يجب ألا تتم على أيدي الجنود الغربيين

هزيمة «داعش» تكمن في منح الشبان العرب الأمل

صورة

خلال الجهود العالمية المبذولة للقضاء على تنظيم «داعش» والحركات الدينية المتطرفة العنيفة الأخرى، ثمة عامل مهم يتمثل في الأثر النفسي المترتب على كل من النصر والهزيمة.

ومنذ أن خرج العرب من الأندلس، يشهد المسلمون الهزائم المتلاحقة، وكان آخرها انهيار الامبراطورية العثمانية، وحديثاً شهد العرب هزائم سياسية جعلت فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي، كما أن سورية ومصر خسرتا أجزاء من أراضيهما خلال حرب يونيو عام 1967، في حين أن العراق هُزم مرتين أمام التحالف الدولي، الذي كانت تقوده الولايات المتحدة.

• الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، ترك هروبه من تونس فراغاً لم يتمكن أنصار الربيع العربي من سده.

• أدت القوة والانتصارات السريعة التي حققها «داعش» والمجموعات الأخرى المشابهة، إلى ظهور حركة علمانية جديدة متطرفة بدأت تتشكل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

• الأمر الأكثر أهمية يظل في الطرف الذي سيملأ الفراغ الذي كان يملأه تنظيم «داعش» في المناطق التي كان يسيطر عليها.

وتشجع أيديولوجية «داعش» الشبان المسلمين والعرب بالغي سن الرشد، أن يجدوا في «الخلافة» الموعودة الأمل في النصر، والاطمئنان المزيف بالعودة إلى العصر الذهبي الضائع.

وبناء عليه، فإن هزيمة «داعش» مهمة على مستويين: فمن الناحية العملية تضع حداً للسيطرة المادية على الكثير من المناطق، واحتمال التدريب والتخطيط على الهجمات، وعلى المستوى النفسي فإنها تمثل هزيمة الأيديولوجية المشوهة.

لكن هزيمة «داعش»، بصورة مادية وأيديولوجية، يجب ألا تُترك للاستراتيجيين العسكريين أو الجنود الغربيين، لأنه من المهم تحديد الطرف الذي سيهزم «داعش»، ولكي تكون هذه الهزيمة دائمة، يجب مقارنتها ببديل يتمتع بالصدقية بالنسبة للشبان المتشوقين لأن يكونوا ضمن الفريق الفائز. وإذا لعب العالم الغربي دوراً في صياغة المستقبل بعد هزيمة «خلافة داعش»، فإنه من المهم جداً ألا يدعي الفضل في إحراز مثل هذه الهزيمة، حتى لو أنه لعب الدور الأساسي.

بيد أن الأمر الأكثر أهمية يظل في الطرف الذي سيملأ الفراغ، الذي كان يملأه تنظيم «داعش» في المناطق التي كان يسيطر عليها. وعندما تظاهر الشبان بالآلاف في شوارع تونس والقاهرة، في عامي 2010 و2011، اعتقد العديد منهم أن اللحظة المناسبة لبناء الديمقراطية العربية قد أزفت. ولسوء الطالع فإن العناصر الحقيقية اللازمة للتغيير، كانت تفتقر إلى القدرة والتنظيم لملء الفراغ المتشكل، نتيجة هروب الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وتنحية الرئيس المصري السابق حسني مبارك في مصر.

والمفارقة أن القوة، والانتصارات السريعة التي حققها «داعش» والمجموعات الأخرى المشابهة، أديا إلى حركة علمانية جديدة متطرفة بدأت تتشكل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ظهرت هذه الحركة من خلال الأحاديث التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكما كانت حال المتظاهرين الذين بدأوا الربيع العربي، فإن أنصار هذه الحركة المتعطشين لتحقيق الديمقراطية العلمانية ليست لديهم فرص كبيرة في ملء الفراغ الذي سينجم عن هزيمة «داعش» وابتعاده عن مسرح الأحداث.

وبناء عليه، ثمة حاجة ماسة إلى شراكة جديدة بين القوى الحديثة في العالم العربي (أي المجتمع المدني والناشطون العلمانيون). ويتمثل الشرط الأول لحدوث هذه الشراكة في الاحترام الحقيقي للآخرين ووضع حد للتنافس. ويجب على الشراكة الناجحة أن تحترم البديلين الوحيدين للعنف والتطرف، وأن تستند إليهما، وهما: المشاركة في السلطة، والتعددية. ويجب أن يكون مبرر هذه الشراكة الجديدة الترويج للمبادئ الديمقراطية، واحترام المحافظين المتدينين المعتدلين، الذين يؤمنون بالتغيير التدريجي، وليس الثوري الجذري. لكن هذا ليس كافياً، إذ إن إشباع القلوب دون إشباع الأجسام سيعمل فقط على تأجيل جولة أخرى من المتاعب، إذ لابد من تنفيذ خطة مشابهة لخطة مارشال في أوروبا، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التي يمكن أن تعالج مشكلة البطالة المرعبة التي تواجه الشبان العرب والمسلمين في هذا الأيام.

تويتر