الشرقية للحدود بين رفح الفلسطينية والمصرية، وعلى الرغم من مقابلة منزله لبيت ابنته (علياء) في الجانب المصري، فإنه لم يتمكن من الوصول إليها، واحتضانها منذ أربعة أعوام.

وكانت (علياء) قد تزوجت ابن خالتها عام 2010، حيث تقدم إلى خطبتها في رفح الفلسطينية بغزة، قادماً من الجزء الثاني للمدينة في الأراضي المصرية عبر الأنفاق الحدودية، فيما أقاموا حفل الزفاف في منزل العريس بعد انتقال عروسته أيضاً عبر الأنفاق.

ويقول جميل الشاعر وهو ينظر إلى منزل ابنته من أعلى سطح منزله الحدودي: «إن الأنفاق قبل أن تتوقف عن العمل كانت منفذنا الوحيد والبديل، بفعل الإغلاق المتكرر والطويل لمعبر رفح».

ويضيف «لم نشعر خلال تلك الفترة بالحرمان، أو ببعد المسافات بيننا، فخلال خمس دقائق كنت أمرّ عبر النفق، وأتواجد في منزل ابنتي، لأقضي أياماً عدة هناك، خصوصاً في الأعياد والمناسبات السعيدة».

وكانت عائلات المدينة المنقسمة تتنقل بين غزة ومصر عبر النفق بسهولة تامة، وكانوا يشاركون بعضهم بعضاً في كل المناسبات السعيدة، وكذلك المواقف الطارئة والحزينة، وذلك بحسب الشاعر.

ويتابع الشاعر قوله: «عندما كانت تتصل ابنتي بنا وتحتاج وجودنا بجانبها، بفعل مرضها أو اشتياقها لنا، كنا نصل إليها سريعاً، فلا تمر نصف ساعة على انتهاء المكالمة، حتى نجهز أنفسنا، وننسق مع صاحب النفق للمرور، والوصول إلى الطرف الثاني من مدينة رفح داخل الأراضي المصرية».

ويبين الشاعر أن ثمن تنقّل الفرد كان في بداية عمل الأنفاق يبلغ 100 دولار مقابل المرور عبر نفق يراوح طوله بين 200 و700 متر، ولكن بعد زيادة أعداد الأنفاق، وارتفاع أعداد المواطنين المتنقلين، أصبح المرور شبه مجاني.

وسائل لمّ الشمل

بعد تعقّد آلية التقاء الوالد بابنته وشقيقته، بفعل البعد الزمني بين المنطقة التي فصلتها الحدود إلى جزأين، لجأ الشاعر هو والمئات من العائلات التي ينقسم أفرادها بين رفح المصرية والفلسطينية إلى استخدام شرائح الهواتف النقالة المصرية، التي كانت تهرب عبر الأنفاق الحدودية، أو تجلب بواسطة القادمين إلى القطاع عبر معبر رفح، بالإضافة إلى الوقوف على أسطح المنازل في كلتا المنطقتين لرؤية بعضهم بعضاً.

وعن ذلك يقول الشاعر: «إن الوسائل المتاحة لنا حالياً، ونعتمد عليها بشكل أساسي للتواصل مع ابنتي وأقاربنا، هي شرائح شركات المحمول المصرية، وعندما تكون الأجواء صافية، والوجود الأمني هادئاً في المنطقة، نصعد إلى أعلى سطح المنزل لنشاهدهم في الوقت الذي نستمع فيه إلى أصواتهم، فمنازلهم لا تبعد سوى 500 متر عن منطقتنا، ونتمكن من رؤيتهم مباشرة».

ويضيف «عندما نشاهد بعضنا بعضاً عبر أسطح المنازل تكون تلك اللحظات مؤثرة، وتختلط فيها مشاعر متناقضة، فأشعر بفرحة اللقاء وإن كان سريعاً، فيما نصاب بالحزن، وتتجدد الأوجاع لعدم مقدرتي على احتضان ابنتي، والالتقاء بها عن قرب لفترة أطول».

ويوضح الشاعر أن شرائح الاتصالات المصرية كلفتها قليلة جداً، وهي الملاذ الوحيد في ظل تفاقم أزمات انقطاع الكهرباء في غزة، الذي يستمر أكثر من 20 ساعة يومياً، حيث تحرمهم من تشغيل الإنترنت للتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تويتر