بسبب ممارسات نتنياهو وحزبه

إسرائيل تهدم الديمقراطية وتقيد حياة العرب

صورة

زار رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، واشنطن، أخيراً، والتقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بهدف مناقشة الفلسفة السياسية التي يشترك فيها الرجلان، والتي تتجلى في السلطة من خلال الكره والخوف، إذ إن الدولة التي تمنع اللاجئين والمسلمين من دخول الولايات المتحدة، تملك الكثير من القواسم المشتركة مع نتنياهو، الذي يسمح للمستوطنين بسرقة أراضي الفلسطينيين، استناداً إلى قانون أوصله ائتلاف حكومة نتنياهو إلى البرلمان الأسبوع الماضي.

وكما هي الحال لدى ترامب، استخدم نتنياهو تكتيكات عنصرية صارخة، للفوز في الانتخابات الأخيرة عام 2015، ومنذ ذلك الوقت يمارس عنصرية مقززة ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والتي تتخذ أشكالاً عدة، وثمة شكل مؤلم على نحو خاص يتمثل في سياسات حكومته العنصرية والظالمة في استخدام الأراضي والإسكان.

ويشكل العرب 20% من سكان إسرائيل، ومع ذلك فإن 2.5% من أراضي الدولة تحت تصرف العرب قانوناً، ومنذ قيام إسرائيل تم بناء نحو 700 بلدة ومدينة جديدة من أجل اليهود، في حين أنه لم يتم بناء أي مدينة للسكان العرب.

وبصورة متعمدة، جعلت الحكومة الإسرائيلية الحصول على رخصة بناء بالنسبة للعرب أمراً بالغ الصعوبة، ونادراً ما تصدره أصلاً، الأمر الذي دفع السكان العرب إلى إنشاء مبانٍ سكنية جديدة على أراضيهم دون ترخيص، بهدف إسكان عائلاتهم التي تتزايد بصورة طبيعية، وليس لها أي مكان آخر يمكن أن تلجأ إليه، للحصول على السكن، ونتيجة لذلك أصبحت المجتمعات العربية تزداد كثافة على نحو كبير، حيث تحولت القرى البسيطة إلى غابات من الاسمنت.

عصا سياسية

عرب النقب

يوجد جنوب إسرائيل نحو 100 ألف مواطن عربي يواجهون أزمة خاصة. ففي صحراء النقب توجد 35 قرية، غير معترف بها رسمياً من قبل الحكومة الإسرائيلية. ويحمل هؤلاء السكان (غير المعترف بهم) الجنسية الإسرائيلية، ومع ذلك فإن الحكومات المتعاقبة رفضت أن تقدم لهم الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، وتعبيد الطرق، وإنشاء المدارس. والأسوأ من ذلك أنهم يعيشون دائماً تحت ظلال أوامر الحكومة بهدم بيوتهم، ولا يعرف هؤلاء السكان متى ستأتي الشرطة لإخراجهم من بيوتهم وهدمها بالجرافات.

وهذه السياسات موجودة في إسرائيل منذ عقود خلت، لكن نتنياهو حولها إلى عصا سياسية. وقبل بضعة أسابيع، عندما بات جلياً أن الحكومة ستضطر إلى تنفيذ أمر المحكمة العليا، بإجلاء سكان قرية «عمونا»، وهي مستوطنة غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة، وتم بناؤها على أراضٍ مسروقة من الفلسطينيين، تعهد نتنياهو بتدمير المنازل العربية في شتى أنحاء إسرائيل، انتقاماً لقرار المحكمة. ولم ينتظر نتنياهو كثيراً قبل أن ينفذ تهديده، لهذا بعد بضعة أسابيع وصلت قوة كبيرة من الشرطة إلى قرية «أم الحيران» غير المعترف بها، لتدمير منازل للعرب.

وقد كنت زرت «أم الحيران» للمرة الأولى، بعد أن تم انتخابي أميناً عاماً لحزب «هداش»، وأمضيت أسابيع عدة وأنا أعيش في النقب، وشاركت في الاحتجاجات غير العنيفة ضد تدمير قرى أخرى في النقب، وتعرضت للضرب على يد الشرطة، كما أنه تم اعتقالي، وتعين عليَّ الاتصال بزوجتي ناردين من السجن.

وبعد معركة قضائية طويلة، تحركت الحكومة لتدمير «أم الحيران»، كي يتم بناء مجتمع يهودي متدين مكانها، ويهدف إنشاء هذه البلدة إلى طمس جميع آثار الوجود العربي، حتى إنهم سيعملون على تبديل اسم البلدة إلى اسم عبري هو «هيران»، وطالب السكان بالتوصل إلى حل وسط، بحيث يتم تشكيل حي عربي، ضمن البلدة الجديدة المزمع بناؤها، حتى يواصلوا حياتهم دون متاعب، لكن الحكومة رفضت الفكرة، وقالت إن «هيران» هي البلدة اليهودية فحسب.

وقبل بضعة أسابيع، كان لديّ الأسباب كي أتصل بزوجتي من النقب مرة أخرى، لكن هذه المرة كان يتم نقلي بسيارة إسعاف إلى المستشفى. وفي 18 يناير الماضي، وقفت مع السكان في «أم الحيران»، بينما كانت الشرطة الإسرائيلية التي جاءت لتدمير البلدة، تقوم برش الفلفل عليّ، ومن ثم أطلقوا النار وأصابوني في رأسي وظهري بالرصاص المطاطي.

ويبلغ طول الواحدة من هذه الرصاصات ثلاث بوصات وقطرها 1.5 بوصة، ولها قاعدة بلاستيكية صلبة، ورأسها مصنوع من مادة مطاطية عالية الكثافة، ومن المفروض أنها لا تكون مهلكة إلا أنها سببت أضراراً خطرة عدة، بما فيها كسور الجمجمة، وفقدان إحدى العينين، كما أنها سببت حالة قتل واحدة على الأقل، وفي حالتي فإن الرصاصة أخطأت عيني، وأصابت جمجمتي.

والأخطر من ذلك أن الشرطة ارتكبت في ذلك اليوم جريمتي قتل: الأولى بحق يعقوب أبوالقيعان، وهو مدرس رياضيات من «أم الحيران»، والذي أطلق عليه النار بينما كان يقود سيارته، وإيريز ليفي، وهو ضابط شرطة، كان قد أصيب بسيارة أبوالقيعان بعد مقتله، وفبركت الشرطة رواية كاذبة بأن ما حدث كان عملاً إرهابياً. ودعت القائمة المشتركة، وهي القائمة التي أقودها في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، إلى تحقيق شامل في حوادث ذلك اليوم.

وتدعي الحكومة أن «المخططات غير الشرعية»، والتعدي على ملكية الغير، أو القلق من الإساءة للبيئة، هي المبررات التي تجعلها ترفض الاعتراف بالقرى، وبالتالي تعمد إلى تدميرها. وهذه مهزلة موجعة، إذ إن واقع المواطنين العرب يبدو مأساوياً، حيث ترفض الحكومة منح رخص بناء من البلدية من أجل سكن الأفراد المتزايدين من السكان، وبدلاً من ذلك تقوم بتدمير منازل السكان التي تم بناؤها دون رخصة، يبدو من المستحيل الحصول عليها.

لكن التساؤل المطروح هو: هل هذه هي الطريقة التي تعامل بها الدولة مواطنيها؟

ينبغي على الحكومة أن تؤمن حاجة السكان العرب من المنازل. علماً بأنني اقترحت، قبل عامين، إعلان وقف تدمير المنازل التي تم بناؤها بلا رخصة، مع قيام حملة تهدف إلى تشجيع الناس على عدم البناء بلا رخصة. وخلال هذا الوقت، ينبغي على الحكومة أن تضع مخططات للبلدية لكل مدينة وبلدة عربية، وتضمن أنه سيكون هناك توسع مناسب في الإسكان، يتلاءم مع الزيادة الطبيعية للمجتمعات العربية. وتتمتع هذه الخطة بدعم الوزارات المعنية. لكن نتنياهو تجاهلها تماماً كما تجاهل مقترحنا بالاعتراف بالقرى العربية في النقب.

أعداء داخل البلد

ولابد من القول إن معاملة السكان العرب باعتبارهم أعداء ضمن البلد أمر عنصري بحد ذاته، بيد أنها مناورة سياسية أيضاً، ويعرف نتنياهو أن خصومه من اليسار لن يصلوا إلى السلطة مرة ثانية دون التعاون مع الأحزاب العربية، ويدرك حزب العمل المعارض ذلك أيضاً، لكن بدلاً من العمل بصورة متكاملة معنا، فإن حزب العمل يقوم بتقليد استراتيجية نتنياهو، حيث يتعامل معنا ليس كحلفاء مهمين وإنما كمنبوذين.

ومجرد وجود القرى غير المعترف بها، يعتبر المثال الصارخ لوحشية الحكومة إزاء المواطنين العرب، وثمة متسع كافٍ لنا جميعاً في النقب، وفي شتى أنحاء إسرائيل، وخلال الوقت الحالي يقع على مسؤوليتنا الأخلاقية إنشاء معارضة مبدئية قوية بصورة كافية، للتغلب على سياسة الكره والخوف، وسأواصل العمل نحو تحقيق مستقبل ديمقراطي عادل ومشترك لنا جميعاً.

أيمن عودة سياسي وعضو عربي في الكنيست الإسرائيلي.

تويتر