الاحتلال اعتقل في فبراير الماضي 32 طفلاً و1250 آخرين خلال 2016

روايات مؤلمة لاعتقال الأطفال المقدسيين وتعذيبهم

صورة

«ميس» و«رهف» عادتا من مدرستهما، لتلاقيهما والدتهما أمام المنزل الذي تحرسه مع طفلها الأصغر باسم، ليدخل الجميع المنزل الذي فقدوا بداخله الأمن والأمان، جراء اعتقال القوات الإسرائيلية شقيقهما الطفل شادي فراح (12 عاماً)، بعد أن اختطفته من أحضان والدته وأشقائه.

إجراءات تعسفية

جميع من اعتقل من الأطفال المقدسيين يحتجز داخل غرفة رقم 4 في سجن المسكوبية، ويتعرضون لصور قاسية من الاعتداء والتحقيق، تبقى عالقة في ذاكرتهم طويلاً.

وعن ذلك يقول مدير مركز معلومات وادي حلوة في سلوان، جواد صيام، لـ«الإمارات اليوم»، إن «أبشع الانتهاكات التي شهدها الأطفال المعتقلون تحويلهم إلى جهاز (الشاباك) مباشرة، دون المرور بمركز الشرطة، وهو ما تعرض له أطفال كثر في عمر الـ15».

ويضيف: «بعد انتهاء التحقيق داخل (الشاباك)، تتخذ محكمة الاحتلال في القدس، التي يطلق عليها (الصلح الإسرائيلية)، قرارات تعسفية بحق الأطفال الذين تُوجه إليهم تهم وادعاءات من قبل المحققين، ومنها الحبس الفعلي، وأحياناً تحكم عليهم بالإقامة الجبرية داخل منازلهم، أو العمل لمصلحة الجمهور، وغالباً تغرم عائلات الأطفال مبالغ مالية تصل إلى 4000 شيكل».


اعتقلت قوات الاحتلال شادي فراح يوم 29 ديسمبر 2015، لحظة عودته من مدرسته في حي كفر عقب بالقدس، فيما يقبع حالياً في مؤسسة المرسى الإسرائيلية الخاصة باعتقال القاصرين في مدينة طمرة المحتلة بالجليل الأعلى شمال فلسطين.


خلال لحظات قليلة، فقد الطفل يحيى العامودي عينه، بعد أن أصابته رصاصة مطاطية، أطلقها جنود الاحتلال صوبه وهو بالقرب من منزله في مخيم شعفاط بالقدس، لتتحول حياته إلى صراع طويل مع الألم.

اعتقلت قوات الاحتلال شادي فراح يوم 29 ديسمبر 2015 لحظة عودته من مدرسته في حي كفر عقب بالقدس، فيما يقبع حالياً في مؤسسة المرسى، وهي مؤسسة إسرائيلية خاصة لاعتقال القاصرين في مدينة طمرة المحتلة بالجليل الأعلى شمال فلسطين، إذ تضم بداخلها معتقلين بتهم جنائية وأخلاقية.

وفي بداية العام الحالي، وبعد تأجيل محاكمة الطفل فراح لمدة عام كامل، من أجل التنغيص على عائلته، حكم عليه ثلاثة قضاة في محكمة الصلح الإسرائيلية بالسجن ست سنوات، بذريعة حيازة سكين، ليصبح شادي أصغر أسير في سجون الاحتلال.

ويبلغ عدد الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية أكثر من 400 طفل دون سن الـ18، إذ يعيشون ظروفاً صحية وإنسانية قاسية، ويتم احتجازهم في ظروف بالغة السوء، إضافة إلى تعرضهم للتعذيب، فيما ينتظر عدد منهم أحكاماً قد تصل إلى المؤبد.

يذكر أن قوات الاحتلال اعتقلت، خلال شهر فبراير الماضي، وفقاً لمركز معلومات وادي حلوة في سلوان بالقدس 161 مقدسياً، من بينهم 32 طفلاً، و12 سيدة، كما استدعت للتحقيق بداية مارس الحالي ثلاثة فتية من بلدة سلوان، وهم: مسلم موسى عودة (17 عاماً)، ومحمد عيسى القاق (17 عاماً)، وأحمد محمد فروخ (17 عاماً).

كما اعتقل الاحتلال خلال العام الماضي 1250 طفلاً، تراوح أعمارهم ما بين 11 و18 عاماً، معظمهم تعرضوا للاعتداء داخل مراكز التوقيف، وفرض عليهم الحبس المنزلي.

تحقيق قاسٍ

«كان ابني قبل اعتقاله يضع إصبعه في فمه، والآن أصبح ينظف ويمسح في المعتقل»، هكذا وصفت فريهان فراح، والدة أصغر أسير فلسطيني، حياة ابنها خلف القضبان، فعلى الرغم من مرور عام ونيف على اعتقاله، إلا أنها لم تتوقع أن يأتي اليوم الذي ترى فيه طفلها المدلل يكبر قبل أوانه وهو بعيد عن حضنها.

وتوضح فراح أن ابنها اعتقل من شارع رقم ١ بالقدس المحتلة في المحطة مع زميله أحمد الزعتري، ونُقلا إلى مركز التحقيق (المسكوبية)، لتوجه إليهما تهمة حيازة سكين، ومحاولة طعن جنود، وتم التحقيق معهما دون وجود محامٍ أو أحد من ذويهما.

من جهتها، تقول الطفلة «ميس» ببراءة منهكة «في آخر زيارة شاهدت فيها شادي خرجنا إلى الساحة في السجن، وتمشينا، وأخبرني بأنه اشتاق إليّ كثيراً، واحتضنني، وأنا كذلك اشتقت إليه، وأتمنى عودته إلى بيتنا».

وتضيف أن «شادي تغير كثيراً داخل السجن، فلم يعد يلعب معنا، وصار رجلاً وهو مازال صغيراً».

الاعتقال بديل العلاج!

إلى ذلك، تزامن في الخامس من شهر مارس الجاري، خروج الطفل عبدالله العناتي (14 عاماً) وأشقائه وزملائه من المدرسة، مع اندلاع مواجهات بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال، لتصيبه رصاصة مطاطية، أطلقها الجنود، في صدره، وبعد أن أصيب على الفور منعت القوات نقله، واحتجزت سيارة الإسعاف التي حضرت لإنقاذه.

وبعد أن نقله الاحتلال للعلاج داخل مستشفى إسرائيلي ليومين، وسط حراسة مشددة من الجنود، حوّله إلى السجن بتهمة إلقاء الحجارة، ليعرض بعد ذلك على المحكمة الإسرائيلية التي نفذت طلب النيابة بتمديد توقيفه، رغم سوء حالته الصحية، كما منعت عائلته من الالتقاء به.

وتقول والدة عبدالله لـ«الإمارات اليوم»، ومعالم الحسرة ظاهرة على وجهها، إن «ابني مازال يعاني آلاماً شديدة ترافقه طوال الوقت، فهو مصاب بتمزق في رئته اليسرى، ونزيف داخلي، ورضوض في قفصه الصدري، فقد شاهدناه في التاسع من مارس الجاري في المحكمة وهو يتألم، وقد سألته من بعيد إن كان يتألم، فأجاب متوجعاً: نعم أتألم».

ومازال الطفل عبدالله، بحسب والدته، يتقيأ دماً، نتيجة إصابته الخطرة، وبحاجة شديدة للاستمرار في تلقي العلاج، إلا أن الاحتلال فقط يوفر له المسكنات داخل سجن المسكوبية.

وتسترجع والدة الأسير عبدالله لحظات التحقيق معه داخل المستشفى، حيث تقول: «عندما اعتقلته القوات وهو مصاب، نقل إلى قسم الطوارئ في المستشفى، وكان يرافقه ثلاثة من أفراد حرس الحدود الإسرائيلي، ولم يسمحوا لنا بالاطمئنان عليه، وطلبوا منا مغادرة القسم، بعد أن هددوا ابني الأكبر بالاعتقال، وأخبرونا بأن عبدالله موقوف، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه، وعندما نقل إلى غرفة المتابعة كبلوا يده اليمنى مع السرير، وفي الصباح فكوا القيود عن يده، وكبلوا قدميه».

وتضيف: «خضع ابني للتحقيق داخل المستشفى من قبل محقق يتحدث اللغة العربية، يرافقه جندي من حرس الحدود، حيث حاولا توجيه الاتهام إليه، والادعاء بأنه كان يلقي الحجارة على القوات الإسرائيلية، كما اتهمه برفع سلاح أبيض في وجه أحد الجنود، وتعريض حياته للخطر، وكل ذلك غير صحيح، فابني أصيب وهو يرتدي حقيبته المدرسية في طريق عودته إلى البيت».

من جهته، يؤكد مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، أن الطفل المصاب عبدالله العناتي (14 عاماً)، المعتقل في مركز توقيف وتحقيق المسكوبية في القدس، ضحية جديدة للرصاص المطاطي (الإسفنجي).

وتسبب الرصاص المطاطي، بحسب أبوقطيش، باستشهاد العديد من الأطفال المقدسيين، من بينهم الطفل محيي الدين الطباخي (10 أعوام) في عام 2016، وذلك بعد إصابته برصاصة «إسفنجية» في القسم الأيسر من صدره.

ويقول مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، إن «استهداف الأجزاء العليا من الجسم بهذا النوع من الرصاص يشير إلى أن قوات الاحتلال لديها سياسة ممنهجة لإلحاق أكبر الضرر بالمستهدفين، بمن فيهم الأطفال، علماً بأنها تدعي إدخاله للخدمة بسبب أنه سلاح غير قاتل».

معاناة إلى الأبد

خلال لحظات، فقد الطفل يحيى العامودي عينه، بعد أن أصابته رصاصة مطاطية أطلقها جنود الاحتلال صوبه وهو بالقرب من منزله في مخيم شعفاط بالقدس، لتتحول حياته إلى صراع طويل مع الألم.

وكان الطفل يحيى العامودي (11 عاماً) يتوجه برفقة مجموعة من الأطفال إلى مدرسه في مخيم شعفاط، ولم تكن في ذلك الوقت مواجهات في تلك المنطقة، إلا أن قوات الاحتلال استهدفته، وأطلقت الرصاص المطاطي عليه.

وبعد إصابته الخطرة، وحاجته للعلاج الفوري، بعد معاينته من قبل الطبيب المناوب في المركز الصحي المجاور لمنزله، عرقلت قوات الاحتلال خروجه للعلاج خارج المخيم عبر الحاجز الإسرائيلي.

وتقول والدته: «أصيب يحيى حينها بنزيف حاد، وانتفاخ شديد في وجهه، ما تسبب في خروج كل أضراسه، فيما وضع له البلاتين في وجهه بفعل كسور داخلية في الجمجمة».

وعلى الرغم من مرور أشهر عدة على إصابة يحيى، إلا أن الآثار النفسية تسيطر عليه بشكل واضح، حيث يصاب بانتفاخ أسفل عينه، يتسبب في التهاب وصداع شديدين بين الحين والآخر، كما يشعر بخوف شديد بفعل المواجهات والأحداث في المخيم والقدس، وذلك بحسب والدة الطفل العامودي.

وتقول العامودي، إن «يحيى حالياً يدرس في الصف السادس الابتدائي، لكنه لا يتمكن من الكتابة بشكل طبيعي، ويحتاج إلى مساعدة ومتابعة دائمتين داخل الفصل».

تويتر