حسب ما تشير إليه وثائق خلّفها في مناطق هرب منها

«داعش» حاول بناء دولة على شواطئ المتوسط في ليبيا

وثائق مبعثرة في أحد مكاتب «الحسبة» التابعة لتنظيم «داعش» في سرت. أرشيفية

كانت الصفحة الأولى في دفتر ملاحظات المقاتل (أبوبكر) تحوي ترجمة باللغة العربية لكلمات إنجليزية أساسية، انتهت بدليل السلامة لمن يتعامل مع المتفجرات، حيث كانت العبارات التالية «كن حذراً» و«لا ترتعب» و«حافظ على الزناد بعيداً عن الأطفال».

• كان الدفتر الذي يرجع لمقاتل يدعى «أبوبكر» قد حصلت عليه صحيفة «وول ستريت»، وقامت بمراجعته إلى جانب نحو 150 وثيقة خلّفها وراءهم مقاتلو «داعش» عندما فروا أو قتلوا، أو تم اعتقالهم.


قانون ضرائب

تم العثور على قانون الضرائب الدقيق في مكتب آخر لتنظيم «داعش»، الذي يظهر كيف أن التنظيم مول نفسه على حساب السكان المحليين. وكان يتعين على المزارع أن يقدم عجلاً إذا بلغ تعداد قطيعه 39 بقرة، على سبيل المثال، وجملاً عمره أربع سنوات إذا كان يمتلك أكثر من 79 جملاً. أما الذين لا يدفعون الضرائب فتتم ملاحقتهم عن طريق توزيع مذكرات اعتقال بأسمائهم على نقاط التفتيش الموزعة في شتى أنحاء المدينة. وكانت إحدى هذه المذكرات باسم مالك قطيع شياه اسمه (سالم)، من «الجيزة» وهو حي في المدينة، كما أنه يقود سيارة تويوتا ذكر رقم لوحتها في مذكرة القبض عليه.

ومع تشديد تنظيم «داعش» المتطرف قبضته على مدينة سرت الساحلية على البحر المتوسط، العام الماضي، حيث قام بإغلاق المدارس وفرض القيود على الحياة الاجتماعية، إضافة إلى تدريب المئات من المجندين، العديد منهم كانوا من الأجانب، تم الكشف عن وثائق مكتوبة باللغة العربية لهذا التنظيم في أحد مكاتبه بمدينة سرت، تشير إلى أن «الإسلام والحروب» ستساعد على توسيع رقعة المكان الذي يسيطر عليه التنظيم في هذه المنطقة، التي تقع على أعتاب القارة الأوروبية.

وكان الدفتر الذي يرجع لمقاتل يدعى (أبوبكر) قد حصلت عليه صحيفة «وول ستريت»، وقامت بمراجعته، إلى جانب نحو 150 وثيقة خلفها وراءهم مقاتلو «داعش» عندما فروا أو قتلوا أو تم اعتقالهم في معركة مع الميليشيات الليبية، المدعومة جواً من الولايات المتحدة، خلال الأشهر القليلة الماضية، بهدف استرجاع المدينة. وتعرض مقاتلو «داعش» للتهديد، الأسبوع الماضي، حيث كانوا على وشك خسارة آخر حي يسيطرون عليه في سرت التي تعد المعقل الرئيس لتنظيم «داعش» في ليبيا.

وتقدم الوثائق التي تم الحصول عليها فهماً عميقاً لأسلوب التنظيم في الحكم والسيطرة على الشعب، وإنشاء دولة تابعة له في ليبيا.

وتظهر تفاصيل قائمة المساجين بالتهم الموجهة إليهم، والعقوبات المناسبة لها، كيف أن تنظيم «داعش» يفرض وجهة نظره المتزمتة في الحكم الإسلامي. وتظهر وثيقة الضرائب كيف أن «داعش» حاول تملق بعض السكان عن طريق مصادرة الأموال والمجوهرات من الأثرياء لتوزيعها على المحتاجين، وفي الوقت ذاته هم يملأون خزائنهم الخاصة.

وكان الاسم الأخير لأفراد الميليشيا أو المدنيين، الذين ظهرت أسماؤهم في الوثائق التي تم العثور عليها، مثل قائمة السجناء أو استمارات دفع الضرائب، قد تم حجبها. الأمر الذي جعل محاولة الوصول إلى المقاتل (أبوبكر) وآخرين ظهرت أسماؤهم في الوثائق ميؤوساً منها وفاشلة، خصوصاً أن خطوط الهاتف في جميع أنحاء مدينة سرت تم قطعها.

و في مقار الشرطة الأخلاقية لتنظيم «داعش» أو ما يطلقون عليه «الحسبة»، كان ثمة وثيقة تحوي قائمة بالجرائم وعقوبات من يرتكبها، كما أنها أشارت إلى أحد الأشخاص تم إدخاله السجن لمدة 10 أيام مع 10 جلدات، لأنه «نقل امرأة» لم يكن يرافقها محرم لها.

وفي ليبيا، كان تنظيم «داعش» قادراً على إنشاء وإدارة مكاتب لجمع الضرائب، والشرطة، والمحاكم، وحتى مكتب للهجرة لدعم عملية تجنيد الأجانب، وهو منظم بصورة عالية جداً بخلاف ما هو موجود في سورية والعراق، حيث مقر قيادة التنظيم، كما يقول مسؤولون أميركيون.

وخلال معركة الحكومة الليبية مع «داعش» لاستعادة مدينة سرت، تمكنت الحكومة من التغلب على التنظيم الذي اختبأ في معقله الأخير على ساحل البحر، وكان «التنظيم» يأمل توسيع دولته التي تبعد 350 ميلاً عن أوروبا.

لكن الوثائق التي تم الحصول عليها تظهر بوضوح أن طموح التنظيم لتأسيس دولة كان ناجحاً ولو لمرحلة قصيرة في ليبيا، وهو ما فشلت في تحقيقه فروع التنظيم الأخرى في نيجيريا واليمن، حسب ما يقول أيمن التميمي، الباحث في «ندوة الشرق الأوسط»، وهي منظمة بحثية تركز في البحث عن المجموعات المتطرفة، ومقرها الولايات المتحدة.

والعديد من الليبيين الذين انخرطوا في تنظيم «داعش» في سورية والعراق، عادوا إلى ليبيا خلال السنوات الأخيرة لتأسيس فروع متعددة، أصبحت الآن تشكل تهديداً لاستقرار البلد.

وكان رئيس تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي قد أرسل في عام 2014 بعض كبار مساعديه لتأسيس فرق للتنظيم في ليبيا، حيث قتل أحد هؤلاء في غارة أميركية.

وكان تنظيم «داعش» قد أعلن استيلاءه على مدينة سرت عبر فيلم فيديو تم إنتاجه ببراعة في فبراير 2015، حيث يظهر مسلحوه وهم يقودون 21 قبطياً مصرياً في منطقة رملية بالقرب من الشريط الساحلي للمدينة، ومن ثم قاموا بقتلهم. وعمد سكان المدينة، الذين شعروا بالرعب من مشهد القتل، إلى مغادرة المدينة.

وقالت أستاذة طب النساء في جامعة سرت، الدكتورة سعاد الرحوما، معلقةً: «قررنا وقف الفصل الجامعي في نصفه»، وأضافت الدكتورة سعاد التي فرت إلى طرابلس العاصمة خلال بضعة أسابيع: «كنت خائفة جداً على أطفالي فهربت».

ويتذكر الذين بقوا في المدينة إعلان تنظيم «داعش» عن سيطرته وحكمه لمدينة سرت، وكيف أنه وعد بإعادة الكرامة للمدينة التي تعرضت للحرمان على يد ميليشيات المدن الأخرى الأكثر قوة، كما وعدت بتأسيس نظام رعاية اجتماعي يهتم بالجميع. وقال محمد حديد، وهو عامل بناء، إنه تم استدعاؤه في أبريل 2015 إلى مكتب الضرائب، بتهمة عدم دفع الزكاة. وقام رجل إريتري بتوبيخه، بلغة عربية مكسرة، على فعلته، ومن ثم تركه يذهب بعد تهديده بعدم تكرار ذلك.

وبعد أن بسط تنظيم «داعش» سيطرته على المدينة خلال الأشهر التي تلت استيلاؤه عليها، بدأ التنظيم باقتطاع مزيد من الأموال من السكان، حيث بات رجال من مكتب الزكاة يقرعون أبواب المنازل لمطالبة أصحابها بالدفع. وفي مركز الشرطة الأخلاقية، كانت صناديق مليئة بالمجوهرات، والأموال مكدسة، بعد مصادرتها من السكان. وكان ابتزاز المال من السكان المحليين من أكبر موارد التنظيم في التمويل، الذي كان يذهب رواتب للمقاتلين وإشباع ما وصفه السكان بأنه نهم مقاتلي التنظيم للنساء.

وكان المقاتلون يحصلون على مزيد من المال عندما يتزوجون، وكذلك عندما ينجبون أي طفل جديد، حسب ما ذكرت إحدى الوثائق. وقال حديد إن المقاتلين كانوا يوقفونه على الحواجز ويسألون إن كان لديه بنات للزواج. وكان دفتر المقاتل (أبوبكر) تم العثور عليه في برج منشأة لمعالجة المياه، الذي كان يستخدم عش قناص، حيث حاول مقاتلو التنظيم تحصين مدينة سرت ضد قوات الحكومة التي كانت تزحف نحو المدينة الصيف الماضي.

تويتر