تحركات سياسية وشعبية لرفض الرئيس الجديد

مساعي العزل تلاحــــــق ترامب قبــل التنصيب

مع انتخابه وقبيل تنصيبه، بدأت دعوات ومساعٍ أميركية لعزل الرئيس دونالد ترامب، باعتباره يشكل خطراً على البلاد، ويهدّد أمنها القومي، بالإضافة إلى ما نشره الإعلام، أخيراً، عن الدور الروسي في العبث بنتائج الانتخابات، ومزاعم الفضائح الجنسية للرئيس الجديد، واتهامه بالنصب والاحتيال.

فمنذ بدء ترشيحه ممثلاً للحزب الجمهوري وحتى بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، بدأ ترامب إطلاق تصريحاته العدائية في جميع الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بشكل طال مكونات المجتمع الأميركي والأقليات، بالإضافة إلى معاداته لأجهزة الاستخبارات وإعرابه عن عدم الثقة بها، واحتقاره الصحافة، ودخل في تلاسن مع ساسة وأعضاء كونغرس اعتبروا فوزه غير شرعي. في المقابل، كسر قاعدة العداء الأميركي الراسخة ضد روسيا، مكيلاً عبارات الثناء على رئيسها، فلاديمير بوتين، بشكل عزز الشكوك حيال مزاعم التورط الروسي في العبث بسير الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ففور إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، تقدم عشرات الآلاف من الأميركيين بعرائض إلكترونية للكونغرس تحت عنوان «اعزلوا دونالد ترامب»، وذكروا أنهم يرون فيه شخصاً محتالاً وعنصرياً وكارهاً للمهاجرين، ويميّز بين الجنسين.

• عملية عزل الرئيس طويلة ومعقدة، في وقت لا يرغب فيه الحزب الجمهوري الحاكم في إحداث فوضى دستورية.


اتهامات الاحتيال والتلاعب بنتائج الانتخابات تلاحق الرئيس الجديد

هناك مؤشرات تؤكد أن هناك تلاعباً جرى بنتائج الانتخابات الرئاسية، حيث استنتجت أجهزة الاستخبارات الأميركية في تقرير رُفعت عنه السرية صدر في 6 يناير الجاري، أن الرئيس بوتين، أمر بإجراء «حملة نفوذ» تهدف إلى الإساءة للمرشحة الرئاسية السابقة، هيلاري كلينتون، فيما أجمع، في ديسمبر الماضي، 17 جهازاً أمنياً واستخباراتياً، على رأسها الاستخبارات القومية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، ووكالة الاستخبارات الأميركية، على ضلوع روسيا في القرصنة على الانتخابات الأميركية، وتأثير موسكو في هذه الانتخابات لصالح فوز ترامب.

وتم توجيه اتهامات لترامب بالاحتيال على نحو 5000 شخص من خلال الجامعة التي أسّسها في أكتوبر 2004، وأوقفت أنشطتها كافة في أغسطس 2010. وبينما وصلت مصروفات الجامعة إلى 35 ألف دولار للدارس، فإن المؤسسة لم توفر أي شهادات، ويؤكد المتضررون أن الجامعة كذبت بشأن المدربين الذين كان من المفترض أنهم على دراية جيدة وخبرة في العقارات، مؤكدين أن المحاضرات كانت فارغة المضمون.

وبرزت قضية «جامعة ترامب» عام 2010 عندما تم رفع دعوى جماعية فى سان دييغو بكاليفورنيا، تلتها دعوى أخرى في 2013، بعد الإعلان عن بدء وزير العدل في ولاية نيويورك، إريك شنايدرمان، ملاحقات بحق ترامب.

وفي النهاية، اضطر ترامب إلى دفع 25 مليون دولار في نوفمبر الماضي لتسوية هذه القضية، لتجنب الملاحقة، وخوفاً من أن يؤثر ذلك في مراسم تنصيبه، حيث اعتبر هذه التسوية «أمراً سيئاً يتعلق بالرئاسة».

كما أن ترامب أدار منظمة خيرية غير قانونية في ولاية نيويورك، وجمع تبرعات لحملته الرئاسية بشكل غير قانوني عبر التبرعات الخيرية، وهو يواجه دعاوى قضائية بسبب ذلك.

وإلى جانب الفضائح السابقة، برزت أخيراً تسريبات عن فضائح ترامب الجنسية، ووثائق تشير إلى مخالفات مالية كانت المخابرات الروسية تنوي استخدامها لتهديد ترامب للخضوع لبوتين.

وربما يبني البعض على كل ما سبق، أو أي منه، مطالبات مستقبلية لعزل ترامب، أو على الأقل إزعاجه وابتزازه بها.

هيلاري كلينتون. أرشيفية

كما أشارت وسائل إعلام أميركية إلى أن محرك البحث «غوغل» سجل ارتفاعاً في البحث عن طرق وإجراءات عزل ترامب في الكونغرس بنسبة قاربت 5000%، فيما راهن مراقبون ومحللون على احتمالية عزله بدرجة كبيرة، بالإضافة إلى مقياس شركة «لادبروك» البريطانية للمراهنات، الذي أظهر أن نسبة مغادرة ترامب للمكتب البيضاوي، سواء بالعزل أو الاستقالة، تصل إلى 50%.

وفي هذا السياق، قال أستاذ التاريخ السياسي في جامعة واشنطن، آلان ليتشمن، والمعروف بلقب «بروفيسور التنبؤات» لتمكّنه من التنبؤ بدقة بهوية المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية منذ عام 1984، وصولاً إلى انتخاب ترامب، إن الأخير لن يتمكن من إكمال ولايته، وسيخرج من السلطة بعملية سحب ثقة منه.

وأضاف ليتشمن، في حوار مع قناة «سي إن إن» أن «هناك فرصة كبيرة لعزل ترامب من السلطة بعد تسلّمه لها»، مؤكداً أن توقعاته الجريئة حول عزل ترامب مبنية على حدسه السياسي الخاص. وتوقع ليتشمن عزل ترامب من منصبه من الكونغرس الذي تسيطر عليه أغلبية جمهورية، ليحل محله نائب الرئيس مايك بنس. وأوضح ليتشمن وجهة نظره بالقول إن ترامب كان طوال حياته «يلعب لعبة شد الحبل مع القوانين»، مضيفاً «لقد أدار ترامب منظمة خيرية غير قانونية في ولاية نيويورك، كما جمع تبرعات لحملته الرئاسية بشكل غير قانوني عبر تلك التبرعات الخيرية التي استعملها أيضاً من أجل معالجة بعض ديونه الشخصية، وهو يواجه دعاوى قضائية» بسبب ذلك.

سياسياً، أكد تسعة أعضاء في الكونغرس من الحزب الديمقراطي عدم حضورهم حفل تنصيب ترامب، اليوم، تعبيراً عن الاحتجاج السياسي لانتخابه، حيث يرون انتخابه جاء بشكل غير شرعي. ويأتي على رأس هؤلاء البرلمانيين جون لويس الشخصية البارزة في الحقوق المدنية، الذي أعلن أنه لن يحضر حفل تنصيب ترامب، وبرّر ذلك بقوله: «لا أعتبر هذا الرئيس المنتخب رئيساً شرعياً». وأضاف «أعتقد أن الروس شاركوا في المساعدة على انتخاب هذا الرجل، وساعدوا في نسف ترشيح هيلاري كلينتون»، مضيفاً أنه سيتغيب عن حفل تنصيب الرئيس للمرة الأولى منذ أن أصبح عضواً في الكونغرس في عام 1987. وفي الحزب الجمهوري هناك ساسة ضد ترامب، بالإضافة إلى أن الحزب متوتر بسببه، نتيجة تصريحاته العدائية من ناحية، والإيجابية تجاه روسيا من ناحية أخرى، بشكل يتعارض مع سياسة الحزب، إلا أن الحزب يعوّل على نائب الرئيس، مايك بينس، وهو من الخط السياسي الرئيس للتيار الجمهوري المتشدد، كما أنه شخصية يمكن التنبؤ بها وأكثر حكمة من ترامب.

ووصلت معارضة ترامب بين الجمهوريين إلى حد السعي لعزله أيضاً، فقد قالت جان-البير هايز، النائب السابق لرئيس الجمهوريين خارج الولايات المتحدة، إن هناك جهوداً حثيثة تُبذل في سبيل نزع الشرعية عن ترامب.

وأضافت هايز في حوار مع «سي إن إن»: «لن أغيّر رأيي أبداً في ما يتعلق بدعمه (ترامب). البعض يتهمه بأنه عدواني، ولكني أرى جهوداً حثيثة لنزع الشرعية عنه بصورة شخصية، بالإضافة إلى نزع الشرعية عن حقيقة أنه فاز في هذه الانتخابات، وهذه الجهود لا تتوقف».


الدستور الأميركي يسمح بالعزل ويضع الرئيس في يد «النواب» و«الشيوخ»

مايك بينس. أرشيفية

يسمح الدستور في الولايات المتحدة بعزل الرئيس أو نائبه أو أي مسؤول على المستوى الفيدرالي لأسباب عدة، منها الخيانة أو الرشوة أو ارتكاب جرائم، وذلك مع وجود أدلة وافرة على ذلك. ويتطلب سحب الثقة من الرئيس موافقة مجلسَي النواب والشيوخ.

وتنص الفقرة الرابعة من المادة الثانية من الدستور على التالي: «يُعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع موظفي الولايات المتحدة الرسميين المدنيين من مناصبهم إذا وُجّه لهم اتهام نيابي بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم أو جنح خطيرة أخرى، وأدينوا بمثل هذه التهم».

فيما يقول البند السادس من الفقرة الأولى للمادة الثانية من الدستور، إنه «في حال عزل الرئيس من منصبه، أو وفاته، أو استقالته، أو عجزه عن القيام بسلطات ومهام المنصب المذكور، يؤول المنصب إلى نائب الرئيس، ويمكن للكونغرس أن يحدد بقانون أحكام حالات عزل أو وفاة أو استقالة أو عجز الرئيس ونائب الرئيس كليهما، معلناً من هو المسؤول الذي يتولى عند ذلك مهام الرئاسة، ويبقى مثل ذلك المسؤول إلى أن تزول حالة العجز أو يتم انتخاب رئيس».

ورغم أن الرؤساء يتمتعون بحصانة من أي دعاوى قانونية تنشأ نتيجة مهامهم الرسمية، فقد قضت المحكمة الأميركية العليا بأن هذا لا ينطبق على أفعال يزعم أنها ارتكبت قبل تولّيهم الرئاسة. وصدر هذا الحكم عام 1997 أثناء دعوى تحرّش جنسي ضد بيل كلينتون رفعتها بولا جونز، وتمت تسوية الدعوى قبل أن تذهب إلى ساحات المحاكم.

وقد تعرّض ثلاثة رؤساء أميركيين للمتابعة القضائية، وهم أندرو جونسون، وريتشارد نيكسون، وبيل كلينتون، إلا أن مجلس الشيوخ برّأ كلينتون وأندرو، بينما استقال نيكسون قبيل إدانته في فضيحة «ووتر غيت» الشهيرة، وبالتالي لم تنجح أي محاولة لعزل أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

وبرغم كل ما سبق أيضاً تظل عملية عزل الرئيس طويلة ومعقدة، في وقت لا يرغب فيه الحزب الجمهوري الحاكم في إحداث فوضى دستورية، في الوقت الذي يمتلك فيه زمام الأمور بالكامل من رئاسة وأغلبية في الكونغرس، إلا أنه قد يضطر أمام ضغوط شعبية وقضائية مستقبلية تنال من مؤسسة الرئاسة والحزب إلى عزل ترامب وتعيين نائبه، مايك بينس، بدلاً منه، أو التوصل لتسويات سياسية وقضائية بهذا الشأن.

 

 

 

تويتر