خلاف حاد وتباين في مطالب قادة تل أبيب من الإدارة الأميركية الجديدة

عهد ترامب يصب في مصلحة الــمشروع الاستيطاني لإسرائيل

صورة

من المرجح أن تشكل ولاية الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، معضلة لقادة إسرائيل، إذ عليهم أن يقرروا ما يريدونه من أميركا، وفي ما يخص هذا السؤال، يبدو أن هناك خلافاً حاداً. وقد تحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لاغتنام هذه اللحظة، بالإعلان عن أن إسرائيل تخطط لبناء 2500 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية. وقبل يومين فقط، جرت ما وصفها الرئيس الجديد، بالمحادثة الهاتفية «اللطيفة جداً» بينه وبين نتنياهو، الذي لم يتردد في القول «نحن نبني، وسنواصل البناء».

59 %

من المواطنين اليهود في إسرائيل يؤيدون حل الدولتين.

60 %

أو أكثر من الإسرائيليين مع انسحاب إسرائيلي من بعض المستوطنات.


دفع للاستيطان

قدمت مجموعة ضغط إسرائيلية مشروع قانون يسمح بضم مستوطنة «معاليه أدوميم»، شرق القدس، وذلك بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مهام منصبه. وتنوي مجموعة «أرض إسرائيل»، طرح مشروع القانون على اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريع. وتضم المجموعة نواباً من حزبي الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، و«البيت اليهودي» اليميني، الذي يتزعمه وزير التعليم نفتالي بينيت. وتعتبر المستوطنة المذكورة من أكبر المستوطنات الإسرائيلية التي بنيت على أراضي الضفة الغربية. ويعتبر الفلسطينيون ضمها إلى إسرائيل، إنهاءً لحل الدولتين، القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وأقدمت «أرض إسرائيل» على هذه الخطوة بعد انتقال السلطة في الولايات المتحدة، الذي يشير، وفقاً لمسؤولين في المجموعة، إلى تغيير جوهري في تعامل واشنطن مع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. ويرى قادة المستوطنين والمؤيدون للاستيطان في تولي ترامب الحكم، أنه دفعٌ لمخططات الاستيطان، التي عارضتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

إعادة تشكيل السياسات

بدأت رئاسة دونالد ترامب، للولايات المتحدة، بالفعل، في إعادة تشكيل السياسات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حول قضايا عدة، بداية من موقع السفارة الأميركية، ومروراً بالضم المحتمل للمستوطنات الكبيرة، ونهاية بما إذا كان الفلسطينيون على حافة انتفاضة جديدة. وابتهج كثير من الإسرائيليين لانتهاء العلاقات المشحونة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وبالتساؤلات حول متى سينقل ترامب السفارة الأميركية إلى القدس، وهو مأزق طالما أربك الرؤساء الأميركيين. في المقابل، استعد القادة الفلسطينيون والعرب للتغييرات التي قد تجلبها الإدارة الجديدة، وكرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وملك الأردن عبدالله الثاني، خلال لقاء في عمان، أخيراً، معارضتهما الشديدة لنقل السفارة الأميركية.

لكن تحرك نتنياهو المتسرع أغضب مسؤولين في تل أبيب، قالوا إن بناء المزيد من المستوطنات سيدفع إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية، ما يعني نهاية حل الدولتين. ويقول زعيم أكبر كتلة برلمانية في المعارضة، إسحاق هرتسوغ، إن مناصريه سيتصدون لأجندة رئيس الوزراء الداعمة للاستيطان، والتي يرونها تهديداً لوضع إسرائيل كـ«دولة ديمقراطية».

قد يحصل العديد من الإسرائيليين على ما كانوا يحلمون به، بعد انتخاب ترامب، مثل تخفيف الضغوط على تل أبيب من أجل تقديم المزيد من التنازلات لمصلحة الفلسطينيين. ولكن، بالنسبة للبعض، فإن الأمر يتعلق بـ«ضرورة الانتباه لما تصبو إليه إسرائيل». قد تكون وجهات النظر حاسمة، حالياً، لكن يجب التذكير بأن الدولة العبرية تشهد صراعاً منذ 50 عاماً، بعد احتلال الضفة الغربية في حرب 1967.

وتم تسليط الضوء على الألغاز التي تواجه إسرائيل في عهد ترامب، الأسبوع الماضي، خلال مؤتمر نظمه معهد دراسات الأمن القومي، في تل أبيب. وقد حضر أغلب المسؤولين الإسرائيليين، ما عدا نتنياهو. والآراء كانت متباينة بشكل حاد. وقالت العضو في البرلمان، تسيبي ليفني، التي تعتبر من أهم دعاة السلام مع الفلسطينيين: «يجب على إسرائيل أن تختار بين الفصل أو الضم»، وأضافت: «مع إدارة أميركية جديدة، لن تكون هناك الضغوط نفسها من واشنطن، التي مورست على إسرائيل في الماضي، ونحن أمام فرصة الآن، بضرورة اتخاذ قرار في ما يخص أي مستقبل نريد لإسرائيل».

انتحار إسرائيل

اختلفت مقترحات ما ينبغي أن تطلب إسرائيل من ترامب، باختلاف ألوان الطيف السياسي في إسرائيل، فقد عرض زعيم حزب «البيت اليهودي» اليميني، نفتالي بينيت، خطة لإعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بشكل رسمي. وقال إنه سيستخدم عبارة «أنت مُقال» مع كل مسؤول إسرائيلي يدافع عن ما سمّاه عملية السلام الفاشلة.

وفي خلاف حاد، قال إسحاق هرتسوغ في المؤتمر، إن إسرائيل يجب أن تبدأ التحرك نحو إقامة دولة فلسطينية. وكان قد وضع خطة انتقالية مدتها 10 سنوات ستنتهي بحل قضايا «الوضع النهائي»، مثل القدس وحقوق اللاجئين. والبديل لعملية الانفصال هذه، وفقاً لهرتسوغ، هو «انتحار» إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

ورغم الانقسام الواضح ضمن الرأي العام الإسرائيلي، فقد أظهر استطلاع كشفت نتائجه في المؤتمر، أن 59% من المواطنين اليهود يؤيدون حل الدولتين، وأن أكثر من 60% مع انسحاب إسرائيلي من بعض المستوطنات على الأقل. لكن معظم الإسرائيليين، بما في ذلك دعاة السلام، لمصلحة الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبرى حول القدس في أي اتفاق نهائي.

وحثّ الأميركيون الذين حضروا المؤتمر، إسرائيل على توخي الحذر في طلباتها من ترامب. وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، مارتن إنديك، الذي كان مبعوث إدارة أوباما الخاص خلال سعيها للتوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين: «من الصعب الجزم بما ينوي ترامب القيام به، لأنني لست متأكداً إن كان هو نفسه يعرف». وكدليل على عدم اليقين في بداية الرئيس المنتخب، أشار إنديك إلى أنه في الأسبوع الماضي، بدت الإدارة الجديدة كأنها قد انتقلت من الدعوة إلى نقل سريع للسفارة الأميركية إلى القدس، التي يمكن أن تؤدي إلى رد فعل حارق في العالم الإسلامي، إلى القول هذه القضية في «المراحل المبكرة جداً» من اتخاذ القرار.

رجل إسرائيل

وحذر الباحث البارز في السياسة الخارجية، الذي يدرس في «كلية بارد»، والتر راسيل ميد، من أن ترامب تولى منصبه بدعم شعبي منخفض والقليل من الأصوات. ونصح الباحث الإسرائيليين بألا يتم ربطهم بترامب في المزاج الشعبي في الولايات المتحدة، كما لا ينبغي اعتباره «رجل إسرائيل».

وقد أعلن الرئيس الجديد رغبته في التفاوض على اتفاق إسرائيلي ــ فلسطيني، إذا نجح، فسيثبت حقاً «فن عقد الصفقات»، لكن السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، إيتامار رابينوفيتش، الدبلوماسي المخضرم في مفاوضات السلام، حذر الحاضرين في المؤتمر، من أنه «لا يمكن أن تكون وسيطاً عبر إبرام اتفاق يكون لمصلحة إسرائيل بنسبة 90%؛ هذا لن يعمل». أما الأكاديمي الإسرائيلي البارز، شلومو أفنيري، فقد قدم ملخصاً صارخاً عن معضلة بلاده: إسرائيل بعد عام 1967 لم تحسم أمرها.. أي نوع من البلدان تريد أن تكون، جغرافياً أو ديموغرافياً، مضيفاً: «يجب أن نقول هذا العام أي نوع نريد». هذا هو اللغز الذي يمثله ترامب: ماذا ينبغي للإسرائيليين أن يطلبوا؟

ديفيد إغنايتوس صحافي ومحلل أميركي بارز يعمل في جريدة «واشنطن بوست»

تويتر