الحارسات تعوّدن على حياة البرية ولا يخشين مواجهة الصيادين

فريق نسوي لمكافحة الصيد غير المشروع في جنوب إفريقيا

صورة

يقوم الرجال في العادة بالأعمال الشاقة والخطرة، وتفضل النساء المهام الأقل خطورة التي تتناسب مع طبيعتهن، إلا أن فريقاً من النساء في جنوب إفريقيا اختار إحدى أصعب المهام في العالم، وتتمثل في محاربة الصيد غير المشروع.

عيون براقة

بعد حلول الظلام تصبح محمية «بابول» عالماً مختلفاً؛ إذ تُسمع صرخات ونداءات غريبة، ويمكن رؤية عيون براقة تتألق في الظلام، وملاحظة أشكال غامضة تتحرك بين الأشجار والنباتات. كما تزدحم بعض الممرات بحركة مرور مخلوقات عملاقة، مثل الجاموس، التي تظهر في المصابيح الأمامية مثل أشباح بقرون، أي واحد منها يمكن أن يدمر سيارة الحارسات، ولكن القطيع يتفادى العربة ويختفي بين الأشجار.

يؤكد الدليل زيل أن الأسود والحيوانات المفترسة الأخرى لديها خوف عميق من البشر، وهذا هو السبب الذي يجعلها تبتعد عن مخيمات الحراس والسياح، موضحاً «نحن نعتمد على هذا لسلامتنا»، بالإضافة إلى البنادق القوية في حالات الضرورة القصوى، بطبيعة الحال. من السهل أن يضلّ مبتدئ الطريق في البرية؛ ما لم يكن، مع دليل، ليتعلم كيفية تحديد الاتجاهات باستخدام البوصلة، وكيفية العثور على الماء والغذاء.


6000  دولار سعر الكيلوغرام الواحد من قرن وحيد القرن الذي يزن في المتوسط خمسة كيلوغرامات.

يسمونه فريق «المامبا السوداء»، وهي وحدة شبه عسكرية من النساء، اختارتها السلطات المحلية على الحدود الغربية لحديقة «كروجر» الوطنية في جنوب إفريقيا، لمكافحة آفة الصيد غير المشروع، لحيوانات وحيد القرن من أجل بيع قرونها، إضافة إلى محاربة استهلاك لحوم الحيوانات البرية الأخرى.

ويبلغ عدد النساء 36 حارسة، الآن، مقابل ست فقط في عام 2013، عندما تم تشكيل فريق «المامبا»، وتعتبر هؤلاء النسوة «أعين وآذان» وحدات الاستجابة المسلحة، التي تضم جنوداً سابقين، والتي تقوم بدورية دائمة في محمية «بابول»، بمساحة تزيد على 50 ألف هكتار مربع، وقد شهدت المحمية انخفاضاً ملموساً في حوادث الصيد غير المشروع، بفضل جهود الفريق النسائي ووحدة الاستجابة.

وفي الوقت الذي احتفل فيه العالم باليوم العالمي للمرأة، أمس، يدفع نشطاء لاتخاذ المزيد من الاجراءات بهدف تسريع المساواة بين الجنسين، مستخدمين وسائل الإعلام الاجتماعية. إنها رسالة إيجابية من شأنها أن لا تضيع على فريق المامبا، الذي يطالب ليس فقط بتغيير المواقف تجاه الصيد غير المشروع، ولكن أيضاً حيال دور المرأة في إفريقيا. قائد عملية مكافحة الصيد غير المشروع في المنطقة، هو أحد الأقارب البعيدين لرئيس الوزراء ونستون تشرشل - جده كان ابن عم تشرشل ـ إنه مأمور محمية بابول، كريغ سبنسر، الذي يسهر على الحفاظ على البيئة، ويلتزم بعمله طوال السنة مع مساعديه.

غارات وشيكة

إنه ابن القارة الإفريقية، فقد ولد في بوتسوانا. وقد أنشأ، قبل سنوات، فريق الحارسات الذي سمي بالمامبا، وهو اسم ثعابين فتاكة تعيش في إفريقيا، وتم تدريبهن على غرار طريقة العمل في الشرطة البريطانية. ويقول سبنسر: «إنه نسخة طبق الأصل من نظام عمل في بريطانيا منذ 100 سنة»، مضيفاً «مع إشراك المجتمعات المحلية، ووحدة الاستجابة المسلحة، فان المامبا هن الشرطيات».

تم تزويد الحارسات بعبوات رذاذ الفلفل والقيود اليدوية فقط، ويقمن بدوريات في أراضي الصيد الجائر، ويقدمن معلومات استخباراتية حول المشتبه بهم في مجتمعاتهم المحلية. وبمجرد التعرف الى الصيادين المخالفين، يقوم سبنسر بتجهيز الرجال للتسلل إلى العصابات والاستعداد لغارات وشيكة، وبعدها يتم الهجوم.

كانت هناك معارك، ولكن الصيادين المخالفين يخسرون في كل مرة، ويتأسف سبنسر لأن العديد من الأرواح أزهقت «لا نريد أن يكون هناك أرامل وأيتام»، يقول قائد العملية، مضيفاً «نحن لن ننتصر على أرض المعركة، لكن فقط نسعى لكسب الوقت. الشيء الوحيد الذي سيساعد في نجاح المهمة، هو الحصول على دعم المجتمعات المحلية». وجزء من المشكلة هو أن الصيادين غير الشرعيين، يجلبون المال للمجتمعات الفقيرة.

جميلة وقوية

تتحدث يانزيكيلي، 24 عاماً، بهدوء، قائلة: «أنا فخورة بأن أكون في هذا الفريق»، وتضيف الحارسة الشابة «من المهم أن نحمي الطبيعة لأبنائنا وأحفادنا، ومجتمعي يفخر بنا لأنهم يشعرون أننا نحدث الفرق». أما ليتاه، 22 عاماً، فتقول معلقة: «الصيادون لديهم أسلحة، ولكن نحن لسنا خائفات. نحن نقاتل من أجل حيواناتنا، ونوضح للناس أن المرأة يمكن أن تكون جميلة وقوية أيضاً».

في قلب هذه البرية، حيث تتجول الأسود أحياناً، يعمل النساء دون خوف أو تتردد، وقد تعودن على المبيت في العراء وأخذ الاحتياطات الضرورية تفادياً للسعات الثعابين، أو هجمات القطط الكبيرة، في بابول، إحدى أكبر المحميات في جنوب إفريقيا. ويبدأ الفريق النسائي عمله في الصباح الباكر، وتقول إحداهن للصحافيين المرافقين، خلال تناول وجبة الإفطار،«لقد سمعنا صوت أسود تصطاد البارحة، ويرجى الهدوء إذا رأيتم شيئاً، لابد أن الأسود قد رحلت».

دليل الدورية هو يان فان زيل، وهو شاب إفريقي يعمل أيضاً في مراقبة حيوانات وحيد القرن في منطقة كوازولو ناتال. عاش الدليل لحظات مثيرة ومرعبة مع الحيوانات، لاسيما عندما لاحقته الأسود والفيلة، وهو على متن دراجته النارية، وأسوأ اللحظات، ربما، كانت عندما هاجمه وحيد القرن واضطر لتسلق شجرة، «قفزت من الدراجة وركضت للاختباء فوق شجرة، ولحسن الحظ ذهب وحيد القرن للدراجة وحطمها في لحظات».

وعن كيفية تعطيل الصيادين لحركة وحيد القرن بطلقة واحدة، ثم قطع قرنه بالمناجل والفؤوس، في حين أن الحيوان لايزال على قيد الحياة، يقول زيل،«في بعض الأحيان يتم نزع جزء كبير من وجهه مع القرن. أنا أريد أن أفكر باللحظات التي يمر بها الحيوان في آخر لحظاته»، متابعاً «هنا مزيج من المشاعر والحزن والغضب، فضلاً عن الحيرة».

طب غير مشروع

يستمر قتل حيوانات وحيد القرن في جميع أنحاء جنوب إفريقيا، وكلها تذهب لصالح الطب الآسيوي غير المشروع - الشعوذة. ويجري تداول القرون المجففة من قبل عصابات دولية بمبلغ 6000 دولار للكيلوغرام الواحد، ويزن القرن خمسة كيلوغرامات، في المتوسط، وهذا يجعله من السلع الأكثر قيمة في العالم. في الواقع يتكون القرن من مادة الكيراتين، الموجودة في شعر وأظافر البشر، والتي لم تثبت جدواها أو فوائدها الطبية.

وخلال تتبع دورية المامبا لحيوانات وحيد القرن، توقف الدليل زيل، فجأة، ليتفحص آثار أقدام، ليقول: «إنها آثار وحيد القرن انتبهوا جيداً»، وبعد دقائق ظهر أربعة حيوانات ضخمة الواحد تلو الآخر، مثل عربات عسكرية مصفحة. أن يراهم الإنسان في البرية، فهذا يعتبر أمراً فريداً، لأنها تشبه مخلوقات ما قبل التاريخ، يصل وزنها إلى طنين، ما يذكر بحقبة الديناصورات المنقرضة. وقد أصبح متنزه كروجر الوطني أشبه بـ«حديقة جوراسية»، ومن الفظيع أن تقتل هذه الحيوانات من أجل ممارسة الشعوذة أو الطب غير الشرعي.

تويتر