درج على إطلاق العبارات وأفلام الفيديو الداعية إلى التقارب بين الفلسطينيين والإسرائيليين

الواقع على الأرض يكشف زيــف نتنياهو والرموز الإسرائيلية

عمليات هدم وتدمير منازل الفلسطينيين تكذّب عبارات نتنياهو المنمقة. أ.ف.ب

اتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى وسائل الإعلام الاجتماعية للاعتذار عن عباراته المسيئة في انتخابات العام الماضي، عندما حذر من أن «العرب سيخرجون للتصويت بأعداد كبيرة»، في إشارة إلى أن خُمس سكان إسرائيل هم فلسطينيون. فهل كان نتنياهو يقصد من ذلك السخرية من العرب أم إهانة ذكاء مستمعيه؟ ربما يقصد الاثنين.

ففي فيديو أطلقه، الأسبوع الماضي، باللغتين الإنجليزية والعبرية، حث نتنياهو المواطنين الفلسطينيين ليصبحوا أكثر نشاطاً في الحياة العامة، والعمل «بأعداد كبيرة زرافات ووحدانا»، ويمضي قائلاً «أنا فخور بأن جميع العرب يلعبون دوراً في نجاح إسرائيل». ويرد عليه رئيس حزب القائمة المشتركة التي يسيطر عليها الفلسطينيون، أيمن عودة، بأن 100 ألف من المواطنين البدو لا يمكنهم مشاهدة الفيديو لأن إسرائيل تحرم مجتمعاتهم من الكهرباء، ووصلات الإنترنت وجميع الخدمات الأخرى المشابهة.

حب مفاجئ

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/08/520775.jpg

يبدو أن نتنياهو وقع فجأة في حب مقاطع الفيديو، لشيء في نفسه، فللمرة الخامسة في غضون أشهر، أطلق فيديو، الأربعاء الماضي، استقطب جميع وسائل الإعلام الاجتماعية، وجذب مئات الآلاف من المشاهدين عبر عدد من المنصات في غضون ساعات. ويظهر في هذا الفيديو رجل فلسطيني يحث ابنه البالغ من العمر أربع سنوات، الذي يلوح بعلم، بقذف الجنود الإسرائيليين بالحجارة، وفي الوقت نفسه يطلب من الجنود إطلاق النار على الصبي.

وتحدث نتنياهو في هذا الفيلم بلغة إنجليزية قائلاً إن الفلسطيني دفع ابنه نحو الجنود وصرخ فيهم «اقتلوه، أطلقوا عليه الرصاص» ويصمت الصبي، كان مرعوباً، كحال أي صبي في سنه، التفت للخلف ونظر إلى والده ربما لإرشاده، تقدم الصبي نحو الجنود، مد أحدهم يده للصبي علامة على الصداقة، مد الصبي يده أيضاً للجندي، فمن الصعب أن نجبر صبياً في الرابعة من عمره على الكراهية.

ويبدو أن نتنياهو يريد أن يرد على شريط مصور قبل أسبوع قذف فيه شرطي من حرس الحدود في الخليل دراجة فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات ورماها في الدغل.

عن «جوريسالم بوست»

ويبدو أن الواقع بالنسبة لـ1.7 مليون فلسطيني في إسرائيل مخالف تماماً لعبارات نتنياهو التي تبدو في ظاهرها «جميلة». ففي مقابلة إذاعية، حذر رئيس المجلس الإقليمي للجليل الأسفل، موتي دوتان، جيرانه الفلسطينيين قائلاً «أنا لا أريدهم في المسبح الخاص بي». ويبدو من تحذيره كأنه عمدة مدينة في جنوب الولايات المتحدة خلال عهد جيم كرو، ويضيف: «ثقافتهم الخاصة بالنظافة ليست الثقافة نفسها التي نتبناها، فهل هذه عنصرية؟».

وتعتقد صحيفة «هآرتس» الليبرالية أن دوتان ليس متطرفاً، فهو يمثل التيار الإسرائيلي الرئيس، والجدير بالذكر أن نتنياهو لم ينأَ بنفسه عن تصريحات دوتان. وفي الوقت نفسه، خضعت سمر قبطي، نجمة فيلم جديد عن الفلسطينيين في إسرائيل بعنوان «تقاطع 48»، لاستجواب لمدة ساعتين في مطار بن غوريون، ثم خضعت للتفتيش الشخصي، ومنعوها من حمل أمتعة في يدها قبل أن يتم السماح لها بالسفر إلى مهرجان دولي للأفلام.

قصص الإذلال التي ترعاها حكومة إسرائيل في المطارات، هي عملية روتينية للفلسطينيين الأكاديميين والصحافيين والممثلين وقادة المجتمع - في الواقع، ولأي فلسطيني نشط في المجال العام.

قائمة القيود المفروضة على المواطنين الفلسطينيين طويلة وتتنامى باستمرار، وتوضح قاعدة بيانات فريق «عدالة» القانوني أن نحو 60 قانوناً إسرائيلياً يميز صراحة بين اليهود وغيرهم من غير اليهود، مع 18 قانوناً أخرى في طور الإعداد.

اثنان من هذه القوانين، التي صدرت الشهر الماضي، يجيزان تكثيف قمع المعارضة. كما تمت صياغة قانون للطرد يمكّن النواب الإسرائيليين من طرد النواب الفلسطينيين، إذا كانت وجهات نظرهم تسيء لهؤلاء النواب الإسرائيليين، في حين تمت صياغة قانون للشفافية يقمع جماعات حقوق الإنسان، التي تعمل على حماية حقوق الشعب الفلسطيني. وتكشف بعض البروتوكولات، التي تسربت أخيراً، أن الشرطة قد منحت نفسها سراً صلاحيات لاستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين الفلسطينيين في إسرائيل، حتى لو كانوا لا يشكلون أي خطر. أيضاً هناك قانون آخر يهدد بالسجن أي مواطن فلسطيني يحاول إثناء آخر عن التطوع في الجيش الإسرائيلي.

وتزج إسرائيل في السجن بأعداد متزايدة من المواطنين الفلسطينيين، بما في ذلك الشعراء والكتّاب، أو تضعهم تحت الإقامة الجبرية بسبب ما ينشرونه على وسائل الإعلام الاجتماعي ولا يروق للسلطات الإسرائيلية. وقبل فترة قصيرة قارن وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، أعمال الشاعر الوطني الفلسطيني، محمود درويش، بكتاب «كفاحي»، للزعيم النازي أدولف هتلر، علماً بأن جميع كتب درويش محظورة في المناهج الدراسية.

وربطت وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، في الوقت نفسه، التمويل الحكومي لشركات المسارح والرقص، باستعدادها بأداء نشاطها في المستوطنات اليهودية، التي تقع بصورة غير قانونية في الأراضي المحتلة من الضفة الغربية.

وفي شريط الفيديو الذي نشره يقول نتنياهو: «ينبغي أن يتواصل اليهود والعرب للتعرف على أسر بعضهم بعضاً، وأيضاً الاستماع لبعضهم بعضاً». مع العلم أن مسؤوليه خفضوا إلى النصف التمويل اللازم لتدريب الطلاب الفلسطينيين على مهنة التدريس، لتثبيط هممهم عن الانضمام للسلك التعليمي. وتواجه المدارس اليهودية نقصاً حاداً في الموظفين، لكن العنصرية التعليمية في إسرائيل تمنع المواطنين الفلسطينيين من تعليم الأطفال اليهود.

كما أشاد نتنياهو بحكومته لوعدها بزيادة التمويل للسلطات المحلية الفلسطينية، التي أصبحت شبه مفلسة. ونسي أن يذكر، مع ذلك، أن هذه الزيادة يتم تقديمها للمجالس نفسها التي تهدم آلاف المنازل داخل نطاق تفويضها، وعلى مدى عقود يتعرض الفلسطينيين في إسرائيل بشكل روتيني للحرمان من الحصول على تصاريح البناء. ولم ينخدع المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل بالفيديو الذي نشره نتنياهو، لأن الفلسطينيين، كما أشار قادتهم، ليسوا الجمهور المستهدف، بل المستهدف من هذه السخرية هم الأوروبيون، الذين بدوا غير مرتاحين من الأسلوب القمعي الذي تتبناه إسرائيل على نحو متزايد، والتحريض المستمر من الحكومة ضد الأقلية الفلسطينية. ويخشى نتنياهو من أن يتعرض لرد فعل عنيف في الغرب، بما في ذلك ازدياد زخم حركة المقاطعة ضد إسرائيل، والجهود الأوروبية لإحياء محادثات السلام، والتحركات المحتملة في الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية. ويتعرض الفلسطينيون في إسرائيل لأسوأ أنواع القمع بشكل أفظع مما يتخيله البعض، ودرج الفلسطينيون خلال العقدين الأولين للعيش في إسرائيل تحت ظل الحكم العسكري، وظلوا حبيسين في مدنهم وقراهم وغير مرئيين إلى حد كبير، إلا إذا أذعنوا لما يؤمرون به، ويستطيع الفلسطينيون دخول البرلمان الإسرائيلي لكن بشرط أن يزكيهم حزب يهودي مثل حزب نتنياهو. ويبدو أن اليمين الإسرائيلي يحنّ أكثر من أي وقت مضى إلى تلك الحقبة، فقد بدأت سطوة الحكومة العسكرية تطل برأسها ببطء من جديد في إسرائيل، وأن عطر عبارات نتنياهو المهدئة حول وضع نهاية «للفتنة والكراهية» لن يغطي رائحة العنصرية الكريهة.

جوناثان كوك - صحفي بريطاني معروف بآرائه المعتدلة

تويتر