لا تتداخل أجندتاهما مثلما يتوقع بقية العالم

ترامب لن يتنازل لبوتين.. وروسيا لا تسعى للتحالف مع الصين

صورة

حتى قبل تنصيبه، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودوداً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولذلك من المرجح أن يقدم الأول شيئاً للكرملين، منذ أن أصبح رئيساً، ولكن قد لا يكون بالضرورة على استعداد لتقديم أي تنازلات.

2014

شهد احتجاجات عارمة في منطقة «الميدان» في كييف، لكن الحكومة همّشت المحتجين.

إنهاء العدوان

يتوقع محللون أن تنهي روسيا عدوانها في شرق أوكرانيا، ولا تحاول الاستحواذ على المزيد من الأراضي هناك، وسينتهي الضغط الروسي والتهديدات الضمنية لدول البلطيق؛ إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، كما ستخف التوترات العسكرية على خط الجبهة بين حلف شمال الأطلسي من جهة وروسيا من جهة أخرى. وبتراجع النزاع بينهما في شرق أوروبا، سيصبح الشرق الأوسط قضية مشتركة، بين واشنطن وموسكو، وستسقط أميركا التزامها بالإطاحة ببشار الأسد، وستنضم إلى الروس في هجوم على تنظيم «داعش». وتبدو المغريات في مثل هذه الصفقة واضحة بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة؛ فإذا نجحت فستنزع فتيل المواجهة التي تزداد خطورة بين القوتين الكبريين.

وتحاول الصين استثمار توجه ترامب لإلغاء اتفاقية التجارة مع الدول الآسيوية بالسعي إلى إنشاء تكتل اقتصادي للتجارة الحرة في آسيا. وكان مسؤولون أميركييون صرحوا بأن الولايات المتحدة ستدخل في حرب مع الصين خلال السنوات الـ10 المقبلة، إضافة إلى حرب كبرى في الشرق الأوسط.

لا تتداخل أجندتا ترامب وبوتين مع بعضها بعضاً مثلما يتوقع بقية العالم. يريد ترامب أن يجعل أميركا عظيمة، مرة أخرى، في حين أن بوتين يرغب في تأمين المصالح الإقليمية الروسية، وبالتالي فهي أقل طموحاً بكثير، في الواقع.

وبأخذ هذا في الاعتبار، فإن الرئيس الأميركي قد يتوصل مع نظيره الروسي إلى اتفاقات تبدو مغرية، لكنها سامة.

ماذا يريد بوتين بالضبط؟ يريد من حلف شمال الأطلسي أن يتوقف عند حدوده الحالية، وأن تظل أوكرانيا وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق في مجال نفوذ روسيا، وأن تُرفع العقوبات الغربية، ويتم الاعتراف بأن شبه جزيرة القرم أراضٍ روسية، وأخيراً يريد بوتين أن يبقى بشار الأسد على رأس السلطة في دمشق.

لا شيء من هذا يشكل مشكلة حقيقية للولايات المتحدة. حتى القضية الأوكرانية لا تلوح في الأفق بشكل كبير، حيث لا نية للدول الأوروبية دعوة كييف إلى الاتحاد الأوروبي، في حين ليس لدى حلف شمال الأطلسي أية خطط للتوسع. وعلاوة على ذلك، فعلت حكومة كييف ما هو ممكن لزيادة الخراب في اقتصاد البلاد، وتهميش أولئك الذين احتجوا في «الميدان» عام 2014، واستبعاد حلفائها المحتملين.

إذا كانت روسيا تريد حقاً أن تنجر إلى مشكلات في أوكرانيا، فلا توجد أسباب وجيهة للولايات المتحدة لمنع ذلك. إذا كانت أوكرانيا أكثر التزاماً بالإصلاحات والتغيير، وبينت أنها تمتلك اقتصاداً ينمو بسرعة، وأنها منارة ديمقراطية لجيرانها، فإنها قد تكون صفقة جيدة تستحق الدعم، ولكن لا يبدو أنها الاختيار المناسب في ظل الظروف الراهنة، لذلك، سوف لن يهدد ترامب أياً من المصالح الغربية، اذا ما قدم بعض التنازلات المهمة لبوتين.

المشكلة هي ماذا سيكون المقابل؟ يعتقد العديد من الخبراء أن الصفقة الرئيسة قد تتضمن التعاون بين أميركا وروسيا في حربها على «داعش» في سورية - وحتى بعض التبعية من جانب الروس للأميركيين - والذي سيكون ثمن حرية روسيا لتفعل في أوكرانيا ما تشاء.

ولكن واشنطن، ببساطة، لا تحتاج إلى أي تنسيق مع الروس في الشرق الأوسط: إذا كانوا يريدون الدفاع عن نظام الأسد من «داعش»، لماذا يجب على الغرب أن يكون ضدهم؟ أياً كان المنتصر هناك، فإن عدد اللاجئين في أوروبا وأماكن أخرى لن يتراجع.

من يستطيع أن يتخيل أن سورية قد تعود دولة موحدة تعمل؟ هل يريد الغرب أن يستثمر الكثير في هذه المغامرة اليائسة؟

إضافة إلى ذلك، ستكون هناك صفقة أخرى، والتي قد تتعلق بسياسة روسيا تجاه الصين. حاول بوتين، لسنوات، إقناع العالم كله أن روسيا تتحول إلى الشرق، وحتى التجارة الثنائية مع الصين انخفضت من 80 مليار دولار في 2013 إلى 58.7 مليار في 2016. ومنذ أن أصبحت الصين أكبر قلق للرئيس الأميركي الجديد، لماذا لا يقترح الأخير على بوتين الابتعاد عن بكين، مقابل إعادة الحوار مع الغرب، مع فسح المجال له في كل من أوكرانيا وسورية؟

بالنسبة للرئيس الروسي، فإنه سيكون من الصعب للغاية رفض مثل هذا الاقتراح. لا أحد في روسيا يهتم بالتحالف مع الصين، في حين أن كثيرين يخافون من مثل هذه التحالفات. ولكن من أجل حل قضية شبه جزيرة القرم، والضغط على أوكرانيا في انتظار رفع العقوبات، سيكون ذلك نجاحاً كبيراً بالنسبة له. إن سورية، أيضاً، ستكون انتصاراً مهماً لبوتين، بعد أن جاء إلى الكرملين كمحارب قوي للإرهاب، لذلك قد ينتهي الأمر بالرئيس الروسي، بالحصول على كل ما تمنى، واستعادة الاحترام الذي كان يتمتع به على مستوى في العالم.

روسيا متورّطة

القضية الحقيقية هي أن روسيا أصبحت متورطة أكثر فأكثر في حربين، لا يمكن تحقيق النصر فيهما. والصراع في أوكرانيا قد يشتد اذا انسحب الدعم الرمزي الذي يقدمه الغرب حالياً لكييف. ستحاول روسيا إسقاط الحكومة واستبدالها بأخرى موالية للكرملين، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الدعم للطاقة في أوكرانيا، وسيكلف ذلك عشرات المليارات من الدولارات، كل عام، للخزينة الروسية، وسيسبب ذلك اضطرابات مستمرة على الحدود الغربية.

وسورية أيضاً سوف تحتاج إلى الكثير من المال والوقت، والمزيد من المناورات بين تركيا وإيران والسعودية، مع عدم وجود نتيجة إيجابية في الأفق. وإذا أصبح الصدع بين الصين وروسيا واقعاً، لن يكون هناك بديل لموسكو سوى التبعية الاقتصادية للغرب.

سوف ينتج ذلك مزيداً من الضعف بالنسبة لروسيا والصين، الأمر الذي قد ترغب فيه الولايات المتحدة، مع بعض الفوضى في مناطق الصراع، والتي قد تكون مهملة إلى حد كبير دون عواقب مريرة.

بالطبع، قد ترفض روسيا هذا الاقتراح، ولكن في هذه الحالة، كما يقول المثل الروسي: «نتيجة سلبية هي نتيجة أيضاً»، والإدارة الأميركية الجديدة يمكنها المضي قدماً في أي اتجاه تريد، لأن كل ما يحدث لاحقاً لن يكون خطأها، ولكن خطأ الجانب الآخر.

فلاديسلاف إينوزمتسيف مدير مركز الأبحاث ما بعد العصر الصناعي وزميل كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكينز.

تويتر