نتنياهو اعتبره بمثابة خيانة

دعم الإدارة الأميركية قرار الأمـم المتـــحدة بشأن المستوطنات في مصلحة إسرائيل

صورة

سياسة الاستيطان، التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية، تضعها على الجانب الخطأ من التاريخ والعدالة والديموغرافيا والقانون ومصالحها الخاصة، وبالتالي مصالح أصدقائها وحلفائها، ولكل هذه الأسباب يجب ألا تفاجأ إسرائيل أو تغضب من قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر أخيرا، الذي دان استمرارها في بناء المستوطنات، كما لا ينبغي أن تحتج من سياسة الحكومة الأميركية في ما يتعلق بهذا التصويت، وهي السياسة التي عبر عنها بشكل جيد ودافع عنها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في خطابه قبل أسبوعين.

امتناع إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، التي مكنت هذا القرار من التمرير، ينبغي عدم النظر إليها، للأسباب نفسها، باعتبارها خيانة. وبصفتها صديقة لإسرائيل ينبغي على الولايات المتحدة أن تذهب أبعد من ذلك وتدعم بفعالية القرار 2334، الذي صدر بتأييد 14 صوتاً وامتناع واشنطن عن التصويت، لأن المستوطنات تضر بإسرائيل، ولأن الأصدقاء الحقيقيين لديهم الشجاعة لتقديم النصح لبعضهم البعض.

لقد انتقدت بانتظام إدارة أوباما لما رأيته من ضعفها وتذبذبها، أو سلوكها غير السليم من الناحية الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وتتمثل النقطة المهمة في ذلك الانتقاد أننا لا نميز بين أصدقائنا وأعدائنا، وبذلك فشلنا في دعم حلفائنا التقليديين، بالطريقة التي ينبغي أن تكون. كنت متشككاً بشدة من الاتفاق النووي مع إيران (على الرغم من أنني قبلت به في النهاية، على أنه أفضل من عدم وجود أي اتفاق على الإطلاق)، لذلك فأنا لست مدافعاً انفعالياً عن سياسات عهد أوباما، وأعتقد أن ما فعلته الإدارة في ما يتعلق بالقرار 2334 كان سياسة سليمة وجيدة.

بالنسبة للأغلبية الجديدة من اليهود الأميركيين، فإن إسرائيل هي القوة العظمى النووية في الشرق الأوسط، و«الفتوة» الإقليمية التي تقف خلف الاعتداءات في مخيمَي صبرا وشاتيلا، والبلد الذي ينافق في «حبه للسلام» وبناء المستوطنات وتدمير غزة.

فإذا كان فريق إدارة أوباما تعرض لأي انتقاد من جانب إسرائيل بشأن موقفه من المستوطنات خلال التصويت على القرار، فإن الإدارة لم تساعد أبداً في صياغة ذلك الموقف، وهو ما دحضه كيري في ما بعد، لكنها بدلاً من ذلك لم تتخذ موقفاً أقوى بشأن هذه المسألة بشكل عاجل، ونحن كما يعلم الجميع في أواخر عهد أوباما.

واعتقد أن الولايات المتحدة ينبغي ألا تتبنى، ولو للحظة واحدة، سياسة التسامح مع إسرائيل بشأن المستوطنات، بل يجب أن تحارب تلك السياسة، حتى مع استمرارها في تمويل عمليات شراء أسلحة لإسرائيل بمستويات قياسية، مع العمل للتوصل إلى اتفاق سلام دون تعاون ملحوظ من الإسرائيليين أو، لكي نكون منصفين، من الفلسطينيين.

ويسعى بعض الإسرائيليين للدفاع عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في ما يتعلق بمعالجته هذه المسألة، مدعين أنه أيد سياسة استيطانية ليست أكثر تطرفاً مما يتبناه الجناح اليميني المتطرف في حزبه. وهذا في حد ذاته دفاع سخيف، لأن ارتكاب 100 خطأ ليس أفضل من ارتكاب 200 خطأ، ولكن الصواب هو عدم الإقدام على اقتراف أي خطأ.

تحدث نتنياهو عن خيانة اقترفت في جانب إسرائيل، وسعى إلى مراجعة العلاقات مع أصدقاء إسرائيل الذين دعموا التصويت، لكنه بدلاً من ذلك اقترف خيانة في حق مصالح إسرائيل، عندما أوعز لمبعوثه بعدم التصويت في جانب التحقيق في جرائم الحرب في سورية، أخيراً، وبدا مؤيداً جباناً للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ويصبح بذلك متملقاً لمنتهك للقانون والمعايير الدولية مثل بوتين، الذي فشل في تحقيق العدالة في سورية، وبالتالي فاقم التوترات في جميع أنحاء المنطقة، ما يزيد من المخاطر بالنسبة لإسرائيل وحدها، وهذا جميعه يعكس سياسيات وتكتيكات نتنياهو، التي نجح من خلالها في أن يصبح رئيس وزراء لأنه كان يفكر في المصالح الآنية لقاعدته، التي تضر بلاده على المدى الطويل.

دعم الاستحواذ على الأرض، التي ليس لإسرائيل أي حق مشروع فيها، قد يجعل اليمين المتشدد في إسرائيل سعيداً، وربما يجادل المدافعون عنهم، قد يوفر للدولة ميزة أمنية، إلا أن الاستمرار في تشييد تلك المستوطنات لن يوقف المد والجزر الأمنيين اللذين تعيشهما إسرائيل. وسيستمر الشعب الفلسطيني في التزايد بحيث تواجه إسرائيل قريباً جداً خياراً مصيرياً صعباً يتمثل في ما إذا كانت إسرائيل ترغب في أن تكون دولة ديمقراطية يصبح لأغلبية الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدودها حقوق حقيقية لا يملكونها في الوقت الراهن، أو دولة يهودية تعتمد على تبني سياسات يخضع فيها أغلب السكان لحرمان مستديم، وعلاوة على ذلك فإن التهديدات الأمنية التي تطال إسرائيل هي الصواريخ، وعلى نحو متزايد، الطائرات بدون طيار، والحرب الإلكترونية، وغيرها من الأدوات التي لا تستطيع المستوطنات أن تفعل الكثير لصدها. وفي حين أن نتنياهو وأتباعه يقولون إن قرار الأمم المتحدة سيقوي شوكة الإرهابيين، فإنه لا يوجد شيء أكثر فعالية لتقوية شوكتهم من بناء المستوطنات، أو مساندة القتلة الذين لا يرحمون المسلمين، مثل الروس.

المستوطنات تلهب المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل، وتقوض شرعيتها، وتجفف الدعم الدولي، فمن الواضح أنها لا تصب في مصلحة إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإنها تضعف حجة أولئك الذين يدعمون إسرائيل، بمن فيهم اليهود الأميركيون، لهذا من الصعب على نحو متزايد أن نتبنى مبادئ العدالة الأميركية، واحترام سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وندعم في الوقت ذاته الحكومة الحالية في إسرائيل، سواء بسبب المستوطنات أو بسبب سياسة الرد غير المتناسب، كما حدث خلال حرب غزة الأخيرة.

هناك أيضاً تحول في الأجيال بين اليهود الأميركيين، حيث إن جميع من هم تحت سن 55 عاماً، تقريباً، لا يتذكرون ببساطة حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب. وبالنسبة للأغلبية الجديدة من اليهود الأميركيين فإن إسرائيل هي القوة العظمى النووية في الشرق الأوسط، و«الفتوة» الإقليمية التي تقف خلف الاعتداءات في مخيمَي صبرا وشاتيلا، والبلد الذي ينافق في «حبه للسلام» وبناء المستوطنات وتدمير غزة.

ويتمثل رد الإسرائيليين في نفخة من التعالي، ويعتقدون ببساطة أن اليهود الأميركيين المدللين والمنعمين لا يمكنهم أبداً فهم وضع الإسرائيليين، وهم بالكاد مفيدون بالنسبة لهم. ويبدو أن عدم الشعور بأي غضب أو انفعال من جانب اليهود الأميركيين المعتدلين والليبراليين بشأن قرار مجلس الأمن الأخير، يشير إلى مدى ما فعله اليمين الإسرائيلي المتطرف، في تقويض أهم علاقات إسرائيل على مدى العقدين الماضيين.

الآن، بالطبع، فإن نتنياهو وصبيه «الفتوة»، الذي يسميه سفيراً هنا في الولايات المتحدة، رون ديرمر، يشعران بأنهما اكتسبا قوة من الانتخابات الأخيرة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للبلاد، الذي هاجم موقف أوباما وكيري من خلال تغريدة أطلقها من «غرفة انتظاره في البيت الأبيض». وبصرف النظر تماماً عن كل ما حدث فإن نتنياهو وشركاه يرتكبون خطأ كبيراً، حيث إن الورقة الرابحة على مستوى عالمي، المتمثلة في السفير الأميركي المقبل لإسرائيل، الشخصية اليمينية المتطرفة التي تُدعى ديفيد فريدمان، قد تقدم بعض العون لنتنياهو لفترة من الوقت. ويمكنهما أيضاً الحصول على دعم بوتين صديق نتنياهو ودونالد، إلا أن هذا سينفر بقية العالم - وأجزاء ضخمة من القاعدة اليهودية داخل الولايات المتحدة، التي قامت عليها إسرائيل، والتي ستتوقف عن دعم طويل الأجل. وعلاوة على ذلك هناك واقع صعب يعيشه على ما يبدو المتشددون الإسرائيليون، وهو أن البديل الوحيد لحل الدولتين هو حل الدولة الواحدة، التي لا يمكن أن تكون دولة يهودية إذا أُريد لها أن تكون آمنة ومستدامة، أو عادلة.

ديفيد روثكوبف صحافي بمجموعة الـ«فورين بوليسي»

 

 

تويتر