الاحتلال أقام داخله مجمعاً تجارياً لربطه بساحة البراق والحي اليهودي

باب الخليل.. من بوابة القدس التــاريخية إلى مزار تلمودي يخنق المدينة

تُجري جهات يهودية أعمال حفريات واسعة في المنطقة في ساعات الليل أدت إلى جرف وطمس الكثير من المعالم الإسلامية والعربية. أرشيفية

للبيت ربٌّ يحميه، وفي القدس مسجد من أطهر بقاع الأرض، هو الأقصى المبارك، ولهذا المسجد سبعة أبواب تعد من أقدس وأهم المعالم الإسلامية والتاريخية في زهرة المدائن، ولكل باب حكاية تاريخ عريق، من باب العامود إلى الأسباط، والمغاربة، والأبواب الأخرى، التي تتمتع بأهمية قيمة كونها الطريق الوحيد المؤدي إلى بلدة القدس القديمة.

باب الخليل أحد هذه الأبواب السبعة المفتوحة، فهو المدخل الغربي الرئيس لبلدة القدس القديمة، والمسجد الأقصى، ويعد ثاني أهم هذه الأبواب، بعد باب العامود.

ويطلق على باب الخليل الذي رممه وجدده السلطان سليمان القانوني، باب الفتوحات الإسلامية، حيث دخل منه فاتح القدس الأول ومحررها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فباب الخليل هو مدخل لتاريخ مدينة القدس، وبداية التاريخ الإسلامي فيها، وشاهد على الانتصارات والفتوحات الإسلامية فيها مهما طال الزمن.

ولأنه بوابة التاريخ الإسلامي لمدينة القدس ومعالمها الإسلامية والمسيحية، فإنه يتعرض لحملة تهويد وسيطرة من قبل الاحتلال، الذي جعل من باب الخليل مزاراً سياحياً تلمودياً للسياح الأجانب من جميع البلدان الأوروبية واليهود، وبشكل مجاني، وذلك لتحويله إلى المدخل الرئيس للبلدة القديمة والمسجد الأقصى، بدلاً من باب العامود الذي يعد الشريان الاقتصادي للمقدسيين والمدخل الرئيس للمصلين والسياح.

كما أقام الاحتلال داخل باب الخليل مجمعاً تجارياً اسمه «سوق ماميلا»، وذلك لإيجاد تواصل استيطاني مع ساحة البراق، وحارة الشرف والحي اليهودي الاستيطاني.

مشاهد حية

«الإمارات اليوم» زارت باب الخليل راصدة حضارة التاريخ والتراث داخله، فالدخول إلى بلدة القدس القديمة لا يكون إلا من خلال هذا الباب التاريخي، الذي يتميز من الخارج بشكل زاوية قائمة وذات قوس، وعقد حجري كبير مدبب، وبينهما نقش كتابي حجري تذكاري كتب عليه اسم السلطان العثماني سليمان القانوني الذي بنى هذا الباب، ويغطي فتحة مدخل الباب مصراعان كبيران من الخشب المصفح بالنحاس.

بينما يأخذك المدخل إلى كوة ذات عقد متقاطع وجميل، ثم يؤدي إلى ممر ينعطف إلى جهة الشمال، ثم إلى اليمين حيث تجد نفسك داخل القدس، وبعد ذلك يفضي بك فضاء المدينة الداخلي إلى ساحة كبيرة تسمى ساحة عمر بن الخطاب، وقد سميت بهذا الاسم لأن سيدنا عمر رضي الله عنه هو أول من فتح مدينة القدس.

في ساحة وميدان عمر بن الخطاب تشاهد دوريات الجيش الإسرائيلي تتجول في منطقة تسمى «القشلة»، وهي محطة لشرطة الاحتلال في هذا المكان، والقشلة قائمة في هذا المكان منذ عهد العثمانيين في المدينة، فيما يلاحظ داخل هذه الساحة حركة مرورية نشطة، فمنطقة باب الخليل تعد الأكثر استعمالاً من قبل المشاة والسيارات.

مشاهد الوجود الإسرائيلي في مدينة القدس يلحظها الزائر عند دخوله من باب الخليل، ففي بداية مدخل الباب يتواجد يهود متدينون يبيعون تحفاً توراتية وكأنهم في مدينة يهودية، واستمراراً لمحاولة مسخ الهوية الإسلامية والمقدسية للقدس، يضع اليهود ما يسمى بـ«الميزوزاه»، وهي علامة أو قطعة توضع على الباب لدى اليهود، حيث يضعون أياديهم عليها ويقبلونها كلما دخلوا إلى القدس عن طريق باب الخليل، وكأنهم يدخلون بيوتهم.

وللحديث عن الأهمية الخاصة التي يتميز بها باب الخليل، يقول أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة بير زيت جمال عمرو، الذي كان متواجداً داخل الباب في القدس، «إن باب الخليل واحد من أهم أبواب القدس، بل كان ولايزال يحتل أهمية خاصة، ويأتي في المرتبة الثانية بعد باب العامود، وقد أنشئ هذا الباب كبقية الأبواب السبعة المفتوحة على يد العثمانيين، حيث بني عام 1540، وانتهى العمل به عام 1541 ميلادية».

ويضيف، «إن باب الخليل يعد واحداً من أجمل الأبواب من الناحية الهندسية والمعمارية والوظيفية، حيث يحتل منزلة معمارية وتاريخية وزخرفية في آن واحد، كما يمتاز عن بقية أبواب القدس بأنه يأتي متعامداً مع السور بزاوية 90 درجة، وذلك لأسباب أمنية، حيث قيل تاريخياً إن كل من غزا وفتح القدس دخل من هذا الباب، ونعلم جميعاً أن عمر بن الخطاب عندما فتح القدس دخل من هذا الباب، ودخل من بعده كثير من السلاطين والحكام».

ويوضح عمرو أن هذا الباب يطلق عليه باب الخليل وباب يافا، إذ إن المدخل المسقوف لباب الخليل يذهب شمالاً إلى مدينة يافا، والمدخل المفتوح يذهب شرقاً إلى مدينة الخليل.

قلعة القدس

وبالرجوع إلى ساحة عمر بن الخطاب داخل باب الخليل، فخلال تواجدك فيها تشاهد معلماً من أهم المعالم الأثرية المقدسية التي يطلق عليها اسم قلعة القدس.

وعن ذلك يتحدث الداعية الإسلامي رائد فتحي، وهو يقف أمام القلعة التي حولها الاحتلال اليوم إلى متحف يهودي يوجد فيه مجسمات للهيكل المزعوم، حيث يقول: «إن حجارة القلعة هي عبارة عن بناء عثماني ومن بعده بناء بيزنطي، ولكن في زمن سيدنا عمر يقال إن القلعة كانت موجودة ولكن بحجارة مختلفة، كما يوجد فيها مئذنة (منارة) بناها السلطان الناصر بن قالون، أحد كبار مرحلة المماليك الثانية في القدس، ويوضح أن مساحة القلعة تبلغ أكثر من سبع دونمات، وتحتوي على مساحات وغرف وقاعات متعددة، ويوجد لها مدخل واحد من جهة الشرق».

ويضيف الداعية فتحي، «إن باب الخليل من الخارج من الجهة الشرقية، ومن الداخل من الجهة الغربية لا يوجد حوله أي منزل، وذلك منذ عهد الانتداب البريطاني عندما تم هدم كل البيوت من الداخل والخارج، حيث يوجد داخل باب الخليل آثار لوجود مثلث قائم في هذه المنطقة».

سوق «ماميلا»

يهدف الاحتلال إلى إيجاد تواصل استيطاني بين باب الخليل وساحة البراق وحارة الشرف، وحي اليهود في القدس الذي يستوطنه 5000 يهودي، وذلك من خلال المجمع التجاري «سوق ماميلا»، الذي أقامه الاحتلال داخل باب الخليل.

ويهدف الاحتلال من خلال مجمع ماميلا إلى تضييق الخناق على الاقتصاد المقدسي وسكان القدس، وكذلك زيادة عدد اليهود في المنطقة، وهذا ما يؤكده الحاج أبوعيسى أبوغزالة، وهو صاحب محل تجاري داخل باب الخليل، الذي يبيع فيه تحفاً وهدايا تدل على الآثار العربية والإسلامية لتاريخ القدس.

ويقول الحاج أبوغزالة لـ«الإمارات اليوم»، إن سوق ماميلا في باب الخليل أدى إلى إفقار الأسواق المقدسية، وتذمر أصحاب المحال التجارية الذين باتوا عرضة للملاحقة، وبعضهم على وشك الإفلاس وإغلاق محاله، والانتقال إلى مناطق خارج السيطرة الإسرائيلية، إذ إن الاحتلال يفرض حملة ضريبية متصاعدة على أسواق مدينة القدس في ظل حالة الركود الشديدة التي تشهدها تلك الأسواق.

مزار تلمودي

يتعرض باب الخليل الذي يعد أحد أبواب البلدة القديمة في القدس المحتلة لتهويد مستمر كمزار سياحي «تلمودي» لتسليط أنظار السياح الأجانب من البلدان الاوروبية واليهود على أن باب الخليل المدخل الرئيس للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك بدلاً من باب العامود.

القادم إلى باب الخليل يشاهد مرشداً سياحياً يهودياً يقف عند البوابة الرئيسة للباب، ويحمل يافطة لتنظيم رحلات مجانية داخل باحات الاقصى وقبة الصخرة المشرفة، وذلك لتشجيع السياح الأجانب واليهود المتطرفين لتسجيل أسمائهم للمشاركة في رحلات التدنيس لرحاب الأقصى الذي يعتبره «الهيكل المزعوم».

وعن ذلك يقول الحاج أبوغزالة، «خلال السنوات العشر الماضية وحتى يومنا هذا، نتعرض كأصحاب محال ومواطنين مقدسيين لتهويد ومضايقات مستمرة من قبل المرشدين السياحيين، وذلك لمنع السياح الأجانب من الاقتراب من المحال التي تعود للعرب، بالإضافة إلى معلومات مغلوطة يقدمها المرشد السياحي المجاني اليهودي للزائرين عن تاريخ القدس، ومعالمها الإسلامية والمسيحية».

من جهة أخرى، يقول مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري لـ«الإمارات اليوم»، «إن سلطات الاحتلال تقوم بتكثيف التواجد السياحي الأجنبي والإسرائيلي بالمنطقة، ويتم تغليب التواجد والطابع الأجنبي والإسرائيلي في المكان عوضاً عن التواجد والطابع العربي الفلسطيني المقدسي الغالب على الموقع».

ويضيف: «كما تجري جهات يهودية أعمال حفريات واسعة في المنطقة في ساعات الليل أدت إلى جرف وطمس الكثير من المعالم الإسلامية والعربية، خصوصاً في منطقة مسجد القلعة الذي يتعرض للتهويد.”

 

تويتر