لإبعاد «داعش» وعينها على المقاتلين الأكراد

تركيا تقصف سورية.. ولكن ليس من تريدهم أميركا

صورة

أطلقت تركيا تسمية لمعركة دخولها إلى جارتها سورية، هي «عملية درع الفرات»، وهي تلخص الأولوية القصوى لدى أنقرة، عندما توجهت إلى الحرب في تلك المنطقة، والمتمثلة في منع القوات الكردية من الاستيلاء على شريط من الأراضي المتصلة مع بعضها بعضاً، على طول حدودها الجنوبية.

وكانت هذه العملية الخاطفة، التي بدأت قبيل الفجر يوم الأربعاء الماضي، قد وصفت بأنها طريقة لإبعاد تنظيم «داعش» الإرهابي من مدينة جرابلس السورية، وهي آخر معقل للتنظيم على الحدود ولكن التوقيت والتصريحات الصادرة عن المسؤولين في أنقرة، أوضحت أن تركيا تركز على التهديد الناجم عن تقدم المقاتلين الأكراد، وليس من تنظيم «داعش»، الذي استولى على المدينة منذ عام 2014.

وتم الهجوم التركي بنحو 10 دبابات تركية، وفرقة من قوات العمليات الخاصة التركية، ومئات عدة من الجنود السوريين المعارضين، وجميعهم يتمتعون بحماية طائرات مقاتلة أميركية من «طراز إف 16»، ومقاتلات «إيه 10». وعندما أحكم الجنود السوريون المدعومون من الأتراك قبضتهم على المدينة، تحولت الدعاية الإعلامية المصاحبة للعملية العسكرية نحو ربط ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي المدعومة من الولايات المتحدة بحزب العمال الكردستاني، وهي ميليشيات كردية مقرها في تركيا، وهي تشن معركة دموية منذ عقود عدة ضد أنقرة، للحصول على استقلال الأكراد.

حزب العمال الكردستاني

تشكل حزب «بي كي كي»، وهي الحروف الأولى لكلمات حزب العمال الكردستاني، في نهاية السبعينات في القرن الماضي، كحركة تنادي باستقلال الأكراد، وتستلهم الفلسفة الماركسية اللينينية. وأدى القتال بين هذا التنظيم والحكومة التركية إلى مقتل نحو 40 ألف شخص. ووصلت هذه الحرب إلى ذروتها في تسعينات القرن الماضي، عندما قامت القوات التركية بتدمير المئات من القرى التركية، وأجبرت مئات الآلاف من الأكراد على مغادرة البلد، أو الفرار إلى أماكن أخرى داخل تركيا. وبعد سنوات من الهدوء النسبي، تم التوصل إلى وقف هشٍّ لإطلاق النار بين حزب العمال والحكومة التركية، تم انتهاكه العام الماضي. وقام حزب العمال بشن هجمات على محطات الشرطة والقواعد العسكرية، حيث وظف تكتيكات إرهابية وتفجيرات انتحارية وعبوات ناسفة، وضعت على جانبي الطرق، والتي جميعها أودت بحياة المئات من الأشخاص.

ولا تميز أنقرة بين حزب العمال وميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي، وهي واحد من أكثر حلفاء واشنطن فاعلية في ميدان المعارك في سورية، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة فقط تعتبر حزب العمال مجموعة إرهابية.

وخلاصة القول إن أنقرة تشعر بالقلق من تنظيم «داعش»، لكن قلقها أكبر بكثير من التهديد الذي يشكله أعداؤها الأكراد. وعلى الرغم من هجمات مميتة عدة، ارتكبها التنظيم في تركيا منذ العام الماضي، بما فيها تفجير حفل زفاف قبل أيام، أدى إلى مقتل 54 شخصاً، إلا أن تنظيم «داعش» لا يعتبر خطراً رئيساً بالنسبة للشعب التركي، الذي عانى هجمات إرهابية منذ عقود. لذلك فإن تركيا ترى في الجهود الناجحة للأكراد في الاستيلاء على مناطق واسعة على طول الحدود بين سورية وتركيا، خطراً وجودياً محتملاً للدولة ذاتها. وليس هناك أي زعيم تركي خصوصاً الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو رجل قومي، يرغب في أن توجه له تهمة بأنه سمح للأكراد بإقامة دولة مستقلة على الحدود الجنوبية لتركيا. وقال أردوغان، في فبراير الماضي: «نحن لن نسمح بتشكيل جبل قنديل جديد على حدودنا الجنوبية»، وكان يشير إلى سلسلة جبلية في شمال العراق، حيث يقيم حزب العمال الكردستاني قواعد ضد دولة تركيا.

ويحمل توقيت عملية درع الفرات فوائد سياسية جلية لأردوغان، الذي لاتزال حكومته تترنح من الانقلاب الفاشل في 15 يوليو الماضي، والذي أدى إلى فرض قيود كبيرة على أعدائه الحقيقيين والمتخيلين. وقاد محاولة الانقلاب مجموعة من الضباط العسكريين، وسمحت العملية في سورية لأردوغان بأن يظهر أن قواته المسلحة أصبحت تحت سلطته، وأنه لايزال قادراً على الحفاظ على مصالح تركيا حسب ما قاله أرون شتاين، الخبير من «مجلس أطلانتك البحثي»، الذي مقره في واشنطن. وقال شتاين لـ«فورين بوليسي»، «إن توقيت هذا الهجوم ملائم من الناحية الاستراتيجية والسياسية».

ولطالما حاولت الولايات المتحدة أن تحض تركيا على اتخاذ موقف أكثر حسماً ضد تنظيم «داعش»، وحتى العام الماضي لم يسمح للأميركيين بشن ضربات جوية، انطلاقا من قاعدة إنجرليك في جنوب شرق تركيا. وكانت أنقرة تفضل في معظم الحالات تسليح المجموعات المعارضة للنظام السوري، وفي الوقت ذاته تحث واشنطن على أن تفرض منطقة عازلة على طول حدودها.

وكان الحافز المباشر للعملية التركية في سورية، هو توجه قوات وحدات حماية الشعب الكردية نحو الشمال باتجاه مدينة جرابلس، بعد طردهم تنظيم «داعش» من مدينة منبج الشهر الجاري. ولطالما حث المسؤولون الأتراك والأميركيون الميليشيات الكردية على وجوب خروجها من جرابلس، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي على الحدود التركية. وقالت جينيفر كافاريلا، من «معهد دراسة الحرب»، إن الأكراد المدعومين من القوات الأميركية «ركبوا رأسهم وتوجهوا نحو المدينة، الأمر الذي أثار غضب الأتراك».

وخلال مؤتمر صحافي في أنقرة، عقده يوم الأربعاء الماضي، حذر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن القوات الكردية، وطلب منها مغادرة المدينة. وقال بايدن «أوضحنا للقوات الكردية أنه عليها أن ترجع إلى ما وراء نهر الفرات، وهم لا يمكن أن يحصلوا على الدعم الأميركي، إذا لم يلتزموا بما قلناه لهم».

ووافق الأكراد، يوم الأربعاء، على الانسحاب من منبج، وعادوا إلى نقطة البدء على نهر الفرات، وأحد الأسباب التي جعلت الأكراد يوافقون على الانسحاب من جرابلس، أن قواتهم في منبج أصبحت لأول مرة ضمن مدى المدفعية التركية المرعبة.

ويبدو أن المعركة على جرابلس قصيرة، إذ بعد ساعات عدة من القتال، أعلن الأتراك أنهم طهروا المدينة من «داعش». لكن التقارير الأولية تشير إلى أن مقاتلي التنظيم هربوا إلى مدينة الباب، وهي معقل «داعش» القريب على الطريق نحو حلب.

ويبقى من غير الواضح ما إذا كان الوجود العسكري التركي المحدود سيتمدد حول جرابلس، وما إذا كان الأتراك سيقررون الدخول إلى سورية. ومن الممكن أن تترك القوات التركية بعض الدبابات في المنطقة، لإحباط أي هجوم يقوم به «داعش»، حسب ما يقول الخبراء.

وبينما يقوم الأتراك بدراسة الخيارات المتاحة أمامهم، من المرجح أن يقوم حلفاؤهم، من مقاتلي الجيش السوري الحر، بالتحرك فوراً نحو مدينة الباب، وهي معقل آخر لـ«داعش» في الجنوب الغربي، الأمر الذي سيسمح لأنقرة بقطع الطريق بين اثنين من الجيوب الكردية شرق وغرب نهر الفرات، حسب ما ذكره مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن سونر كاغاباتي.

وعن طريق منع الأكراد من ترسيخ منطقة نفوذ لهم في شمال سورية، تضمن أنقرة أن يظل مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردي عاجزين عن إقامة حكم ذاتي، والذي يمكن أن يمتد على طول الحدود التركية، وفي الوقت نفسه يمنح تركيا منطقة نفوذ داخل سورية. وضم وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو صوته إلى جوقة من المسؤولين الأتراك، مطالبين بتراجع الأكراد إلى ما وراء نهر الفرات، وأضاف مهدداً «حتى الولايات المتحدة تؤيد ذلك، وإلا فإنني أقول بوضوح إننا سنقوم بما يلزم».

تويتر