أصدره «الكنيست» مبرّراً لمصادرة الممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية

الأعراف الدولية لا تعترف بقانون إسرائيل للاستيلاء على الأراضي

صورة

دفع سياسيو اليمين المتطرف الإسرائيلي بقانون في الكنيست لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية، ما قد يدفع بالتالي المحكمة الجنائية الدولية للتساؤل في مدى شرعية جميع المستوطنات الإسرائيلية. ولم تمضِ سوى 36 ساعة من استكمال الكنيست إصدار ما يسمى بـ«قانون توفيق الأوضاع» الخاص بالاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، حتى تم تقديم أول التماس ضده للمحكمة العليا الإسرائيلية، بشأن عدم مشروعيته (تم تقديم الالتماس بواسطة مركز «عدالة»، الذي يرعى حقوق الأقلية العربية في إسرائيل، نيابة عن القرى الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية).

مبرّر قانوني

عندما تم إخلاء البؤرة الاستيطانية في عمونا، أقسم سكانها ومؤيدوهم من الحكومة الإسرائيلية بأن لا يدعوا هذا الاجراء يمر بسهولة، ولكي تخرج الحكومة الإسرائيلية من هذا المأزق ظلت تبحث عن ثغرة لضمان بقاء المستوطنين في الضفة الغربية، وتقنين وضعهم. واستغلت الحكومة الإسرائيلية الدعم المتزايد الذي تحصل عليه من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وكان نتنياهو يعتزم تأجيل مشروع القانون، لكنه أكد في وقت لاحق أنه أبلغ البيت الأبيض بعزمه على وضع التشريع قيد التصويت، وحصل على الضوء الأخضر الأميركي. هذا التشريع الجديد سيسمح باستمرار بناء البؤر الاستيطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية، ومن شأنه أيضاً أن يحصن مستقبلاً المستوطنات من إجراءات الهدم، والسماح للمستوطنين بالبقاء على الأراضي التي تملك عائلات فلسطينية وثائق تثبت ملكيتها لها.

هذا القانون المثير للجدل سيسمح بالمصادرة القسرية وبأثر رجعي لأراضي فلسطينية خاصة في الضفة الغربية، قامت عليها المستوطنات اليهودية. وقبل صدوره قدم أصحاب أراضٍ فلسطينيين في الضفة الغربية التماسات عدة ناجحة إلى المحكمة العليا، أقيمت عليها منشآت غير مشروعة يطلق عليها «البؤر الاستيطانية»، أنشأها مستوطنون يهود دون الرجوع لأي جهة، وأشهرها عمونا، ونجح اصحاب هذه الأراضي في استعادة أملاكهم، بعد اخلائها قبل أيام قليلة من دخول القانون الجديد حيز النفاذ.

ومن الناحية القانونية، فإن أي دعوى ضد ما يسمى بقانون توفيق الأوضاع، تعتبر سهلة ومنطقية، بل هي في الواقع قوية جداً للدرجة التي أكد فيها المدعي العام الإسرائيلي نفسه، أنه لن يكون قادراً على الدفاع عن أي قضية في المحكمة تتعلق بهذا القانون.

القضية ضد هذا القانون تتمثل في مخالفته القانون الدولي والقانون الدستوري الإسرائيلي على حد سواء، فالضفة الغربية هي أراضٍ تقع تحت الاحتلال العسكري الاسرائيلي - وأن وضعها على هذا النحو أكدته مراراً وتكراراً المحكمة العليا الإسرائيلية، ولا يسري القانون الإسرائيلي على هذه الأرض. وتعتبر محاولة البرلمان الإسرائيلي تشريع قانون يصادر أملاك الفلسطينيين، انتهاكاً صريحاً للمبادئ الأساسية للديمقراطية، لأن هؤلاء الفلسطينيين ليسوا في الأصل مواطنين إسرائيليين، ولا يحق لهم التصويت في انتخابات الكنيست، كما أن مثل هذه التشريعات تسمح للكنيست تجاوز نفوذه السيادي.

إضافة إلى ذلك، ينتهك القانون المبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي للاحتلال، والذي ينبغي أن تلتزم به القوة المحتلة، وتعمل بموجبه لصالح السكان المحتلين، ويخالف أيضاً أحكاماً محددة تقيد مصادرة الممتلكات الخاصة، إلا لأغراض عسكرية. مثل هذه القواعد مدرجة في لوائح لاهاي، والتي على أساسها قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في كثير من القضايا في الماضي.

وحيث إن الهدف المعلن للقانون هو تنظيم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والسماح بتطويرها، فإنه يخالف أيضاً الحظر المنصوص عليه في اتفاقية جنيف، والمتمثل في عدم نقل الدولة المحتلة سكانها المدنيين الى الأراضي التي احتلتها بالقوة، وهو الحظر الذي يعترف به المجتمع الدولي، ومحكمة العدل الدولية، عدا إسرائيل.

ومع أن المحكمة العليا الإسرائيلية راجعت في الماضي أعمال الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية على أساس القانون الدولي، فإن هذه الحالة ستتسبب في اشتباك وتصادم بين التشريع البرلماني والقانون الدولي. وحيث إن الحالة التي يفرزها مثل هذا الصدام معقدة للغاية، يجوز للمحكمة أن تبني أحكامها على أساس القانون الدستوري الإسرائيلي، وتتحجّج بأن القانون ينتهك حق الملكية، التي هي محمية في القانون الأساسي الإسرائيلي: كرامة الإنسان وحريته، وكذلك الحق في الكرامة الإنسانية نفسها، والذي يتمثل في الحق في المساواة التي تعرضت للانتهاك في هذه الحالة.

وفي حين أن رفع دعوى ضد القانون أمر سهل للغاية، إلا أن تسييس القانون نفسه هو الأكثر تعقيداً. ويعلم قضاة يرأسون محاكم أن الحكم ضد هذا القانون من شأنه أن يفتح شهية أعضاء الكنيست اليمينيين لقص أجنحة المحكمة العليا في أشكال مختلفة، بما في ذلك اقتراحهم المتكرر بالسماح للكنيست «تجاوز» أحكام المحكمة في ظروف معينة.

من ناحية أخرى، يمكن للمرء أن يجادل بأن بعض اللاعبين في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي سيكونون سعداء عندما يرون أن المحكمة تنقذ الحكومة من نفسها عندما تقرر - أي المحكمة - أن القانون غير دستوري. وبهذا تصبح سعادتهم مضاعفة، لأن أعضاء الائتلاف سيؤكدون لقاعدتهم اليمينية بالتالي أنهم يؤيدون تنفيذ القانون، وبعد ذلك يستخدمون النهج نفسه لمهاجمة «الليبراليين» والقضاة «اليساريين». ويمكن للرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه أن يأخذ دروساً من اليمين الإسرائيلي في هذا المجال.

إلا أن المحكمة الإسرائيلية قد لا تكون هي الكيان الوحيد الذي يبحث عن مبررات قانونية ضد هذا القانون، حيث يعكف مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على إجراء دراسات تمهيدية بشكل مستمر في موضوع المستوطنات عموماً. أحد التقارير الذي صدر في نوفمبر 2016 بشأن مدى التقدم الذي أحرزته هذه الدراسات الأولية، جاء تحت عنوان «تنظيم المنشآت التي بنيت بدون إذن من السلطات الإسرائيلية (أو ما يسمى بالبؤر الاستيطانية)، ومصادرة والاستيلاء على الأراضي».

قد يجعل القانون الجديد المدعي العام في لاهاي يتخلى عن هذه «الدراسة الأولية»، ليشرع في إجراء تحقيق شامل حول هذا الوضع، وهذا بدوره قد يؤدي إلى توجيه الاتهام إلى الإسرائيليين المسؤولين عن سياسة الاستيطان في المحكمة الجنائية الدولية. وعلى عكس أي استئناف يتم تقديمه بشأن قانون توفيق الأوضاع أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، فإن مثل هذا التحقيق الذي قد يجريه المدعي العام في لاهاي، من المرجح أن يطرح أسئلة أوسع حول المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويسلط الضوء على أشكال أخرى نشطة من الاستيلاء على الأراضي من قبل إسرائيل، وعلى عدم مشروعية المستوطنات ككل.

ويعتبر هذا التشريع الجديد خطوة غير مسبوقة، وسعياً جاداً من إسرائيل لضم الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، على الرغم من أن بعض الجماعات اليمينية اليهودية المتطرفة تعتقد أن تطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، والذي امتنعت إسرائيل (نسبياً) عن تجاوزه خلال الـ50 عاماً من الاحتلال، يعتبر انتهاكاً صريحاً للدستور الإسرائيلي.

وفقاً للمتشدد في حزب الليكود ووزير المالية السابق، دان ميريدور، فإن الكنيست لا يلعب دوراً مركزياً في تنظيم ملكية أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، طالما أن سكان الضفة لا يصوتون له. وبناء عليه فإن الكنيست لا يملك حق التشريع بشأن سكان الأراضي المحتلة. ولا يمكن أن يحدث مثل هذا إلا إذا ظهرت دولة ثنائية القومية، وهو الوضع الذي يحصل الفلسطينيون في الضفة الغربية بموجبه على الجنسية الإسرائيلية، ويصبح لهم بعد ذلك الحق في التصويت، وهو الذي حدث في القدس الشرقية المحتلة عندما ضمّتها إسرائيل رسمياً إليها.

إيال جروس أستاذ القانون بجامعة تل أبيب

تويتر