تشدد حصار البلدة القديمة في الخليل التي تقسمها المستوطنات والبوابات

بؤر استيطانية جديدة لإحكام السيطرة على الحرم الإبراهيمي

صورة

في الذكرى الـ23 لمجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، تسابق إسرائيل الزمن للاستيلاء على ما تبقى من أرض في البلدة القديمة، فتبني عليها منشآت عسكرية، ومستوطنات مترابطة ومتراصة، كما تهوّد كل ما هو تاريخي في البلدة، وتحديداً الحرم، لإحكام السيطرة عليه.

لم تقتصر المضايقات في الحرم الإبراهيمي على المصلين فحسب، فالسكان الذين يعيشون في محيط الحرم يعانون أيضاً، بسبب البوابات الإلكترونية، التي تغلق منذ الساعة التاسعة مساء حتى الرابعة صباحاً، الأمر الذي يقيّد حركة خروجهم ودخولهم إلى منازلهم.


أبشع الجرائم

كان سكان البلدة القديمة في الخليل قد استيقظوا في ساعات الصباح الأولى قبل 23 عاماً مضت، على أصوات استغاثة أطلقت عبر مكبرات الصوت في المساجد، بمختلف أنحاء المدينة، تنادي بالتبرع بالدم، لإغاثة الجرحى الذين ينزفون في بيت إبراهيم الخليل، عليه السلام.

ففي يوم 15 رمضان الموافق 25 فبراير عام 1994، تجسدت صورة لواحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت في فلسطين، طبيب أطفال من أحد غلاة المستوطنين وأكثرهم تطرفاً، يدعى باروخ غولد شتاين، يفتح نار بندقيته الأوتوماتيكية صوب المصلين وهم ساجدين في صلاة الفجر، فقتل أكثر من 29 مواطناً، وأصاب العشرات بجروح.

وقررت لجنة «شمغار» الإسرائيلية، التي تشكلت للتحقيق في الجريمة، في توصياتها تقسيم الحرم إلى جزأين، أحدهما للمسلمين، والآخر لليهود.

ففي قلب البلدة القديمة بالخليل، وعلى بُعد أمتار قليلة من الحرم الإبراهيمي، أعد الاحتلال العدة لإقامة بؤرة استيطانية جديدة، في موقع محطة الحافلات المركزية التي تربط الخليل بالضفة الغربية، حيث سيطر عليها الاحتلال قبل سنوات، وحولها إلى موقع عسكري، ليضع فجأة خلال الأسابيع الماضية بيوتاً متنقلة، تشكل نواة البؤرة الاستيطانية.

وبعد وضع البيوت المتنقلة، مارس 400 مستوطن سياسة التنغيص ضد 600 ألف فلسطيني في البلدة القديمة، التي أغلقت فيها معظم المحال التجارية، إما بأوامر عسكرية، أو بسبب فراغ الأسواق من المشترين.

وتتمثل خطورة تلك البؤرة في خلق موقع استيطاني استراتيجي، يتوسط البؤر الاستيطانية الأخرى في الخليل، لربط بعضها ببعض، وذلك بحسب عماد حمدان، رئيس لجنة إعمار الخليل.

ويقول حمدان لـ«الإمارات اليوم»، معلقاً، «إن موقع البؤرة الجديدة يأتي بين مستوطنة تل رميدي والدبويا من ناحية، ومستوطنة الحسبة والجولدن سنتر، المقام أمام الحرم الإبراهيمي من ناحية ثانية».

ويوضح أن الاحتلال يتعمد بفعل بناء البؤرة الجديدة خلق كيان استيطاني متكامل في الخليل، لتعزيز احتلال المدينة، وإحكام السيطرة على الحرم الإبراهيمي.

تضييق الحصار

من جهته، يؤكد الخبير في شؤون الاستيطان عبدالهادي حنتش، أن البؤرة الجديدة ستكدر حياة أهالي البلدة القديمة بشكل أكبر، وتضيق الخناق عليهم، من خلال توسيع دائرة الحصار المفروضة منذ المجزرة.

ويضيف أن «البؤرة مقامة في قلب البلدة القديمة، حيث العشرات من البوابات والحواجز العسكرية، التي تقسم البلدة إلى أقسام عدة، يحظر على السكان التنقل بينها».

ويتعرض سكان البلدة القديمة، بحسب حنتش، إلى حصار مطبق، بفعل البؤر الاستيطانية الخمس المقامة بين منازلهم، بالإضافة إلى الحواجز والبوابات العسكرية التي تعزلهم عن الحرم وبقية مناطق البلدة، إلى جانب الإجراءات المشددة التي يمارسها الجنود بحقهم، خلال تنقلهم عبر تلك البوابات.

ويبلغ عدد الحواجز العسكرية في محافظة الخليل، وفقاً لوحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) 97 حاجزاً، منها 71 حاجزاً وعائقاً في منطقة البلدة القديمة من مدينة الخليل، تستخدم للتحكم وتقييد وحصر حركة الفلسطينيين، بالإضافة إلى 24 برج مراقبة، و14 بوابة مغلقة.

وكان الاحتلال قد قسّم الحرم الإبراهيمي بعد تسعة أشهر من المجزرة، حيث استولى على نحو 65% من مساحته، وفرض عليه حصاراً مشدداً، وقيد دخول وخروج الفلسطينيين إلا بإذن مسبق، فيما عزل الحرم والبلدة القديمة عن محيطهما الفلسطيني.

المواطن حسن القواسمي، من البلدة القديمة، وأحد الناجين من مجزرة الحرم، يتعرض لمعاناة يومية كبقية السكان، إذ يجتاز يومياً أكثر من سبعة حواجز وبوابات إلكترونية، حتى يصل إلى داخل الحرم الإبراهيمي، يتعرض خلالها للانتظار والتفتيش المذل.

ويقول القواسمي لـ«الإمارات اليوم»، «إن أول حاجز يبدأ فيه للتفتيش هو حاجز الكونتينر، حيث أدخلتُ في غرفة مغلقة، تعرضت فيها إلى تفتيش أمني كامل، وبعد ذلك يسمح لي بالدخول، ولا تنتهي رحلة المعاناة إلى هذا الحد، لأمرّ عبر أربعة حواجز عسكرية أخرى، منها حاجزان بالقرب من المحكمة، واثنان قبل الوصول إلى بوابة الحرم بأمتار قليلة».

ويلفت إلى أن الوصول إلى بوابة الحرم لا يعني الدخول إليه، حيث توجد بوابتان إلكترونيتان على باب الحرم، ولا يسمح للمصلين بالدخول إلا بعد تفتيشهم، إذ يفترض بالمصلي وضع كل ما بحوزته جانباً حتى يسمح له بالمرور.

ويتسبب الانتظار والتفتيش عبر البوابات والحواجز، بتأخير وعرقلة دخول المصلين إلى الحرم، كما يتم احتجاز بطاقات الهوية للشباب والفتيات من المصلين بذرائع أمنية، بحسب القواسمي.

غرفة الأذان مقسمة

غرفة الأذن داخل الحرم الإبراهيمي كانت أحد الأماكن التي شملها تقسيم الحرم، فقد وقعت في الجزء الذي سيطر عليه الاحتلال، حيث لا يسمح للفلسطينيين برفع الأذان، إلا بعد الحصول على موافقة أمنية من القوات الإسرائيلية.

ويُعد صوت الأذان في الحرم الإبراهيمي أكثر ما يؤرق المستوطنين في البلدة القديمة، حيث يمنع رفع الأذان أكثر من 70 مرة شهرياً، ويصل في أوقات أعياد اليهود إلى 90 مرة شهرياً، بذريعة منع إزعاج المصلين اليهود داخل الحرم، ولدواعٍ أمنية غير معلنة، فيما تمنع إقامة أذان المغرب بشكل نهائي منذ عام 1999، بحسب مؤذن الحرم صبحي أبوصبيح.

ويقول أبوصبيح لـ«الإمارات اليوم»، «في كل وقت من أوقات الصلوات ما عدا المغرب، يجب أن أحصل على إذن مسبق من الاحتلال لرفع الأذان، ولا يسمح لي بالدخول إلى غرفة الأذان، إلا بعد أن يحضر الضابط وتجرى الترتيبات الأمنية القاضية بدخولي، وهذا يتسبب في تأخير يومي لرفع الأذان، وفي بعض الأوقات يمنعوني من الدخول».

ويشير إلى أن الاحتلال يعتقل عدداً من المصلين والمواطنين عند مداخل الحرم الإبراهيمي، خصوصاً الشباب، كما يعيق عمليات ترميم الحرم، إذ لا يسمح بإدخال مواد الترميم إلا بعد تنسيق أمني مسبق.

تويتر