تباطؤ تقدم القوات العراقية بسبب نيران القناصة والعبوات المتفجرة

قلق دولي على مصير السكان المحاصرين غرب الموصل

صورة

لم تحسم معركة الموصل بعد، في وقت تحاول القوات العراقية محاصرة المسلحين وتحرير المدينة من قبضتهم. وفي محاولة لطمأنة الأهالي، تم إسقاط الآلاف من رسائل «الأمل» والدعم على غرب الموصل، وسط مخاوف على مصير نحو 750 ألفاً من المدنيين المحاصرين في مناطق يسيطر عليها تنظيم «داعش». ومن بين الرسائل التي كشف عنها صحافيون غربيون يرافقون القوات العراقية، رسالة من شخص يدعى «عمر»، الذي كان يكتب إلى عائلته وأصدقائه من حي استعاده الجيش، أخيراً، قال فيها «أريد فقط أن أعلمكم أننا بأمان هنا»، مضيفاً: «آمل أن تتحرر جميع المناطق من قبل القوات الحكومية، في أقرب وقت ممكن، وتكون خالية من مقاتلي التنظيم». وقد طلب عمر من الأهالي المحاصرين عدم الخروج من منازلهم خلال المعارك، وختم بعبارة «كلنا العراق، مع المحبة».

كانت هذه واحدة من بين أربعة ملايين رسالة أسقطت على المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في الموصل منذ ديسمبر، كجزء من مشروع أطلقه «معهد صحافة الحرب والسلام»، غير الربحي. وقد قام عراقيون من مختلف أرجاء البلاد بصياغة الرسائل، وتم جمعها من قبل متطوعين، وبعد تصوير أكثر من 2000 رسالة، تم إسقاطها من طائرة نقل عسكرية.

وتقول رسالة أخرى: «ستعود الأيام الجميلة مع عائلتك، وستسمع أذان المساجد في سماء الموصل، وستعود الثقافة والعلوم، لأن كل شيء سلب منكم سيعود إليكم». وقال آخر:«شعبنا في الموصل، نحن معك بقلوبنا وأرواحنا، لا أجد الكلمات المناسبة لأعبر لكم، لكن لا تنسوا أنكم جزء من العراق، ونحن لن تتخلى عنكم، والنصر سيأتي قريباً، إن شاء الله».

أكبر حركة نزوح

ممر آمن

يؤكد قائد القوات الخاصة المشاركة في تحرير الموصل، الفريق عبدالوهاب السعدي، حدوث عملية نزوح للمدنيين، خصوصاً في حي المأمون وتل الرمان وتل الريان، ويتم إجلاؤهم عبر ممر آمن نحو مناطق خلفية لنقلهم نحو معسكرات اللاجئين. وفي هذا السياق، يصف أحد المدنيين الفارين ممارسات التنظيم المتطرف بالبشعة «جعلونا دروعاً بشرية منذ أربعة أشهر، ولما تقدمت القوات العراقية وضعونا في الأمام مع عائلاتنا». واضطر النازحون لترك ممتلكاتهم وراءهم. وتثير حملة استعادة السيطرة على غرب الموصل المخاوف من تردي الوضع الإنساني. وحذرت منظمة الأمم المتحدة من أن 400 ألف من سكان الشطر الغربي قد ينزحون جراء المعارك والقصف الجوي.


يرى مراقبون أن الجيش العراقي اكتسب خبرة لا بأس بها خلال المعارك التي خاضها في الجزء الشرقي من الموصل، وغيرها من المدن العراقية، التي كانت تحت سيطرة التنظيم المتطرف، وتعرف إلى أساليبه في القتال داخل المدن والشوارع، وهو ما يصب في مصلحة القوات العراقية التي تمتلك أسلحة أكثر تطوراً، فضلاً عن الغطاء الجوي الذي توفره الطائرات الحربية التابعة للجيش العراقي والتحالف الدولي.

عبر نحو 1000 مدني الخطوط الأمامية لمقابلة القوات الحكومية، الأسبوع الماضي، في أكبر حركة نزوح منذ أن اشتد القتال، لكن كانت هناك مخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية، لأولئك الذين بقوا تحت القصف المستمر. وتباطأ تقدم القوات العراقية أمام مقاومة دموية أبداها المسلحون، الذين يستخدمون طائرات من دون طيار، وسيارات مفخخة، وعبوات ناسفة، ونيران القناصة، إضافة إلى قذائف الهاون، أثناء محاولة تحصين أنفسهم في الأحياء السكنية.

ويؤكد قائد القوات الخاصة العراقية، الفريق عبدالوهاب السعدي، أن قواته «تتحرك ببطء شديد»، لكنه يتوقع زيادة الوتيرة، بعد قطع القوات العراقية خطوط إمدادات «داعش»، في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة الموصل. وفي هذه الأثناء، تقوم القوات الحكومية، مدعومة من مقاتلي البشمركة الكردية والقوات الخاصة الدولية، من الولايات المتحدة، وبريطانيا، ودول أخرى، بقصف مواقع المسلحين بالقذائف والصواريخ.

كما شنت قوات التحالف، التي تقودها أميركا، أيضاً، غارات جوية، في الأيام الأخيرة، فيما تقول القيادة المركزية إنها دمرت أهدافاً عسكرية مهمة، بما في ذلك أنظمة هاون ومراكز قيادة، ووحدات قناصة، ومصانع للسيارات المفخخة، ومواقع يتخندق فيها المقاتلون، إضافة إلى منشأة لتخزين طائرات من دون طيار «درون».

ضربات ناجحة

يذكر أن المسلحين كثفوا من استخدام طائرات «درون» لأغراض عسكرية، في العراق، وإطلاق قنابل معدلة، ومتفجرات صغيرة، على القوات المعادية، بما في ذلك المركبات والدبابات، ثم ينشرون لقطات عن ضربات ناجحة على مواقع وقنوات دعاية. وتسببت قنابل المسلحين في عدد قليل من الوفيات، نسبياً، لكنها دفعت الجيش العراقي لاتخاذ مزيد من التدابير الأمنية، الأمر الذي أدى إلى اضطراب كبير في العمليات البرية، وبالتالي استدعى الأمر القيام بمراقبة دقيقة ومفصلة للتعامل مع التهديدات المحدقة بالقوات المتقدمة.

وحذرت الأمم المتحدة من أن الرجال والنساء والأطفال داخل المناطق التي يسطير عليها المتشددون، معرضون للخطر الشديد مع هجوم القوات العراقية، وذلك بعد أن وجدت أن ما يقرب من نصف القتلى والجرحى في العملية العسكرية لاستعادة السيطرة على شرق الموصل، كانوا مدنيين. وعلى الجهة الأخرى من نهر دجلة، يشهد الجانب الغربي من المدينة كثافة سكانية أكبر من الجانب الشرقي، في وقت يتعرض أي شخص يحاول الفرار للقتل من قبل عناصر التنظيم.

ويقول توم روبنسون، الذي يقود فريق طوارئ تابعاً لمنظمة «أوكسفام»، في العراق، إنه يشعر بقلق بالغ بشأن مئات الآلاف من المدنيين الذين مازالوا محاصرين، هؤلاء الناس بقوا على قيد الحياة 30 شهراً تحت حكم «داعش»، ويحتاجون إلى دعم للحصول على الأمان والمأوى والطعام. مضيفاً «إننا ندعو جميع الوحدات المسلحة إلى اتخاذ التدابير الممكنة عملياً لحمايتهم».

من جانبها، قالت «لجنة الإنقاذ الدولية» إن التقدم في غرب الموصل هو «أخطر مرحلة» في العملية، وهي أيضاً فترة مرعبة للسكان المتبقين في المدينة. وقال مدير اللجنة في العراق، جيسون كاجر: «هناك خطر حقيقي من أن القتال سيحتدم حول غرب المدينة، أسابيع، وربما أشهراً قادمة». وأصيب أكثر من 1750 من المدنيين في عملية استعادة شرق الموصل، في حين توجد كثافة سكانية أكبر في الشطر الغربي. ولمنع سقوط عدد أكبر من الضحايا المدنيين، يضيف كاجر، يجب فعل كل شيء لإبقائهم خارج خط النار. وعندما تصل القوات العراقية إلى المنازل، يجب أن يعطى الناس فرصة للهروب من المدينة بأمان.

دروع بشرية

وقال عشرات العائلات التي تجمعت بالقرب من الخطوط الأمامية إنهم كانوا في الأصل يعيشون في القرى خارج المدينة، لكنهم اضطروا للانتقال إلى الموصل، قبل أشهر، لكي يتم استخدامهم دروعاً بشرية لمقاتلي «داعش». وتقول جوري فتحي، التي عاشت في مدرسة مهجورة ثلاثة أشهر: «لقد عشنا أوقاتاً رهيبة»، وتضيف الأم لستة أطفال: «اضطررت لحرق ملابس أطفالي للتدفئة».

وأعلنت القوات العراقية شرق الموصل منطقة «محررة بالكامل» في يناير، بعد إطلاق عملية لاستعادة السيطرة على المدينة في أكتوبر، لكن محللين حذروا من أن المعركة قد تستمر أشهراً عدة. وقد قتلت المراسلة الكردية، شفاء كردي، قبل أيام، أثناء تغطيتها للعمليات الجارية، في انفجار قنبلة زرعت على جانب طريق في بلدة «أبوسيف» التي استعيدت أخيراً.

تويتر