تيليرسون بحاجة إلى الإلهام ليكون شجاعاً

«تغريدات ترامب الغاضبة» تعقّد مهمة وزير خارجيته

صورة

لنتخيل لوهلة أن وزير الخارجية الأميركية المعين حديثاً، ريكس تيليرسون، يستيقظ على تغريدة من رئيسه دونالد ترامب، بشأن أحد حلفاء واشنطن المهمين تقول «هل تصدق ذلك؟ إن إدارة أوباما وافقت على أخذ آلاف اللاجئين غير الشرعيين من أستراليا. لكن لماذا؟ سأدرس هذه الصفقة السخيفة».

الرئيس بالمصادفة

يبدو جليا من الوضع العبثي الذي تم فيه التحامل على المهاجرين من سبع دول مسلمة، سمات التسرع والتهور. فالرئيس ترامب هو داعية لحركة تهدف إلى إشاعة الفوضى، بدعم من محطة تلفزيونية وموقع «تويتر»، ويهدف من ذلك إلى التحايل على المؤسسات الديمقراطية عبر ممارسة سلطة مربكة ومنومة مغناطيسياً، وهو أساساً أصبح رئيساً بالمصادفة.

أولاً، فإن «اللاجئين غير الشرعيين» هم في حقيقة الأمر هاربون من أحد الصراعات المريرة، ولذلك فإن وضعهم كلاجئين هو في معظم الحالات معترف به رسمياً.

وثانياً، باعتبارهم لاجئين، لديهم الحق بموجب اتفاقات جنيف، التي وقعت عليها الولايات المتحدة، بأن تجري معاملتهم دون تمييز، في ما يتعلق بالدين أو الدولة الأصل التي جاؤوا منها.

وثالثاً، بالنسبة لكلمة «الآلاف» هم في الواقع 1250 من أصل 2500 رجل وامرأة وطفل، الذين تم حبسهم في جزيرتين مهجورتين في المحيط الهادي، هما مانوس ونورو منذ نحو ثلاث سنوات، في ظروف مرعبة، الأمر الذي دفع بعضهم إلى الانتحار أو الموت نتيجة الإهمال، أو حتى القتل، والعذابات النفسية المخيفة.

ورابعاً، فإن هذه الاتفاقية السخيفة تعكس الاهتمام الأسترالي الشديد للعثور على طريقة للخروج من ورطتها مع هؤلاء اللاجئين، واهتمام الأميركيين بتعزيز العلاقات مع حليفتهم أستراليا، في وقت تقوم فيه قوات البحرية الأميركية بإجراء دوريات بالقرب من حدود هذا البلد، في حين تقوم الصين بعرض عضلاتها، في بحر جنوب الصين.

وخامساً، فإن الدبلوماسية هي فن العثور على مصالح مشتركة، لكن لن تكون هناك أية فرصة لمثل هذه المصالح، عندما تكون تغريدة الغضب العارم للرئيس العاصف دونالد ترامب، تمثل أعلى مستوى من التواصل لواشنطن مع عالم عازم على ازدراء فكرة أميركا أولاً.

ويجب أن يفهم تيليرسون أن تغريدة ترامب الخاطئة تمثل استفزازاً لا داعي له، لأحد أصدقاء أميركا، وأن إثارة غضب الحلفاء الأوروبيين والآسيويين ليس من الحكمة في شيء، وأن مهمته ستكون للجحود فقط، طالما أن زمرة ترامب القابعة في البيت الأبيض تدير سياسة ارتجالية، وغير منطقية، في حين تترك وزارة الخارجية المضطربة أصلاً تتعامل مع القضايا الثقيلة في لوكسمبورغ وجزر سليمان.

ولنتخيل أن كل هذه الأفكار وصلت إلى ذهن تيليرسون، قبل أن يمسك صحيفة «واشنطن بوست» ليكتشف أن ترامب، قد بالغ في تهجمه على أستراليا، إذ أغلق الهاتف في وجه رئيس وزراء أستراليا مالكولم تيرنبال، بعد أن أخبره بأن «مكالمته كانت هي الأسوأ حتى الآن» من بين المكالمات التي أجراها مع قادة دول العالم، واتهم تيرنبال بأنه يحضر لإرسال إرهابيين للتفجير في بوسطن من جديد.

ينبغي أن لا يسمح للرئيس بأن يرسل تغريدات بهذا الشكل، لأنه يدمّر جمهوريتنا بصراخه وانفعاله التي تتسم بالجهل. وبالطبع فإن ترامب، وبمساعدة بعض المؤيدين المثيرين للجدل، سواء الأجانب أو المحليين، سيعمل على تغيير نفسه.

لكن، في أي مرحلة يتعين على تيليرسون أن يشعر بالاستغراب، في الوقت الذي يتابع العالم الفوضى الخاص بترامب، إذ إن الرئيس يريد أن يدير الولايات المتحدة كإحدى شركاته، دون كبير اهتمام بالمساءلة، إضافة إلى احتقاره للقوانين. حسناً، باستثناء الخسارة، باعتبارها أسوأ نتيجة يمكن تخيلها في التجارة والأعمال، فإن الحرب النووية هي أسوأ نتيجة يمكن حدوثها بالنسبة لأميركا والبشرية جمعاء.

وهذا جلي تماماً، كما توضح الحقيقة التي تفيد بأن إعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يكن مجرد نزوة غريبة، وإنما تعكس انحيازاً أساسياً للقيم نحو التعصب والعنصرية، والرهاب من الأجانب، والمناهضة للفكر، والتحسب من الاستبداد الديني، واستبداد المعلوماتية في القرن الـ21، وكره لوسائل الإعلام. وبناء عليه، فإن الرئيس يشعر بأنه أكثر انحيازاً إلى روسيا من حلفاء أميركا الأوروبيين، الذين تتناقض قيمهم معه.

وتم التوقيع على هذه «الاتفاقية الأسوأ من نوعها»، حسبما قال ترامب، كما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست، في سبتمبر الماضي في نيويورك، من قبل مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون السكان واللاجئين والهجرة، آن ريتشارد، ونائب وزير الهجرة في أستراليا، راشل نوبل، لكن هذه الاتفاقية ظلت سراً حتى 12 نوفمبر، أي بعد أربعة أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأن اللاجئين، خصوصاً المسلمين القادمين من الشرق الأوسط، كانوا يشكلون قضية حساسة في حملة ترامب الانتخابية.

وتتذكر السيدة ريتشارد قول المسؤولين الأستراليين لها «نريد تفكيك هذه الأماكن»، مشيرين إلى جزيرتي مانوس ونورو، ولقد أصبحت مصدر إحراج شديد لأستراليا. في المقابل، حصلت الولايات المتحدة على المساعدة في بعض قضايا الأمن القومي، إضافة إلى التزام أستراليا بأخذ مزيد من اللاجئين من أميركا الوسطى.

والمسكين تيرنبال هو أبيض ومحافظ، وهذه السمات يمكن أن تجعله محط إعجاب ترامب، لكن ذلك كان مستحيلاً، إذ إن العديد من هؤلاء اللاجئين كانوا من الإيرانيين، الذين عانوا الاضطهاد من الحكومة الإيرانية، وليست هناك وسيلة لإثارة غضب الرئيس ترامب أفضل من الطلب منه أن يمد يد التعاون مع المسلمين، على الرغم من أنه وقع اتفاقات مع الدول الإسلامية الحليفة معه.

ولقد ذهبت بنفسي إلى مانوس العام الماضي، مع المصور الصحافي اشلي جلبرتسون، للوقوف على معاناة اللاجئين في الجزيرة. وبالطبع ليس من السهل الوصول إلى هنالك، إذ إن أستراليا تريد إبقاء هذا الوضع المحرج طي الكتمان. والتقيت مع رجل إيراني يدعى بنعام ساتاه، الذي يحمل شهادة جامعية في اللغة الإنجليزية، وعاش معاناة قاسية هناك منذ 27 أغسطس 2013. وكان زميله الذي يعيش معه في الغرفة ذاتها رجلاً إيرانياً أيضاً، يدعى رضا باراتي، الذي قتل خلال مشاجرة محلية عام 2014. وقال لي ساتاه «أحياناً أحاول الانتحار عن طريق جرح نفسي، وعندما أستطيع رؤية دمي أتذكر أنني لاأزال حياً».

إنه لأمر بشع وعدواني أن يعمد ترامب إلى وصف هؤلاء البشر المعذبين، الذين تعرضوا لمعاملة سيئة، بأنهم «مفجرو بوسطن»، كما أن فكرة أن المسلم هو إرهابي حتماً، تلطخ أميركا برمتها.

وما يريده اللاجئون أمثال ساتاه والأغلبية الساحقة منهم ليس مزيداً من العنف، وإنما الكرامة التي تأتي مع الحصول على عمل، وسقف يؤويه، وتدريس لائق لأطفاله. ويستغرق التدقيق اللازم من أجل دخول الولايات المتحدة ما بين 18 و24 شهراً، وهو أحد الأسباب التي منعت وصول أي شخص من مانوس أو نورو إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن أستراليا تأمل أن يتم انتشالهم جميعاً بطائرة من طراز «سي 130».

وبالنسبة لأستراليا، فإن الإهانة التي وجهها إليها ترامب، تمثل حافزاً كي تتحرك في الاتجاه الصحيح. وتبدو صفقة اللاجئين الآن بلا فائدة، ولذلك عليكم أن توقفوا عمليات مانوس ونورو الحمقاء، وتأخذوا هؤلاء الأشخاص الذين لقوا ما يكفي من المعاناة في حياتهم، وتم ترحيلهم إلى ما يكفي من الأماكن في أستراليا. وأغلقوا هذا الفصل الذي يذكر بأحلك اللحظات في التاريخ الأسترالي، ولذلك عليكم أن تنسوا ترامب وتحامله، وتمنحوا تيليرسون الإلهام اللازم ليكون شجاعاً.

روجر كوهين كاتب زاوية رأي في «نيويورك تايمز»

تويتر