لا توجد تعليمات رسمية واضحة حول كيفية تعامل الجنود معهم

المستوطنون يتمتعون بحصانـة كاملة.. والجيش الإسرائيلي في خدمتهم

جنود إسرائيليون يحاولون منع صدام متطرفين يهود مع فلسطينيين في الضفة الغربية. إي.بي.أيه

في مارس 2016، قام الجندي الإسرائيلي إيلور عزاري، الذي يحمل الجنسية الفرنسية أيضاً، بقتل شاب فلسطيني جريح، في الخليل، بواسطة رصاصة في الرأس. وبعد لحظات من الحادث خرج الجندي من الطوق الأمني وصافح باروخ مارزل، الذي يعتبر أحد أكثر المستوطنين تعصباً وعنصرية في المدينة. وأثناء التحقيق معه، قال عزاري إن مارزل «شخص جيد»، وإنه دائماً يدعوه لتناول وجبة الفطور مع الجنود الآخرين، أيام السبت.

تفريق بين المستوطنات

يفرق القانون الإسرائيلي بين المستوطنات التي يعتبرها قانونية، تلك التي تبنيها الحكومة الإسرائيلية، وبين ما يسمى «البؤر الاستيطانية»، التي تقام بشكل عشوائي. ومن المتوقع أن يضفي قانون الاستيطان الجديد الشرعية على نحو 55 بؤرة استيطانية تقع في الضفة الغربية، وتشمل مئات الوحدات السكنية التي بنيت على الأراضي الفلسطينية الخاصة، وسوف تصبح مستوطنات رسمية. وقالت مصادر قضائية إن مشروع القانون الجديد سيكون مخالفاً للدستور، وقد يعرض إسرائيل لملاحقات جنائية دولية، وأنه حتى لو صادق البرلمان على المشروع، فإن المحكمة العليا لها صلاحية إلغائه. وتعتبر منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية أن مشروع القانون يسمح للحكومة والأفراد بسرقة أراضي الفلسطينيين، دون التعرض لأي ملاحقات قانونية. ويسعى المشرعون إلى إرضاء لوبي المستوطنين قبل إجلاء وهدم بؤرة «عمونا» الاستيطانية العشوائية، شمال شرق رام الله. وتقول البيانات إن أكثر من 400 ألف يهودي يعيشون في المستوطنات بالضفة المحتلة، التي تضم أكثر من 2.6 مليون فلسطيني.

500

مستوطن متشدد يعيشون داخل حي مغلق بمدينة الخليل.

400

ألف يهودي يعيشون في المستوطنات بالضفة المحتلة.

كانت هذه المصافحة نقطة انطلاق بالنسبة لـ«كسر الصمت»، المنظمة غير الحكومية الرائدة في إسرائيل. إذ تقول المنظمة التي تضم قدامى الجنود في الجيش، إنها وثقت، منذ 2004، التجاوزات والجرائم التي ارتكبت في الضفة الغربية المحتلة، وخلال الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة. وفي أبريل من العام الماضي، طلبت المنظمة من رئيس الأركان، الجنرال غادي إيزنكوت، التحقيق في «طبيعة وتأثير» العلاقة الوثيقة، التي نشأت بين الجيش والمستوطنين.

لم يُقنع رد السلطات العسكرية أعضاء منظمة «كسر الصمت»، وقرروا جمع شهادات العشرات من العسكريين السابقين برتب مختلفة، خدموا في الضفة الغربية خلال الـ15 عاماً الماضية؛ انتهى بصياغة تقرير بعنوان «القيادة العليا»، نشر قبل أيام. وخلص التقرير إلى أن «هذا الوضع هو نتيجة آلية تحكم للجيش الإسرائيلي، تشكلت على مدى نصف قرن»، وقد التقت «لوموند» عدداً من الجنود السابقين، الذين أدلوا بشهاداتهم للمنظمة، وتحدثوا دون خوف من المتابعة.

حصانة كاملة

يتم تحويل المجندين في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى قوة أمنية لخدمة المستوطنين، الذين يستفيدون من حصانة كاملة، وإمكانية الوصول إلى معلومات عسكرية حساسة، ويحدث أحياناً أن يقوم هؤلاء بمنع الجنود من التحرك، ولا يسلم العسكريون أحياناً حتى من الهجمات.

ويمارس المستوطنون ضغوطاً مختلفة على المجندين، منها الأيديولوجية والجسدية، في وقت لا توجد فيه تعليمات واضحة من الضباط والقيادة العسكرية، تحدد طبيعة التدخل وكيفية التعامل مع تجاوزات المستوطنين، ويسهم هذا الغموض في توسيع المستوطنات، واستمرار الانتهاكات، ومصادرة أراضي الفلسطينيين.

وفي كل مستوطنة يهودية بالضفة الغربية يوجد منسق مدني مسؤول عن الأمن، وهو في اتصال دائم مع أقرب وحدة للجيش. ووفقاً لقيادة أركان الجيش الإسرائيلي، فإن هؤلاء المنسقين لا يشاركون في اتخاذ القرارات العسكرية بأي حال من الأحوال. لكن شهادات الجنود التي حصلت عليها المنظمة غير الحكومية، تؤكد أن الحقيقة غير ذلك، فالمجند دين إيسخاروف (25 عاماً)، والذي خدم في «لواء ناحال» منذ 2011 إلى 2015، أفاد في شهادته بأن لدى المستوطنين سطوة على عمل الجيش. وقد أمضى الجندي السابق فترة طويلة في مدينة الخليل، حيث يعيش نحو 500 مستوطن متشدد داخل حي مغلق، وقال «كانوا يوجدون في كل مكان داخل الثكنة العسكرية، ولطالما أحضروا لنا القهوة والكعك، وكانت الدعوات توجه لنا باستمرار لتناول الغداء»، مضيفاً: «كان (المتشدد) باروخ مارزيل يروي لنا كيف كان يستخدم سلاحه، خلال الانتفاضة الثانية».

وفي يناير 2014، أهدى مستوطنون من الخليل فأساً لجندي أصاب فلسطينياً في ساقه بعيار ناري، كان قد ألقى زجاجة حارقة على دورية عسكرية. أما إيسخاروف فقد اتهم بالنازية، لأنه طلب من رجاله حماية عائلة فلسطينية، كانت تمشي في شوارع البلدة القديمة، أمام مستوطنين غاضبين يحاولون مضايقتها. ولا يحق للجنود أن يصيبوا المستوطنين بأي أذى «لم أرَ أياً منهم يعتقل»، ويقول الجندي السابق: «في الضفة الغربية، يشكل هؤلاء أقلية في منطقة محرمة».

الإفلات من العقاب

إن الخوف من اشتباك مفتوح بين المستوطنين والجنود دفع السلطات الإسرائيلية، بدلاً من تطبيق القانون، إلى البحث لأسابيع عن مصير 40 عائلة فلسطينية، بالقرب من بؤرة استيطانية (عمونا) تم إخلاؤها أخيراً، كانت تواجه الطرد بموجب أمر قضائي من المحكمة العليا، في أواخر ديسمبر من العام الماضي. وفي نهاية المطاف، فإن التسوية التي تم التوصل إليها لم ترضِ جميع الأطراف بَعْدُ.

ويعتبر إفلات المستوطنين من العقاب إحدى المسائل الأكثر صدمة بالنسبة لبعض المجندين، المنحدرين من عائلات ذات مستوى تعليمي جيد. ومن هؤلاء فريما بوبي (22 عاماً)، التي نشأت في منزل يهودي أرثوذكسي؛ وقد خدمت في غرفة العمليات الإقليمية عند مدخل مدينة نابلس، بين عامي 2013 و2015. وتقول المجندة السابقة إن «المستوطنين لهم اليد العليا في المنطقة، وليست هناك أوامر وأنظمة واضحة حول كيفية التصرف معهم»، موضحة: «لا يعتبر رشقهم بالحجارة للجنود، أحياناً، أمراً مهماً بالنسبة للسلطات». ومن الأحداث التي لاتزال بوبي تتذكرها جيداً، اختطاف شاب فلسطيني عام 2014 من قبل مستوطنين من مستوطنة «جفعات رونين»، «تعرض الشاب للضرب لساعات عدة، لكنه تمكن من الفرار»، وتروي الجندية السابقة: «عرفنا بالخبر عندما كان في المستشفى، وعندما أبلغنا الضابط المسؤول كان الجواب: (نعم، لقد تم التأكد من الموضوع، والأمر قد انتهى)». وتؤكد بوبي أنه لا شيء حدث بعد ذلك ولم تتدخل الشرطة؛ «تخيل لو رشق أطفال فلسطينيون الجنود بالحجارة، كانوا سيعتقلون على الفور ويتم استجوابهم، مع بقائهم رهن التوقيف لساعات، كما يحدث في الأغلب».

أعمال شغب

ولم تتم ملاحقة المستوطنين الذين هاجموا الجنود، ولم توقع عليهم أي عقوبات، عدا عدد قليل من الاستثناءات. ففي يناير 2014، قامت مجموعة من الشباب المتعصبين بتخريب سيارة قائد الوحدة العسكرية، الذي جاء لمقابلة المستوطنين في «يتسهار». ورد الجيش بتدمير منازل عدة، تسببت في اندلاع أعمال شغب، ما أدى إلى إجراء استثنائي: تحويل مدرسة دينية، كان يرتادها شباب المتعصبين، إلى ثكنة عسكرية «هؤلاء المستوطنون يكرهوننا»، يتذكر النقيب الاحتياطي، أوري عيرز، الذي خدم في وحدة استطلاع قرب «يتسهار»، بين عامي 2006 و2011، «كانوا يتمتعون بالحصانة، وكنا لا نملك الحق في الاقتراب منهم». ويضيف الضابط السابق: «كانوا يرشقوننا بالحجارة، أو يضعون المسامير تحت عجلات سياراتنا». ويذكر عيرز أنه «ذات يوم جاء أربعة مستوطنين يرتدون أقنعة، وقام أحدهم بتعطيل السيارة العسكرية، ما أربك الجنود، واضطر الضابط لإطلاق أعيرة تحذيرية في السماء». وأحياناً يضطر الجنود للتواصل عن طريق الهاتف المحمول فقط لأسباب أمنية، لأن المستوطنين يخترقون التردد اللاسلكي الخاص بهم.

تويتر