الاستيطان يحاصرها ومشروعات التهويد سلبت آثارها وأعدمت السياحة المحلية فيها

سبسطية.. عاصمة الرومان في فلسطين مهددة بالاندثار

صورة

فوق تلة يصل ارتفاعها إلى 440 متراً عن سطح الأرض، وتحديداً بين حقول القمح وأشجار اللوز بين مدينتي نابلس وجنين، تمتزج الحضارات التاريخية في بلدة بدأت أهميتها في عام 876 قبل الميلاد. ففي بلدة سبسطية حط الكنعانيون رحالهم، وأقام اليونانيون والرومان الأنفاق والسراديب والتماثيل التي مازالت حاضرة إلى يومنا هذا، ومنها تمثال رودس أندرياس.

صمود

على مدار السنوات الماضية وحتى اليوم يمنع الاحتلال الفلسطينيين من تطوير سبسطية سياحياً وحضارياً، إضافة إلى ممارسات المستوطنين الاستفزازية، ومنعهم من إقامة مسار الحج المسيحي في بلدة الحضارات الرومانية واليونانية.

المواطن أحمد ذياب، المكنى بـ«أبوفارس»، يخوض منذ سنوات معركة البقاء والحفاظ على آثار سبسطية، حيث نجده يجلس يومياً في الطريق إلى المدرج الروماني، بالقرب من بسطة صغيرة على طرف الممر الضيق، يعرض عليها بعضاً من التحف والحلي التراثية، لبيعها للسياح الأجانب.

«أبوفارس» كان لديه دكان في الجهة العلوية من المدرج الروماني، بالقرب من الكنيسة التاريخية، يبيع فيه المطرزات والتحف الأثرية، لكن قوات الاحتلال هدمته أكثر من مرة، وهو ما جعله غير قادر على إعادة بنائه من جديد، فاكتفى بالبسطة طلباً للرزق.

ورغم ذلك أصر على الوجود بالقرب من المدرج الروماني وآثار سبسطية، لبيع المطرزات والمجسمات الأثرية التي تؤكد الوجود الفلسطيني في تلك الأرض، إضافة إلى التصدي للمستوطنين الذين يحاولون منع السياحة المحلية في سبسطية.

ويقول «أبوفارس» لـ«الإمارات اليوم»، وهو يقف خلف بسطته، إن «الشركات السياحية الإسرائيلية التي تنظم رحلات السياح، تبذل جهدها لمنعهم من الشراء من المحال الموجودة في البلدة، فمعظم هؤلاء السياح يلقون نظرة على البضائع، ولا يشترون بإيعاز من هذه الشركات».

ويضيف: «قبل خمس سنوات بدأت العمل في محل صغير، لكن بعد ثلاثة أشهر تسلمت قراراً من الاحتلال بهدمه، بحجة أنه مبني في أراضي (C)، وهدمته جرافات الاحتلال بكل ما يحتويه من بضائع، لكن رغم ذلك نحن باقون، فقد افتتحت بسطة صغيرة، لأبقى موجوداً بشكل دائم إلى جانب الآثار التي أفنيت سنوات عمري بجانبها».

ويبيع «أبوفارس» التحف المصنوعة من الخزف الفلسطيني، التي يصنعها بيده هو وابنته داخل منزله.

وإلى جانب الخزف والمنحوتات، يبيع «أبوفارس» المطرزات البسيطة والحلي التاريخية، التي يمكن أن تشكل جذباً للسياح الأجانب عند زيارتهم البلدة.ويقبل السياح الأجانب بشكل كبير، على شراء التحف التراثية التي تجسد المدن التاريخية مثل القدس وبيت لحم والناصرة وسبسطية، إلى جانب شراء المطرزات الفلاحية التراثية، وذلك بحسب «أبوفارس».

فالحضارات الرومانية، واليونانية، والفارسية والآشورية، وصولاً إلى العثمانية، وضعت بصمات لها في سبسطية، مازالت باقية في مبنى الكاتدرائية الذي بناه الرومان وسط البلدة.

وبفعل العمق التاريخي لبلدة سبسطية، فإنه يطلق عليها عاصمة الرومان في فلسطين، إذ تشتهر بالآثار الرومانية واليونانية التي تعود إلى زمن «هيريدوس الروماني».

لكن هذا الجمال التاريخي يأبى الاحتلال إلا أن يشوهه، فآثار الحضارات التي يعود عمرها إلى أكثر من 3000 عام، تحاصرها المستوطنات، وتهددها الانتهاكات «الإسرائيلية» بالزوال، بفعل اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال، لإسقاط الرواية اليهودية عليها، إذ تعد ثالث مدينة فلسطينية تواجه خطر التهويد والاستيلاء على أراضيها، بعد القدس والخليل.

وكان الاحتلال قد قسم سبسطية إلى شطرين، الأول وهو العامر بالسكان يصنف بالمنطقة «B»، أما القسم التاريخي المزدحم بآثار الحضارات فأدرج ضمن المنطقة المصنفة «C».

حيث إن مناطق الضفة الغربية مقسمة إلى مناطق A.B.C. وفقاً لاتفاقية أوسلو، بحيث تمتلك السلطة الفلسطينية السيطرة الكاملة على مناطق A، والسلطة الإدارية على منطقة B، فيما تكون السيطرة الأمنية فيها لدولة الاحتلال، التي تمتلك أيضاً السيطرة الإدارية والأمنية بشكل كامل على مناطق C.

حكاية أرض الحضارات

«الإمارات اليوم» انتقلت إلى أرض الحضارات عبر الأزقة الضيقة للبلدة القديمة في نابلس، وعند الوصول إلى القسم الأثري في سبسطية، تكشفت ملامح الحضارات التاريخية، فالمدرج الروماني كان أول مكان انتقلنا إليه، وبجانبه «البرج الهلنستي» الذي يعود إلى حقبة العصر اليوناني، وكلما تعمقنا أكثر داخل البلدة شاهدنا بصمات العصور القديمة.

أكملنا جولتنا في سبسطية وصولاً إلى مسجد النبي يحيى، الذي توجد بداخله غرفة لها قبة، تسمى «قبة أيوب»، التي بناها ابن أخت صلاح الدين الأيوبي، فوق ما يعتقد أنه المكان الذي سجن فيه نبي الله يحيى عليه السلام، وفي داخل الغرفة يوجد تمثالان من أصل سبعة تماثيل، أمرت بإيجادها القديسة هيلانة لتمثيل وقائع قتل النبي يحيى، أما بقية التماثيل فقد سرقها الاحتلال على مدار السنوات الماضية.

حكاية هذه الحضارات بدأت عام 876 ق.م، وذلك عندما بنى الملك عمري مدينة سبسطية، وحصنها بالأسوار، واعتبرها عاصمة له، وسماها سمارية، لتتعاقب بعد ذلك عشرات الحضارات عليها.

ويقول مدير هيئة تطوير السياحة في سبسطية، أحمد الكايد لـ«الإمارات اليوم»: «بعد حقبة الملك عمري، تعاقبت حضارات عدة، أولها الكنعانية، ثم العصر الحديدي، فالحضارات الآشورية والبابلية والفارسية واليونانية، ومن بعد ذلك كانت الفترة الرومانية، ثم البيزنطية، لتدخل بعدها فترة العصر الإسلامي، إضافة إلى فترة مستقطعة من الحكم الصليبي».

ومن أهم المواقع الأثرية في سبسطية، بحسب الكايد، منطقة قصر الملك عمري الذي يعود إلى ما قبل 3000 عام، وكذلك البرج الهلنستي جنوب المدرج الروماني، الذي يعد من أهم آثار العصر الروماني، إلى جانب برجين وقصور، وشارع الأعمدة الممتد بطول 800 متر، فيما يقع على جانبيه 600 عمود أثري.

انتهاكات

ولإحكام سيطرته على سبسطية، أقام الاحتلال عليها مستوطنة «شافي شمرون»، بعد أن صادر معظم أراضيها، وسيطر عليها.

ويقول نائب رئيس بلدية سبسطية، نائل الشاعر، إن «انتهاكات الاحتلال ضد سبسطية تشمل كل المواقع الأثرية فيها، ومنها سرقة الآثار التاريخية التي كانت موجودة في المسجد العثماني، ونقلها إلى المتاحف الإسرائيلية، وكذلك محاولة نقل بعض قطع المقبرة الملكية الرومانية من وسط القرية».

ومن ممارسات المستوطنين في سبسطية، بحسب الشاعر، تدمير الممتلكات، حيث هدم المستوطنون أخيراً ثلاثة أماكن، منها مطعم وبركس، ومتجر لبيع التحف، إضافة إلى عمليات الحفريات التي تطال المواقع الأثرية في البلدة، ومنها التل الأثري الذي تبلغ مساحته 115 دونماً.

ويشير نائب رئيس بلدية سبسطية إلى أن الاحتلال يسعى إلى عزل المنطقة الأثرية في سبسطية، التي تبلغ مساحتها أكثر من نصف المساحة الإجمالية للبلدة، وفرض رسوم دخول من قبل سلطة الطبيعة والحدائق العامة الإسرائيلية.

يونيسكو

ويقول مدير عام الترميم والمواقع الأثرية في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، إيهاب الحاج داوود، معلقاً: «أعددنا قائمة تضم 20 موقعاً أثرياً في الأراضي الفلسطينية، ومن بينها بلدة سبسطية التي تحتضن حضارات تاريخية، وذلك لتقديمها إلى منظمة (يونسكو) لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي».

ويوضح أن الهدف من إدراج سبسطية على قائمة التراث العالمي، حمايتها من ممارسات التهويد، واعتداءات المستوطنين، والحد من محاولات الاحتلال لطمس هويتها وآثارها، التي حافظ عليها الفلسطينيون على مدار السنوات الماضية.

ويقول داوود في حديث لـ«الإمارات اليوم»: «رغم المحاولات الدبلوماسية لتسجيل سبسطية في قائمة التراث العالمي، إلا أن ثمة عوائق تعترض تلك الخطوة، منها عدم اعتراف الاحتلال بهذه القائمة، إضافة إلى سيطرته على المواقع الأثرية في سبسطية، كونها تقع في المنطقة التابعة للسيطرة الأمنية والإدارية الكاملة لإسرائيل».

ويضيف: «بالتالي لا نمتلك كحكومة فلسطينية سيطرة على منطقة C، التي تقع فيها المناطق الأثرية من ناحية أمنية، كما لا نمتلك الإمكانات اللازمة لتطويرها سياحياً لخدمة الزوار، بفعل ممارسات الاحتلال، وتطويقه للبلدة من كل المداخل».

اهم المواقع

أهم المواقع الأثرية في سبسطية، منطقة قصر الملك عمري، الذي يعود إلى ما قبل 3000 عام، وكذلك البرج الهلنستي جنوب المدرج الروماني، الذي يعدّ من أهم آثار العصر الروماني، إلى جانب برجين وقصور، وشارع الأعمدة الممتد بطول 800 متر، فيما يقع على جانبيه 600 عمود أثري.

يقبل السياح الأجانب بشكل كبير، على شراء التحف التراثية التي تجسد المدن التاريخية، مثل: القدس وبيت لحم والناصرة وسبسطية، إلى جانب شراء المطرّزات الفلاحية التراثية.

تويتر