البوابات الإلكترونية داخل البلدة القديمة تحول دون وصول الناس إليها

سوق القزازين وشارع الشهـداء.. قلب الخليل المشلول بالإغلاق

صورة

بعد طول انتظار لدخول البلدة القديمة في مدينة الخليل، اجتزنا بوابة تفتيش حديدية لها عداء مفتعل مع الجسد الفلسطيني، لنطل على عالم من الصمت الحذر، لا ملمح فيه سوى منازل وأزقة قديمة تخبرنا بأنها فلسطينية.

5000

مواطن فلسطيني محرومون من المرور عبر شارع الشهداء، ما يوجد لهم مشكلات يومية في إمكانية عبور المكان، إذ يمنع الاحتلال حركة المركبات الفلسطينية في الشارع.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/551165.jpg

أطفال ذاهبون إلى المدرسة في أجواء من الخوف. الإمارات اليوم


الشريان الرئيس

شارع الشهداء كان يعد الشريان الرئيس لمدينة الخليل، كونه يوجد في قلبها، ويوصل مركزها بأطرافها، حيث إنه يبدأ من مدخل مستوطنة «الدبويا» أو «بيت هداسا»، مروراً بمنطقة سوق الخضار القديم في البلدة القديمة، وصولاً إلى الحرم الإبراهيمي في منطقة بركة السلطان.

دخلنا قلب البلدة القديمة، لنشاهد جندياً إسرائيلياً يحرس بؤرة «الدبويا» الاستيطانية بشارع الشهداء، في منطقة حاصرها الاستيطان ولم يتبقَّ منها إلا القليل من المنازل الفلسطينية، فالوقوف أمام المنازل والأزقة يجعلك في متاهة وأنت تحاول فك رموز حجارتها، واستنطاق تفاصيلها، قبل بدء الرحلة المؤلمة داخل البلدة.

شارع الشهداء

منزل الفلسطينية، جميلة الشلالدة، أو كما تعرف في الخليل بأم عبدالرحمن السلايمة، وحده هذا الاسم كان كافياً أن نستدل به على البيت وقصته، حتى وإن سألنا الجندي حارس البؤرة الاستيطانية فإنه سيهدينا إليه بسهولة، فهو أحد المنازل الفلسطينية الوحيدة في شارع الشهداء الذي يسيطر عليه الاحتلال، ويحاصره الاستيطان من كل مكان.

علماً أن شارع الشهداء كان يعد الشريان الرئيس لمدينة الخليل، كونه يوجد في قلبها ويوصل مركزها بأطرافها، حيث إنه يبدأ من مدخل مستوطنة «الدبويا» أو «بيت هداسا»، مروراً بمنطقة سوق الخضار القديم في البلدة القديمة، وصولاً إلى الحرم الإبراهيمي في منطقة بركة السلطان.

ويضم الشارع مئات المحال التجارية التي أمست مغلقة تماماً بما تحويه من أموال للتجار، الذين طردوا بشكل مفاجئ من المكان، ليحتله جنود الاحتلال والمستوطنون.

إلا أن الاحتلال لم يمهل طويلاً شارع الشهداء، الذي يعد شرياناً رئيساً للحياة بكل جوانبها، ومصدر الحيوية في قلب المدينة، إذ سارع إلى إغلاقه عام 1994، بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها مستوطن بحق المصلين، وبعد أربع سنوات أعيد افتتاحه على خلفية اتفاقية بين الولايات المتحدة الأميركية والسلطة الفلسطينية، وإسرائيل، لتعيد إسرائيل إغلاقه بعد ذلك عام 2006.

وللحديث عن ذلك، يقول الخبير في شؤون الاستيطان بمدينة الخليل، عبدالهادي حنتش، لـ«الإمارات اليوم»، «إن قوات الاحتلال قامت بإغلاق شارع الشهداء عام 2006، بوضع حاجز عسكري إلكتروني على مدخل الشارع بالقرب من مستوطنة «الدبويا»، في المنطقة المؤدية إلى مستوطنة «تل رميدي» أو «رماتي شاي»، كما أقامت حاجزاً آخر في المنطقة الواقعة شرق مستوطنة «الدبويا» مدعماً بأبواب وأسلاك شائكة».

ويضيف «إن إسرائيل تسعى لربط شارع الشهداء أو ما يسمى بشارع الأبرثهايد، بالبؤرة الاستيطانية تل رميدي، بوساطة شارع خاص عبر مقبرة الشهداء، في منطقة مزروعة بأشجار الزيتون منذ 200 عام، تعود لعائلة الشرباتي، وتم فتح جزء منه في وقت سابق، وتوقف العمل في ذلك، لأن امتداد هذا الشارع سيهدم 20 قبراً وثلاثة منازل، إضافة إلى عين ماء أثرية».

ويوضح أن إغلاق هذا الشارع أدى إلى إغلاق عدد كبير من المحال التجارية والمنازل، وهجرة أصحابها عنها، حيث لم يعد لهم الحق في دخول الشارع الذي توجد فيه ممتلكاتهم، أو يؤدي إليها، حتى ولو سيراً على الأقدام، مشيراً إلى أن المستوطنين ظلوا يدخلونه بصورة دائمة، وهذا ما سهّل عليهم السيطرة على منزل عائلة الرجبي الفلسطينية في شارع الشهداء.

ويبين حنتش أن الشارع مغلق في وجه نحو 5000 مواطن، جميعهم محرومون من المرور عبره، ما يوجد لهم مشكلات في إمكانية عبور المكان، حيث يمنع الاحتلال حركة المركبات الفلسطينية في الشارع، واقتصر الأمر سابقاً على دخول عدد محدود من السكان المحليين مشياً على الأقدام، أما الآن فالأمر يبدو صعباً.

ويضم الشارع مدارس المحافظة التي مازالت تعمل حتى الآن، بالإضافة إلى حمام تركي قديم ومطحنتي قمح ومحطة وقود، والعشرات من المحال التجارية المختلفة.

سوق القزازين

بعد أن اجتزنا شارع الشهداء وصولاً إلى البلدة القديمة، كان لابد أن يستوقفنا الزمن لنجد أنفسنا أمام «مقهى بدران» التاريخي، المنزرع منذ أكثر من 100 عام في وسط حارة القزازين بقلب مدينة الخليل، التي يزين مدخلها شجرة توت عمرت عشرات السنوات، ومازالت.

«الإمارات اليوم» تجولت بين أزقة سوق القزازين، راصدة القناطر المسقوفة أحياناً والمكشوفة أحياناً أخرى، إضافة إلى شوارعها المبلطة بحجارة خليلية تاريخية كبيرة الحجم، فالحوانيت الملتصقة جنباً إلى جنب، والمنازل والقصور الشعبية المشيدة فوق الحوانيت، والمطلة على ساحات السوق ومساجدها التاريخية، تؤكد على عراقة المكان وحضارته، حيث تضم هذه السوق مساجد عدة، منها مسجد القزازين بمئذنته التاريخية.

وتعد سوق القزازين إحدى أسواق المدينة التاريخية، فقد بنيت في العهد الأيوبي، وتطور عمرانها في العهد المملوكي، بأقواسها التاريخية وأروقتها الجميلة، وعاشت شيئاً من الكساد في العهد العثماني، فيما استمدت السوق اسمها من نوع البضاعة التي تباع فيها، وهي الأواني الزجاجية، خصوصاً الزجاج الخليلي الملون، الذي يصنع في المدينة نفسها.

ولكن ما يقتل فرحة الزائر لهذا المعلم التاريخي، أن السوق اليوم يطالها الإغلاق، حيث بوابات الاحتلال الحديدية والإلكترونية حالت دون وصول الناس إليه، إضافة إلى الإجراءات العسكرية الصهيونية المعقدة، والاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين المقيمين في قلب المدينة ضد الفلسطينيين.

خلال تجوالنا في حارة وسوق القزازين، فاجأنا صوت قوي مجروح يرحب بنا، بدت تفاصيل البلدة القديمة واضحة على تجاعيد وجهه، التي تجاوزت عشرات السنين، لتتحول اللحظات التي استرقناها مع الحاج الثمانيني، عمار الجبالي، للحديث معه وكأنها سنوات عدة.

يقول الحاج الجبالي «يرحم أيام زمان عندما كنا نستقبل الحاج أمين الحسيني والثوار، وكل الأحباب داخل المقهى، لكن اليوم السوق مغلقة، فسلطات الاحتلال عملت على تفريغ السوق من سكانها، وأحاطتها بمجموعة من المواقع العسكرية والتجمعات الاستيطانية: بيت هداسا، وبيت رومانو، وأبراهام أبينو، إضافة إلى مستوطنة كريات أربع».

ويضيف «إن سلطات الاحتلال أغلقت السوق بأبواب إلكترونية عدة، وزرعت العشرات من الكاميرات، ونشرت قوات كبيرة راجلة تعيق الحركة التجارية وحركة الفلسطينيين، ما حد من دخول وعبور المتسوقين إلى السوق، وأسهم في إغلاق المئات من الحوانيت والمحال التجارية، فباتت السوق خاوية على عروشها».

تويتر