معالجة أسباب التطرف شرط لنجاحها

استراتيجية مكافحة التنظيمات المتطرفة في العراق وسورية يجب أن تشمل ما بعد التحرير

زيارة ماتيس الأخيرة تؤكد أهمية التعاون العسكري بين واشنطن وبغداد. أ.ف.ب

اقتربت مهلة الـ30 يوماً من نهايتها، ليعرض وزير الدفاع الأميركي الجديد، جيمس ماتيس، استراتيجيته للقضاء على تنظيم «داعش». وفي غضون ذلك، بدأت التخمينات حول العناصر المحتملة في هذه الاستراتيجية العسكرية.

لا يُعرف بعد ما إذا كان ماتيس يفضل إرسال قوات أميركية إلى سورية لتحرير المناطق التي استولى عليها «داعش»، لكن من الذي سيتولى تسيير شؤون الرقة بعد رحيل المتطرفين، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن القوات الأميركية لن تقوم بهذا الدور.

لقد جاءت رحلة ماتيس، قبل أيام، إلى العراق للتأكيد على أهمية التعاون العسكري بين الحكومتين الأميركية والعراقية، في قتال الجماعات المتطرفة. بدأ هذا التعاون بالفعل بدعم المستشارين العسكريين الأميركيين للقوات العراقية في معركة استعادة السيطرة على الموصل من المتشددين، وفقاً لتقارير واردة من المنطقة.

ومن المتوقع أن تسهم استراتيجية ماتيس في توسيع نطاق هذا التعاون، على الرغم من أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا يعني إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى العراق، لكن مع أن زيادة دعم الولايات المتحدة للحكومة العراقية في حربها ضد «داعش» مهمة وضرورية، إلا أنها ليست كافية. ويتعين على استراتيجية وزير الدفاع الجديد، تقديم شيء أكثر فعالية مما فعلت أميركا في عهد إدارة أوباما، إنها بحاجة إلى تجاوز المسائل العسكرية، والاعتماد على التفكير طويل المدى.

في حين يبدو تحرير الأراضي العراقية من المتشددين ناجحاً عسكرياً، فقد يخفي هذا التحرير مشكلات عدة على المدى الطويل في العراق، تحتاج إلى معالجة من أجل منع «داعش» أو جماعات مشابهة من الظهور مجدداً في المستقبل؛ وذلك بسبب المظالم الدائمة التي يعاني منها السكان المحليون. بعض هذه المشكلات تشمل مسألة من سيستولي على الأراضي المحررة بعد هروب المتطرفين، خصوصاً أن الطائفة السنية في العراق تواجه انقسامات داخلية.

على هذا النحو، فإن المشهد السياسي في العراق لا تشوبه تصدعات طائفية فحسب - على الرغم من أن الحرب على «داعش» أسهمت في توحيد كثيرين منتمين لطوائف وأديان مختلفة - لكنه يعاني أيضاً من مناوشات سياسية بين الطوائف. أي استراتيجية لمكافحة المتشددين تنطوي على نتائج قابلة للتطبيق، يجب أن تعالج المشكلات السياسية في ما بعد.

توجد حالة مماثلة في سورية، لا يعرف بعد ما إذا كان ماتيس يفضل إرسال قوات أميركية إلى سورية لتحرير المناطق التي استولى عليها «داعش»، لكن من الذي سيتولى تسيير شؤون الرقة بعد رحيل المتطرفين، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن القوات الأميركية لن تقوم بهذا الدور، حتى لو شاركت في التحرير.

تقاتل المجموعات الكردية التنظيم المتطرف في شمال سورية، وتراها الولايات المتحدة حليفاً عسكرياً، ونظراً إلى الاشتباكات التي وقعت بين مجموعات تنتمي إلى «وحدات حماية الشعب» ومقاتلين عرب، فإن التوتر العرقي سيكون مشكلة حقيقية، في وقت يتم نشر قوات ذات أغلبية كردية لاستعادة الرقة من التنظيم. ونُقل عن سكان عرب في الرقة أنهم يفضلون البقاء تحت حكم التنظيم المتطرف، عوضاً عن أن يروا المنطقة تحت سيطرة الأكراد.

قضية رئيسة أخرى هي مسألة المقاتلين الأجانب، تقرير جديد لمؤسسة «تشاتام هاوس»، اهتم بتقييم السياسة الغربية تجاه سورية على مدى السنوات الست الماضية، يسلط الضوء على أهمية وجود استراتيجية في ما يتعلق بآلاف المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم، وغيره من الجماعات لو توافرت إرادة حقيقية لهزيمة هذه الجماعات. وهذا يتطلب التنسيق الدقيق مع 80 بلداً، جاء منه هؤلاء المقاتلون الأجانب، بشأن عمليات التسليم، وكذلك برامج مكافحة التطرف، وإعادة الإدماج.

وأخيراً هناك مسألة المقاتلين المحليين، وكما يشير تقرير «تشاتام هاوس»، لم ينضم جميع المقاتلين في سورية أو العراق، إلى هذه المجموعات لأسباب أيديولوجية؛ فقد انضم الكثيرون لأسباب سياسية أو اقتصادية. معالجة هذه الدوافع شرط أساسي في استراتيجية شاملة لمكافحة «داعش»، ما يعني أن هذه الاستراتيجية يجب أن تعالج عملية الانتقال السياسي في سورية.

وهنا تأتي مسألة التعاون المحتمل بين الولايات المتحدة ونظام بشار الأسد، الذي يحاول أن يقدم نفسه باعتباره بطلاً في ما يتعلق بمكافحة المتطرفين. وبما أن هذا النظام نفسه أسهم في إنشاء الجماعات المقاتلة في سورية، لتشويه سمعة الانتفاضة الشعبية في 2011، فهل يمكن حقاً الوثوق به، وألا يكرر هذا التكتيك في المستقبل؟

لينا خطيب مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة «شاتام هاوس»

تويتر