قلق متزايد في تونس إزاء المقاتلين العائدين

صورة

يُعد الهجوم الأخير على برلين تذكيراً واضحاً بهشاشة تونس أمام معضلة الإرهاب، حيث ألقي القبض على ثلاثة من أقارب المعتدي، أنيس العامري، في وسط البلاد.

مراكز مختصة

من أجل معالجة المعضلة، طالب المركز التونسي للأمن الشامل، بتشكيل مركز للتأهيل والإدماج في محاولة لإصلاح العائدين وإدماجهم من جديد في المجتمع، لتجنّب خطرهم في حال عدم نجاح عملية إصلاحهم.

ويقسم خبراء المركز العائدين إلى ثلاث فئات؛ أولاها تعنى بالعائدين من بؤر التوتر، وهؤلاء يجب أن يمروا عبر أجهزة القضاء، ثم يودعون في المركز المختص. والفئة الثانية، ممن قضوا عقوبة في السجون بتهم الإرهاب، ولابد أن يخضعوا لفترة تأهيل. أما الأخيرة، فتشمل الممنوعين من السفر، إذ يتعين تأهيلهم ومنحهم أملاً جديداً.

ومن المتوقع أن تخضع مراكز التأهيل لإشراف وزارة الدفاع أو الداخلية. وفي غضون ذلك، لا تملك تونس حالياً الرؤية والخبرة الكافيتين لتقييم التجارب الدولية في هذا المجال، لكن يمكن الاستفادة من تجارب دول أوروبية، مثل الدنمارك وبريطانيا وفرنسا. وعلى الرغم من أن لهذه الدول مجموعات صغيرة من المقاتلين العائدين، فإنها شكلت مراكز مختصة يشرف عليها خبراء.

800

مقاتل تونسي عادوا إلى بلدهم لحد الآن.

وبعد أسبوع من الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين، الذي خلّف 12 قتيلاً وعشرات الجرحى، لاتزال تونس تجري التحقيقات حول العامري، وهو مواطن تونسي في الـ24 من العمر، من منطقة القيروان. ووفقاً لوزارة الداخلية فإن ثلاثة من أقاربه ألقي القبض عليهم، بمن في ذلك ابن أخيه، وجميعهم أعضاء في «خلية إرهابية» مرتبطة بالعامري الذي قتل في ميلان، الجمعة الماضية.

أعاد الهجوم الأخير تونس إلى دائرة الضوء لتذكير القيادة التونسية والعالم بأنها تعاني هشاشة بالغة في مواجهة الإرهاب. ففي 14 يوليو، هاجم شاب تونسي تجمعاً في مدينة نيس الفرنسية، وقتل 86 شخصاً. كما كانت تونس مسرحاً لهجمات إرهابية دموية، قام بها شباب تونسيون. حيث شهدت مدينة سوسة الساحلية هجوماً مسلحاً على منتجع سياحي يرتاده أجانب، في يونيو 2015، وقبل ذلك تعرض متحف باردو في العاصمة لاعتداء مسلح قامت به مجموعة من الشباب كانوا ينشطون في ليبيا.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 5500 تونسي التحقوا، خلال السنوات الماضية، بتنظيمات مسلحة في العراق وسورية وليبيا. في حين ترجح «سوفان غروب» الأميركية المتخصصة في الاستعلامات، أن يكون العدد أكبر من ذلك وقد يفوق 6000. ويقول مراقبون إن هذا العدد الكبير يزيد من صعوبة مهمة السلطات في مراقبة تحركات هؤلاء الأشخاص الخطرين، وفهم حجم الالتحاق بالمجموعات المسلحة، في بلد لقي احتراماً كبيراً على المستوى الدولي لانتقاله الديمقراطي السلس. وعلى الرغم من هشاشة هذا الانتقال، إلا أنه مثير للإعجاب مقارنة بما حدث في بلدان أخرى شهدت انتفاضات شعبية مماثلة منذ 2011.

خطورة الظاهرة

استغرق الأمر وقتاً كي تعترف السلطات التونسية بخطورة الظاهرة، بعد سنوات من الإنكار. في أعقاب ثورة 2011، اختار الجيل الأول من المسلحين، خوض المعركة في جبال الشعانبي وسمانة، غرب العاصمة بالقرب من الحدود الجزائرية. ويعتقد أن نحو 100 مسلح ينشطون في تلك المنطقة، وقد استهدفوا قوات الأمن التونسية في المناطق الجبلية. وكان التحول في 2015، مع الهجمات ضد متحف باردو وميناء القنطاوي، بات وجود المسلحين حقيقة، إذ لم تصبح هذه المجموعات تستهدف التونسيين وحسب، بل الأجانب، وفي المدن الرئيسة والسياحية. وتواجه تونس حالياً وضعاً لا تحسد عليه، فقد ورثت حكومة ما بعد الثورة، حدوداً شاسعة مع ليبيا (450 كيلومتراً) وجيشاً غير مستعد لتحديات أمنية بهذا الحجم. والواقع أن تونس وجدت نفسها في الخطوط الأمامية بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، وأمام استحقاقات ما بعد الثورة، إذ إنها لم تفِ بوعودها وفقاً لشريحة واسعة من التونسيين.

وفي وقت شهدت فيه البلاد عدم استقرار أمني في الفترة ما بين 2012 و2013، أنجزت تونس نجاحات في المؤسسات الديمقراطية، لكنها في ذلك الوقت لم تكن مصحوبة بتحسن في ظروف المعيشة لأغلب السكان. وبينت دراسة ميدانية شملت شريحة واسعة من الشباب مدى تعقيد ظاهرة التجنيد، والالتحاق بالمجموعات المسلحة. وتبين الدراسة أن التجنيد يتم بشكل مفاجئ في صفوف الطلبة والموظفين، في جميع أنحاء البلاد.

وتقول السلطات التونسية إنها قطعت شوطاً مهماً في محاربة الإرهاب، ومنذ الهجوم على حافلة للحرس الرئاسي العام الماضي، لم تشهد تونس هجمات إرهابية كبيرة في مناطق حضرية. لقد تلقت الحكومة والأجهزة الأمنية إنذاراً جاداً بعد الهجوم اللافت على مدينة بن قردان، على الحدود مع ليبيا، إذ شارك في الهجوم الأعنف من نوعه، عشرات المسلحين، جاء بعضهم من ليبيا، وقتل في الحادث 70 شخصاً، أغلبهم من المهاجمين.

مراقبة التحركات

وبعد أن كانت تونس قلقة من تجنيد الشاب في صفوف المجموعات المسلحة في العراق وسورية وليبيا، بات التونسيون أكثر قلقاً بسبب عودة هؤلاء إلى بلدهم. ووفقاً لوزير الداخلية، هادي محجوب، فإن 800 من المقاتلين عادوا بالفعل إلى تونس، ويؤكد أن السلطات تراقب هؤلاء، ولديها معلومات كافية عن تحركاتهم. ولم تكفِ هذه التطمينات في تهدئة الرأي العام، وقوات الأمن التي لم تتعود على الحرب ضد المسلحين. وتقول نقابة رجال الأمن الداخلي، إن عودة الإرهابيين قادمين من مناطق الصراع «شيء يبعث على القلق، وقد تتحول تونس إلى صومال أخرى»، ويضيف بيان النقابة «لقد تلقى عناصر الأمن التدريب العسكري الضروري، وتعلموا كيفية استخدام السلاح الحديث»، وطالبت الحكومة باتخاذ إجراءات استثنائية.

وأثارت عودة المقاتلين جدلاً واسعاً في أروقة السياسة ووسائل الإعلام، بعد تصريحات الرئيس التونسي، باجي قايد السبسي، في بداية ديسمبر، مؤكداً أنه لا أحد يمكن أن يمنع مواطناً تونسياً من العودة إلى بلده، «لن نضعهم جميعاً في السجون، لأننا إذا فعلنا لن يكون هناك سجون بما يكفي» مضيفاً «في المقابل، سنتخذ الإجراءات الضرورية حتى يتم تحييدهم». واستقبلت شريحة من التونسيين هذا التصريح بأن الدولة التونسية «تتبنى الأبواب المفتوحة أمام الإرهابيين، وتمنحهم الحصانة».

وهناك شائعات تقول إن الحكومة تدرس قانوناً يتيح للمقاتلين العائدين «التوبة» والاندماج مجدداً في المجتمع؛ إلا أن رئاسة الجمهورية فندت هذه الشائعات، وأكدت أن تونس لن تصفح عن المسلحين العائدين من العراق وسورية وليبيا، والذين تنطبق عليهم قوانين مكافحة الإرهاب.

وسلطت وسائل الإعلام التونسية على ظاهرة عودة المقاتلين، وفي مقال تحلل فيه الوضع الراهن كتبت الصحافية رابعة بن عاشور، تقول إن تونس تقف بمفردها في مواجهة هذا الخطر المحدق «هذا البلد الفقير والمدين، عاش عقوداً من الدكتاتورية والتهميش الاقتصادي، يجد نفسه مجبراً على استيراد الأسلحة باهظة الثمن للدفاع عن حدوده وحدود أوروبا»، موضحة «تونس لا حيلة لها أمام هذه المشكلة التي تهدد الديمقراطية التي تطمح إليها».

تويتر