تحالف موسكو مع طهران مبني على كراهية متبادلة تجاه نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

العلاقات الروسية الإيرانية تمر بـأوقات صعبة مع تولّي ترامب السلطة

صورة

أقامت روسيا وإيران تحالفاً لم يسبق له مثيل، في الشرق الأوسط، لكنه هش إلى حد كبير. كان التعاون الروسي ــ الإيراني محورياً لضمان بقاء نظام الرئيس بشار الأسد في سورية، وإعادة السيطرة على القسم الشرقي من حلب التي كانت في قبضة المعارضة. وقد استخدمت القاذفات الروسية القواعد الجوية الإيرانية في قصف أهداف للمعارضين في سورية، وبات من المرجح بشكل متزايد أن تبرم موسكو وطهران صفقة أسلحة كبرى لتزويد الجيش الإيراني التقليدي، الذي يعاني الشيخوخة، بالأسلحة المتطورة. ولكن السؤال الأساسي يبقى: هل الشراكة بين موسكو وطهران «زواج مصلحة» على أساس مصالح متقاربة بشكل مؤقت، أو أنها تشير إلى تطور جديد ربما يكون له تأثير عميق على المصالح الأميركية في المنطقة؟ لا توجد إجابة واضحة، حالياً، حول ما إن كان هذا التعاون سيدوم، فهذا التحالف الروسي مع إيران مبني على كراهية متبادلة تجاه نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن رئيس الولايات المتحدة الجديد، دونالد ترامب، قد أشار إلى رغبته في تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو. قد ترى إيران، الأضعف بكثير من روسيا، شراكتها مع موسكو تضعف أو تنهار لو تقاربت الولايات المتحدة وروسيا بوجود ترامب رئيساً للبلاد.

10

مليارات دولار هي قيمة صفقة الأسلحة التي تتفاوض بشأنها موسكو مع طهران.

«الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يشكل عقبة أمام تجديد الضغوط الأميركية على إيران».


دعاية مغرضة

انتقد مسؤولون وشخصيات بارزة في طهران التعاون بين روسيا وتركيا، واعتبروه تهميشاً للدور الإيراني الرئيس في سورية، على الرغم من وجود تنسيق بين روسيا وتركيا وإيران، كان آخره الاجتماع الثلاثي بينها في موسكو. ولاسترجاع دورها على الساحة السورية، وصل وفد برلماني إيراني برئاسة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، علاء الدين برغودي، إلى دمشق، لمقابلة الأسد. وأكد المسؤول الإيراني معارضة بلاده لعدد من نقاط الاتفاق الروسي ــ التركي، معتبراً بعض بنوده «دعاية» مغرضة، فضلاً عن دعوته كل من دخل سورية بلا إذنها إلى الخروج منها، في إشارة إلى عملية «درع الفرات» شمال سورية، وذلك بعد اتهام تركيا لإيران بخرق وقف إطلاق النار، وتحذيرها من أن هذه الخروقات يمكن أن تعرقل مفاوضات أستانا.

تذكير روسي لدمشق

قبل أسابيع قليلة من استعادة حلب، اختار الكرملين أن يذكر نظام الأسد بأن هذا الانتصار يعود للدعم الروسي في الدرجة الأولى. وفي ذلك، قال نائب وزير الخارجية الروسي السابق، أندريه فيودوروف، إن النظام السوري «لم يكن لديه، قبل التدخل الروسي، ما يكفي من القوة لمواجهة المعارضة المسلحة»، مضيفاً «وعلى المستوى السياسي فإن النظام السوري ممثلاً في بشار الأسد كان في عزلة دولية كبيرة، وروسيا بمساعدة إيران هي التي ساعدته على الخروج من هذه العزلة».

لم تدّخر إيران جهداً لمساعدة ودعم نظام الأسد في حربه ضد المعارضين المدعومين من قبل خصوم إيران الأساسيين في المنطقة، ومن ضمنهم تركيا. وقد قدمت طهران مليارات الدولارات للأسد، وأرسلت الآلاف من القوات الإيرانية للقتال نيابة عنه، ودربت آلافاً آخرين من مختلف البلدان على الموت بولاءات طائفية. وبالرغم من كل ذلك، لم تؤتِ استراتيجية إيران ثمارها دون التدخل العسكري الروسي في الصراع، حيث كانت القوة الجوية الروسية الفيصل في تمكين القوات السورية والقوات المدعومة من إيران من استعادة القسم الشرقي من حلب.

في المقابل، من المحتمل أن تثبت الدبلوماسية الروسية فعاليتها في التوصل إلى حل سياسي للصراع لصالح النظام السوري، في حين لعبت إيران دوراً عسكرياً مهماً في سورية، فقد كانت شريكاً في الحرب لموسكو، لكن حجمها يبقى صغيراً.

معارضة شعبية

أثار استخدام روسيا لقاعدة «همدان» الجوية في إيران جدلاً في الأوساط السياسية داخل النظام الإيراني. ويذكر أن الدستور الإيراني يمنع استخدام الأراضي الإيرانية من قبل قوى أجنبية، في أي حال من الأحوال، لذلك توجب على الحكومة الإيرانية التراجع وطلب الإذن لاستخدام روسيا القواعد الإيرانية، وذلك بعد المعارضة الشعبية والبرلمانية. لكن قد تعود الطائرات الحربية الروسية إلى إيران، بعد فترة، لأن إيران تفتقر إلى قدرات القوة الجوية خارج حدودها، وتعتمد على قوة عسكرية أكبر مثل روسيا لتحقيق أهدافها في سورية.

فضلاً عن ذلك، تعد روسيا الجهة الوحيدة المستعدة لبيع معدات عسكرية متطورة لإيران. وقد أثرت سنوات العقوبات الناجمة عن سعي إيران لامتلاك قدرات نووية سلباً في جهود التحديث العسكري. والطائرات المقاتلة الإيرانية قديمة، وكذلك معظم دباباتها وسلاح المدفعية. وتتفاوض موسكو مع طهران بخصوص صفقة أسلحة قيمتها تصل إلى 10 مليارات دولار، ولكن الاتفاقية النووية لـ«خطة العمل المشتركة» تحظر بيع أسلحة متطورة أو مهمة لطهران حتى 2020 من دون الحصول على موافقة من مجلس الأمن الدولي. وبالتالي، ربما يتوجب على إيران الانتظار لسنوات للحصول على الأسلحة الروسية، ما يجعلها أكثر اعتماداً على الجيش الروسي في المنطقة. لكن التهديد الأكبر للنفوذ الإيراني في المنطقة، قد يظهر في حال تحسنت العلاقات بين واشنطن وموسكو. يذكر أن ترامب كان قد انتقد الاتفاقية النووية الإيرانية، بشدة، وهدد بتمزيقها.

ولكن يبدو الإبطال الأميركي للاتفاقية النووية الإيرانية غير محتمل، حيث دعم المجتمع الدولي، خصوصاً روسيا تلك الاتفاقية. ومع ذلك، فقد أعربت إدارة الرئيس الأميركي الجديد عن نيتها تمرير عقوبات جديدة أكثر صرامةً ضد إيران لأنشطتها الإقليمية المثيرة للجدل، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في الداخل.

ضغوط أميركية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يشكل عقبة أمام تجديد الضغوط الأميركية على إيران؛ ومهما يكن فقد أثبتت الشراكة بين طهران وموسكو أنها ناجحة في سورية، ويمكن أن تثبت ذلك، أيضاً، في نقاط ساخنة إقليمية أخرى. وعلى الرغم من التعاون الحالي، لا يوجد «حب مفقود» بين روسيا وإيران. حيث تعتبر القوتان في حالة تنافس، عبر التاريخ، حيث لا تفضل روسيا رؤية قوة إسلامية رئيسة على حدودها الجنوبية، في حين لاتزال الشكوك تراود إيران حيال نوايا روسيا، ولعل طهران اضطرت للتحالف مع موسكو نتيجة عزلتها الدبلوماسية، وضعفها الاقتصادي، وعدم الكفاءة العسكرية.

ليس هناك ما يضمن أن موسكو لن تبيع إيران إذا تمكّن بوتين من إقامة علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، الذي أعرب عن تردده في تسليح المعارضين السوريين المعتدلين، بل ربما سيتعاون مع روسيا في مجال محاربة تنظيم «داعش».

لماذا يحتاج بوتين إيران عندما تكون العلاقات مع أميركا على ما يرام؟ ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتخلى روسيا عن إيران، اليوم، إذا حصلت على عرض أفضل. ومن المرجح أن تستمر المنافسة الروسية - الأميركية، حتى لو تحسنت العلاقات بين البلدين، وأن تبقي شراكتها مع إيران كوسيلة لأخذ الحيطة ضد التوترات مع الولايات المتحدة. ولكن هناك شيء واضح: بينما يبدو أن لإيران اليد العليا في سورية، وربما في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، يبدو أن روسيا هي التي تمسك بخيط اللعبة الحقيقية.

علي رضا نادر كبير المحللين في العلاقات الدولية بمؤسسة «رند»

تويتر