الاحتلال يعزله عن محيط مدينة القدس ويتحكّم في حركة السكان عبر بوابة عسكرية

10 سنوات والإشارة مازالت حمراء في حي «الشيخ سعد»

صورة

خمس دقائق فقط هي التي تفصل المواطن محمود علان، من حي «الشيخ سعد» شرق مدينة القدس المحتلة، عن الالتقاء بزوجته وأبنائه الأربعة المقيمين في بلدة جبل المكبر المقدسية، ولكن البوابة العسكرية الإسرائيلية المقامة على المدخل الوحيد للحي، جعلت الخروج منه أمراً مستحيلاً.

• السكان الذين يحصلون على تصاريح دخول وخروج يصطدمون بمزاجية الجنود، فكثيراً ما يشكّكون في صدقية التصريح الذي يحمله المواطن.

• السكان يعيشون في ظل وضع اقتصادي سيئ للغاية، ويعتمدون على المواد الإغاثية التي تقدمها مؤسسات دولية داعمة، كما يعتمد السكان على تربية المواشي لتوفير قوت يومهم.

ولم يشاهد علان أسرته منذ شهر رمضان الماضي، على الرغم من وجودهم على مرمى نظره، وذلك بفعل الإجراءات الإسرائيلية المشددة ضد حي «الشيخ سعد» وسكانه.

ففي عام 2004 أغلق الاحتلال كل مداخل حي «الشيخ سعد»، الذي كان جزءاً من بلدة جبل المكبر، وذلك بعد إقامة جدار الفصل العنصري، الذي عزل الحي عن بقية المدن المقدسية، بينما أبقى على ممر صغير للعبور من خلاله إلى القدس، لتصل المعاناة ذروتها في بداية عام 2007، عندما أغلق الاحتلال هذا الممر ببوابة عسكرية عزلتهم تماماً عن المناطق المجاورة.

فيما وضع الاحتلال لافتة كبيرة على البوابة العسكرية ،إلى جانب إشارة ضوئية، كتب عليها «يُمنع دخول المركبات إلا عندما يصبح لون الإشارة المرورية أخضر»، ومنذ ذلك الحين والإشارة حمراء لم تتغير حتى الآن. أما سكان الحي، الذين يبلغ عددهم 3000 نسمة، فقد سحب الاحتلال منهم الهوية المقدسية، بعد أن أصبح حي «الشيخ سعد» خارج حدود القدس، ويمنع دخولهم، بمن فيهم المرضى والموتى بواسطة السيارات، عبر البوابة التي تحولت إلى حاجز عسكري، فيما يسمح لهم بالخروج من الحي سيراً على الأقدام، بعد الحصول على تصريح ورقي مسبق لساعات معدودة، إذ يتعرضون للتفتيش المذل وقت الذهاب والعودة.

عزل وتشتيت

ويقول المواطن المقدسي محمود علان لـ«الإمارات اليوم»، ومعالم الحسرة ظاهرة على تقاسيم وجهه، «في عام 2007، بعد إقامة البوابة العسكرية، سحب الاحتلال هويتي المقدسية، وأجبر زوجتي بعد عام على مغادرة الحي، هي واثنان من أبنائي، وبقي معي خمسة أولاد وبنات، وبعد بلوغ اثنين منهم سنّ الرشد، حصلا على بطاقة هوية، لكن الاحتلال لسوء الحظ أبعدهما إلى جبل المكبر، إلى جانب والدتهما في منزل عائلتها».

ويضيف: «منذ ذلك الحين أعيش وحيداً، أنا وثلاثة من أبنائي، وحتى هؤلاء سيجبرهم الاحتلال على مغادرة الحي خلال العامين المقبلين، وبذلك يبقى كل منا في مكان مختلف غير قادرين على الالتقاء، فعلى الرغم من قربي جغرافياً من جبل المكبر، إلا أن الاحتلال باعد بيننا زمنياً، لأكمل حياتي محروماً من عائلتي التي أفنيت عمري في تكوينها تحت سقف واحد». ويوضح علان أن إسرائيل أبعدت ما يقارب 500 مواطن من سكان «الشيخ سعد» إلى بلدة جبل المكبر، وأبقت معهم الهوية المقدسية الزرقاء، أغلبهم من النساء، فيما يحرم الاحتلال الأب من أبنائه، ويجبرهم على الالتحاق بوالدتهم في جبل المكبر.

من جهة أخرى، يقول رئيس مجلس قروي حي «الشيخ سعد»، إبراهيم زعاترة، لـ«الإمارات اليوم»، إن البوابة العسكرية وجدار الفصل شتّتا وصل العائلات الفلسطينية، التي تربطها صلة القرابة والمصاهرة في كلا المنطقتين، فالأب في جهة والابن في جهة أخرى، وأنا شخصياً لم ألتقِ بوالدتي وأشقائي منذ عام ونصف العام».

ويضيف أن «الاحتلال يفرض على المواطنين من حمَلة الهوية الفلسطينية الحصول على تصاريح، حتى يتمكنوا من زيارة عائلاتهم، وبرغم ذلك لا يحصلون عليها، فالقوات الإسرائيلية منحت 20% فقط من سكان الحي تصاريح للخروج، والبقية محرومون من ذلك». ويشير زعاترة إلى أن السكان الذين يحصلون على تصاريح دخول وخروج يصطدمون بمزاجية الجنود، فكثيراً ما يشككون في صدقية التصريح الذي يحمله المواطن.

معاناة وحرمان

مآسي سكان «الشيخ سعد» كثيرة، ولا تقتصر على سياسة العزل عن مناطق القدس، والإبعاد عن الأهل والأقارب فقط، ليصل الأمر إلى حرمانهم من كل الخدمات الأساسية في حياتهم اليومية.

ويقول رئيس مجلس قروي حي «الشيخ سعد»: «إن الاحتلال يمنع الأهالي الخروج من بلدتهم، فمن لا يحمل الهوية الإسرائيلية لا يسمح له بالمرور عبر البوابة العسكرية، فيما يُحاط الحي من الجهات الثلاث الأخرى بجبال ووادٍ عميق، ما يحول دون تمكن السكان من التنقل إلى القرى المجاورة بفعل كثرة المخاطر، فضلاً عن مسار الجدار الذي عزل الحي تماماً».

ولا تحظى القرية، بحسب زعاترة، بخدمات صحية أو بلدية أو تعليمية، بالإضافة إلى منع دخول أي سيارة إسعاف أو إطفاء إلى الحي، إلا بعد الحصول على تصريح خاص من الإدارة المدنية للجيش الإسرائيلي.

ويشير إلى أن الاحتلال يحظر دخول السيارات التي تحمل مساعدات غذائية وإغاثية إلى السكان، فيما يجبرهم على تفريغها خارج البوابة، ليضطر أصحابها إلى حملها على الأكتاف، ونقلها إلى منازلهم.

وعن ذلك يقول رئيس مجلس حي «الشيخ سعد»: «إن السكان يعيشون في ظل وضع اقتصادي سيئ للغاية، ويعتمدون على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية الداعمة، كما يعتمد السكان على تربية المواشي لتوفير قوتهم”.وتمتد معاناة حي «الشيخ سعد» جراء سياسة العزل، لتطال الطلبة من سكانه، فالحي يُحرم من وجود المؤسسات التعليمية كالجامعات والمدارس والمعاهد سوى مدرستين للمرحلة الثانوية فقط، إحداهما للبنين والأخرى للبنات، تفتقران إلى وجود القسم العلمي، ما يضطر الطلبة إلى الدراسة في المؤسسات التعليمية الواقعة في القرى المجاورة، ليواجهوا فصلاً آخر من المعاناة جراء حصولهم على تصاريح تعليم ليسمح لهم بالتنقل.

وهذا ما يعانيه يومياً الطالب الجامعي رائد العباسي، الذي يحرم في أغلب الأوقات من المحاضرات الجامعية، لمنعه من الخروج إلا بإذن مسبق. ولا تنتهي معاناة الطالب رائد بعد منحه هذا التصريح، بل حتى في حال الحصول عليه يواجه مأساة أخرى تتمثل في الانتظار لساعات طويلة على البوابة، يتعرض خلالها لتفتيش مهين، الأمر الذي يعيق وصوله مبكراً للالتحاق بالدراسة.

إعاقة نقل المرضى والموتى

الممارسات الإسرائيلية القاسية ضد سكان الحي، ومنع توافر كل الخدمات الأساسية، لا تقتصر على قطاع معين، بل تطال كل مناحي الحياة، ومنها قطاع الصحة الذي يتعرض لمأساة حقيقية تتكرر فصولها يومياً، حيث يحرم السكان من توافر الخدمات الصحية اللازمة، فيما يمنع من خروج المرضى للعلاج خارج الحي إلا بإذن مسبق من سلطات الاحتلال، وهذا الأمر يطال أيضاً الموتى، وذلك بحسب رئيس مجلس قروي «الشيخ سعد».

من جهة أخرى، تقول المساعدة البحثية في معهد (أريج) للأبحاث التطبيقية بالقدس، جولييت بنورة: «تتوافر في (الشيخ سعد) بعض المرافق الصحية، حيث يوجد مركز واحد، وهو (عيادة صحة الشيخ سعد)، ومختبر حكومي للتحاليل الطبية، ولكن بفعل الإجراءات الإسرائيلية فإن هذه المراكز لا تتمكن من توفير العلاج اللازم للمرضى».

ويواجه المرضى وأصحاب الإعاقات الخاصة، بحسب بنورة، صعوبة بالغة في الوصول الى المراكز الصحية خارج «الشيخ سعد»، فالاحتلال لا يسمح لهم إلا بعد الحصول على تصريح خاص، بشرط أن يخرج محمولاً على الأكتاف دون مركبة، إذ تمنع السلطات الإسرائيلية توفير سيارة إسعاف داخل الحي لنقل المرضى للعلاج.

وتوضح المساعدة البحثية أن قطاع الصحة في «الشيخ سعد» يواجه عقبات كثيرة، أهمها، عدم توافر أقسام الأشعة وغيرها من الأقسام المهمة، وعدم توافر الصيدليات في المنطقة، إلى جانب غياب العلاج الطبي للمرضى ولو ليوم واحد في «عيادة الشيخ سعد».

اعتداء

ممارسات جنود الاحتلال تصل إلى حد الاعتداء على سكان جبل المكبر المحاذية لحي «الشيخ سعد»، وذلك خلال محاولتهم الالتقاء بأقاربهم وذويهم في الحي المعزول، وهذا ما حدث مع المقدسي مسعود مشاهرة. ففي آخر مرة حصلت فيها والدة مشاهرة، التي تقطن في حي «الشيخ سعد»، على تصريح لزيارة ابنها في جبل المكبر، وهي المرة الأولى بعد سبعة أشهر من المنع، تعرض مسعود للضرب والاعتداء على يد جنود الاحتلال، بعد أن أوصلها إلى مدخل الحي المغلق بالبوابة العسكرية، وسط حضور عسكري مكثف من الجنود الإسرائيليين.

وعن ذلك يقول مشاهرة بصوت مرتجف: «زارتني والدتي، أنا وإخوتي، في جبل المكبر، وقضينا ساعات قصيرة، وقبل انتهاء مدة التصريح بنصف ساعة توجهت لإيصال والدتي إلى مدخل الحي بواسطة دراجتي النارية، ولحظة مرورها بالحي كنت واقفاً لوداعها على أمل اللقاء في وقت آخر».

ويضيف: «لكنني فوجئت بهجوم الجنود المتمركزين على البوابة وضربي بأعقاب البنادق، ومن ثم تم رشّي بالغاز المسيل للدموع، ولم يتركوني إلا بعد أن طرحوني أرضاً وأنا غارق بالدماء، حيث أصبت برضوض في ساقي، وجروح متوسطة في وجهي».

تويتر