Emarat Alyoum

روسيا تسعى إلى إيجاد مَخرج من الصراع السوري

التاريخ:: 11 يناير 2017
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن «سترادفورد»
روسيا تسعى إلى إيجاد مَخرج من الصراع السوري

بعد استيلاء نظام بشار الأسد على مدينة حلب الاستراتيجية، يكون الجيش السوري وحلفاؤه قد حققوا أهم انتصار لهم منذ ست سنوات. ومن الواضح الآن أن الأسد قد تفادى تهديداً خطيراً أمام بسط سلطته على أجزاء رئيسة من البلاد.

حسابات روسية

يقول مراقبون إن إعلان موسكو بدء انسحاب القوات الروسية من سورية، يمهد للحل السياسي وتسوية الصراع الذي دام نحو ست سنوات، فالبعض يرى أن روسيا نجحت في تحقيق الكثير، لتعلن نفسها لاعباً قوياً جداً في ساحة الصراع السوري. ويرجع محللون الانسحاب إلى أسباب عدة، منها أن موسكو أدركت أن الاستمرار قد يؤدي إلى مواجهة مسلحة مع تركيا، وهو أمر لا يدخل في حسابات روسيا.

في المقابل، يفسر مراقبون أن قرار روسيا بمثابة اعتراف على أرض الواقع بالهزيمة، التي لم تتمكن من قلب الأمور لمصلحتها بالعملية الجوية فقط، وبات الأمر يتطلب تنفيذ عملية برية، وهو أمر غير وارد في الحسابات الروسية أيضاً.

معدلات الفقر والفقر المدقع تجاوزت الخطوط المعقولة، لتصل إلى أكثر من 65%، فيما بلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدى عائلات القطاع.

580

دولاراً هو راتب الجندي في «الفيلق الخامس» الذي ستموله بالأساس روسيا.

وقد لعب الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي من إيران وروسيا، دوراً رئيساً في انتصار القوات الموالية للنظام السوري، لكن على الرغم من قضيتهما المشتركة في سورية، المتمثلة في دعم الأسد، والموارد الكبيرة التي استثمرتها الحكومتان في الحرب، إلا أن موسكو وطهران لا تتفقان في قضايا عدة تتعلق بالنزاع.

ويختلف البلدان بالأساس حول أهداف دعمهما للنظام السوري؛ مع أن روسيا أظهرت تعهدها بدعم القوات الموالية للنظام هناك، إلا أن التزام موسكو في النزاع ببساطة لا يرقى إلى مستوى الالتزام والدعم، الذي تقدمه طهران.

ومن خلال تدخلها في سورية، فإن روسيا تسعى لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، وإظهار مكانتها العالمية، والحد من خطر التطرف وتحقيق النفوذ في المفاوضات مع الغرب. أما إيران، من الناحية الأخرى، فترى الحرب الأهلية السورية مواجهة حاسمة في معركة وجودية تتصل مباشرة بالأمن الجيوسياسي.

مقارنة مع إيران، التي التزمت بتحقيق انتصار عسكري كامل، بغض النظر عن الكلفة، تبدو روسيا أقل رغبة في الاستمرار بالمشاركة في صراع مفتوح في سورية، وعوضاً عن ذلك ستنسحب في وقت وصلت حملتها إلى نقطة حاسمة. لم تنتهِ الحرب في سورية بعد. وحتى عندما كانت القوات الموالية للنظام على وشك تحقيق النصر في معركة حلب في ديسمبر، خسر الأسد مدينة تدمر مرة أخرى، واستولى عليها متشددو تنظيم «داعش»، وتلك هزيمة كبيرة. وفي وقت يشتد القتال اليوم، يدرك المخططون في وزارة الدفاع الروسية أن الحل العسكري سيتطلب سنوات من التدخل الإضافي. لكن من شأن سنوات من التدخل الإضافي في هذا البلد أن تؤدي إلى تراجع التصور الحالي للفعالية العسكرية الروسية، ويمكن أن يورط موسكو في مستنقع الشرق الأوسط، كما كان الوضع بالنسبة للولايات المتحدة في العراق، فروسيا تبحث اليوم عن مَخرج.

حل وسط

بالنسبة لروسيا، فإن تخليص نفسها بنجاح من سورية يتطلب حلاً سياسياً تفاوضياً للصراع. وهذه العملية تتطلب مشاركة قوات المتمردين ومؤيديهم الأجانب، لاسيما تركيا. ولتحقيق هذا الهدف عززت موسكو حوارها مع أنقرة حول سورية، حتى قبل دفع الأخيرة إلى التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار. وقد كشفت معركة حلب الجهود الروسية والتركية المكثفة للتوصل إلى «حل وسط» انتهى في آخر المطاف باتفاق قضى بخروج قوات المعارضة من المدينة في مقابل ممر آمن من جانب الموالين للنظام.

ومع ذلك لم يأتِ الاتفاق بين الروس والأتراك بسهولة، وذلك بسبب معارضة إيران للخطة منذ البداية. ففي حلب، احتشدت الميليشيات التي تقودها إيران بسرعة لمنع خروج قوات المعارضة، وقبلت طهران بخروج المقاتلين المحاصرين شريطة أن تضاف بنود جديدة للاتفاق؛ أهمها إدراج قريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين ضمن الخطة.

علاوة على ذلك، انتقدت طهران علناً، في 20 ديسمبر، قرار مجلس الأمن الدولي الذي دعمته موسكو. وأظهرت تعقيدات إخلاء حلب بجهود وقف إطلاق النار السوري الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا، في سبتمبر الماضي؛ فقد انهارت تلك الهدنة بشكل كبير بسبب رفض المتمردين، وأيضاً القوات الموالية للنظام - بعضها تحت القيادة المباشرة للحرس الثوري الإيراني - رفضوا الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية. كما أعرب الحرس الثوري أيضاً معارضته لمشاركة المملكة العربية السعودية وقطر في الجولة التالية من محادثات السلام على الرغم من جهود روسيا لإدراجهما.

اتجاه معين

على الرغم من نفوذها الكبير وتأثيرها في دمشق، أصيبت موسكو بالإحباط في محاولاتها فرض اتجاه معين في الصراع السوري؛ وذلك يدل على حقيقة كثيراً ما تغفل عنها، وهي أن نفوذها في البلاد يعتبر ثانوياً مقارنة بنفوذ طهران. وهذا أمر لا يستدعي الاستغراب بالنظر إلى أن إيران تسهم أكثر بكثير من المجهود الحربي مما تفعل روسيا. يأتي الدعم الروسي في المقام الأول في عالم الدبلوماسية والقوة الجوية. وعلى النقيض من ذلك، أسهمت طهران بالكثير لدعم القوات الموالية. لقد عززت إيران القوات الموالية بعشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات، بما في ذلك وحدات النخبة من مقاتلي «حزب الله» المدعوم من إيران. وعلاوة على ذلك، قدمت دعماً مالياً وفيراً للمساعدة في الحفاظ على بقاء الاقتصاد السوري.

تدرك روسيا جيداً هذه القضايا وتتحرك بالفعل لتصحيحها. فقد أعلنت قوات النظام السوري إنشاء تشكيل عسكري جديد «الفيلق الخامس»، في نوفمبر الماضي، وسيتشكل بمساعدة من حلفاء سورية، الذين سيدفعون رواتب شهرية للمقاتلين تصل إلى 580 دولاراً للجندي. وتشير المؤشرات الأولية إلى أن موسكو ستقدم دعماً كبيراً للقوة الجديدة، بما في ذلك الأسلحة والتدريب. ويقدم وجود قوات برية تدعمها روسيا إلى جانب النظام، توازناً مهماً لموسكو ضد الميليشيات المدعومة من إيران التي أكسبت طهران نفوذاً أكبر في دمشق.

ومع كل هذه المنافسة القاسية بين روسيا وإيران في سورية، فمن المهم ألا نبالغ في ذلك. الصراع فوضوي بطبيعته، وطهران وموسكو، على حد سواء، لاتزالان ملتزمتين بقضية مشتركة، هي تدعيم القوات الموالية ضد المعارضة المسلحة ومن يدعمها. وتجنباً للمواجهة التي قد تقوض المهمة المشتركة بينهما، تعمل روسيا وإيران على ضمان قدر أكبر من التنسيق على أرض المعركة. وفي هذا السياق، أعلن البلدان عن إنشاء مقر مشترك في سورية، نهاية ديسمبر، لتنسيق دعمهما للقوات الموالية لحكومة دمشق.

تبقى خلافات الجهات الموالية عاملاً مهماً في الصراع السوري. ومهما تكن الاختلافات فإنها لا ترقى إلى مستوى الاقتتال الداخلي الذي شهدناه، مراراً، في معسكر المعارضة. لكن هذه الخلافات لاتزال تؤثر في الداعمين للأسد.

وبينما تسعى موسكو على نحو متزايد إلى استراتيجية للخروج من الحرب الأهلية السورية، فإن التباين في التزامات روسيا وإيران سيكون الأكثر وضوحاً.