ستبدو مشكلة النازحين الفلسطينيين أقل حجماً مقارنة بها

مأساة اللاجئين السوريين قد تصبـح معضلة دائمة

الأسد لا يبالي بالمأساة التي يتعرّض لها شعبه. أرشيفية

مع نهاية 2016، سقطت مدينة حلب لتكون مؤشراً إلى مستقبل كئيب ينتظر الحرب الأهلية والمنطقة، والعدد الكبير من اللاجئين في داخل وخارج سورية، إذ تعني نهاية تلك المعركة، انتصار النظام السوري، في حرب من أجل البقاء، بمساعدة القوة الروسية.

رسالة الأسد تقول إنه لا يهتم بما يحصل للمدنيين، وإن بإمكانه أن يحكم بلداً بعدد سكان أقل بكثير. حالياً يعيش نحو خمسة ملايين لاجئ سوري خارج بلادهم، في حين بقي 18 مليوناً داخل البلاد، منهم ستة ملايين تم تهجيرهم داخلياً.

ليس هناك طريقة واضحة يستطيع من خلالها نظام الأسد محو المعارضة، لذا فإن القتال سوف يستمر، وسوف تبقى دويلات سنية قائمة في سورية. ولأن المهجرين السنة سوف يترددون في العودة إلى بلداتهم وقراهم في الأماكن التي يتحكم فيها، حالياً، نظام الأسد المعادي لهم، فستصبح مشكلة لاجئي الحرب مشكلة دائمة. وهذا ليس بالأمر الهيّن، وسوف تبدو مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في 1948 و1967 أقل حجماً، مقارنة بحجم هذه الأزمة.

الإخفاق في الحفاظ على حقوق الإنسان في حلب، يتكرر بعد المآسي التي عاشتها سربرنيتسا ورواندا. فلم يكن للمجتمع الدولي أي نفوذ على الرئيس السوري، أو الرئيس الروسي، عندما كانا يقصفان المدينة بلا رحمة، ليذهب ضحية القصف آلاف المدنيين. والأسوأ من ذلك أن هذه الاستراتيجية قد نجحت، وهو ما يرسل رسالة إلى المنتهكين المستقبليين لحقوق الإنسان، باستخدام كل الوسائل لتحقيق الانتصار.

لقد اكتسب سقوط حلب دلالات خاصة بالنسبة للصراع في سورية، ذلك أن نصر الأسد يظهر أن الدعم الجوي من قوة عظمى، مع عدم الندم على وقوع ضحايا، قادران على تمكين نظام مسلح من تهجير المعارضين من المساحة الحضرية، حتى لو كان للمعارضة دعم مدني كبير. كان بإمكان واشنطن دفع مقاتلي تنظيم «داعش» خارج المدن السورية، باستخدام سياسة الأرض المحروقة ذاتها، لو كانت ميالة لتجاهل القانون الدولي، ولو لم تبالِ بولاء المدنيين المقصوفين بعد نهاية الصراع. في الواقع، لم يهتم الأسد يوماً بكسب ولاء السنة، لكن الأخير يتمنى أن يرحل أهالي حلب، مثلهم في ذلك مثل باقي السوريين السنة، دون رجعة.

رسالة الأسد تقول إنه لا يهتم بما يحصل للمدنيين، وإن بإمكانه أن يحكم بلداً بعدد سكان أقل بكثير. حالياً يعيش نحو خمسة ملايين لاجئ سوري خارج بلادهم، في حين بقي 18 مليوناً داخل البلاد، منهم ستة ملايين تم تهجيرهم داخلياً.

ويبدو من الصعب على أي مهاجر أن يختار العودة إلى سورية، بعد كل الفظاعات التي ارتكبت. أما بالنسبة للذين نزحوا في الداخل والموجودين في المناطق التي يسيطر عليها السنة، مثل محافظة إدلب ومناطق سيطرة «داعش» حول الرقة، فبإمكانهم أن يبقوا في أماكنهم، لأن الأسد لا يبالي.

وجود المسلحين المتشددين يجعل الأسد يبدو بمظهر البطل في أعين الغرب، لأنه يحارب «داعش» وتنظيم «القاعدة»، ما يبرر استمرار الدعم الروسي، لإبعاد المسلحين المعارضين بعيداً عن مناطق سيطرة النظام. وهذا هو السبب الذي يمكن أن يتسامح الأسد من أجله مع وجود دويلات سنية لبعض الوقت.

بإمكان جيش الأسد أن يهزم تنظيم «فتح الشام»، الذي يسيطر على معظم إدلب، إلا أنه لا يستطيع هزيمة «داعش»، أو معارضي الجيش السوري الحر الأكثر اعتدالاً. بإمكان القصف المستمر في المراكز الحضرية الكبرى أن يجعل الحياة لا تطاق، وبإمكان القوات أن تحتل تلك المساحة عند خروج المعارضين. لكن في البلدات الصغيرة، والأماكن الريفية، فإن القصف يكون محدود الجدوى، ويتطلب المحافظة على الأرض وجود قوة عددية لا تتوافر لدى نظام دمشق.

لذلك سقطت مدينة تدمر مرة أخرى في يد مسلحي «داعش»، بعد أن أمسك بها النظام أشهراً عدة. ليس لدى الأسد العدد الكافي من المقاتلين للحفاظ على المدينة، في الوقت الذي يتابع فيه معاركه في الشمال، في حين لم تكن القوة الجوية الروسية فعالة ضد قوات المتمردين الخفيفة، مثل قوات «داعش».

في ظل هذه الظروف المأساوية، بات من الوارد جداً أن تصبح مشكلة اللاجئين السوريين دائمة، حتى لو انتهت الأزمة بانتصار الأسد، بحكم الواقع.

نُوا فيلدمان كاتب وأستاذ قانون في كلية هارفارد للحقوق

تويتر