إثر الضغوط التي تزايدت عليها

تركيا تفتح قناة سرية وخلفية مع الأسد

صورة

خلال الشهر الماضي قامت تركيا بتحويل منافسيها القدامى إلى أصدقاء جدد، وفي 27 يونيو أعلن المسؤولون الأتراك عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد ست سنوات من تصدع العلاقة بين الطرفين، إثر حادثة سفينة «مافي مرمرة». وفي اليوم ذاته أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن أسفه لإسقاط طائرة حربية روسية في نوفمبر 2015، الأمر الذي مهد الطريق للدولتين لرأب الصدع بينهما.

إسهام في الصلح بين روسيا وتركيا

هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها بيرنيشك وبيكين في أعمال دبلوماسية، فهما يقولان إنهما لعبا دوراً في التقارب بين تركيا وروسيا. وقال بيكين، الذي زار روسيا، في ديسمبر، مباشرة بعد إسقاط الطائرة الروسية: «جاءنا رجال أعمال مقربون من أردوغان، وطلبوا منا تحسين العلاقات مع روسيا». والتقيا مع شخصيات مقربة من الكرملين، أبلغتهما أن موسكو تنتظر من أنقرة إشارات تبدو كأنها اعتذار، وبعد هذا اللقاء اعتقلت السلطات التركية الرجل الذي قالت روسيا إنه قتل الطيار الروسي الذي سقطت طائرته. وقال بيكين: «قمنا بإسهام مهم في عملية المصالحة بين روسيا وتركيا، حيث أراد الطرفان منا مواصلة هذه العملية».

وكانت تركيا قطعت جميع العلاقات مع سورية في سبتمبر 2011، بعد أن رفض الأسد إجراء إصلاحات داخلية بهدف نزع فتيل الاحتجاجات المتصاعدة ضد حكمه. ومنذ ذلك الوقت، تقوم تركيا بدعم المعارضين السوريين الذين يهدفون إلى الإطاحة بنظام الأسد، كما أنها تستضيف نحو 2.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها. ويدّعي حزب يساري قومي صغير أن أزمة اللاجئين المتصاعدة، والحملة العسكرية الروسية القوية في سورية، والتحرك القوي للميليشيات الكردية للاستيلاء على الأراضي السورية، لم تترك لتركيا الكثير من الخيارات سوى التصالح مع نظام الأسد. وفي واقع الأمر يدّعي قادة هذا الحزب أنهم يحملون الرسائل ما بين الأتراك والحكومة السورية.

والحزب المذكور هو «حزب الوطن»، وهو عبارة عن حركة قومية تتميز بمعاداتها للغرب والأميركيين، ويرأس الحزب، دوغ بيرنشيك، وهو سياسي اشتراكي معروف في تركيا، في حين أن نائب رئيس الحزب هو اللواء إسماعيل هاكي بيكين، وهو قائد سابق للمخابرات العسكرية التركية. وأبلغ بيرنشيك وبيكين مجلة «فورين بوليسي» بأنهما اجتمعا مع أعضاء في الحكومات الروسية والصينية والايرانية والسورية، خلال العام الماضي، ونقلا الرسائل التي تلقياها خلال هذه الزيارة إلى مسؤولين كبار في الجيش التركي ووزارة الخارجية.

وربما يبدو بيرنشيك وبيكين، وهما قائد اشتراكي وجنرال عسكري، شخصين متناقضين. وبدأ تعاونهما السياسي عندما كانا نزيلين في السجن، إذ إن الرجلين اعتقلا عام 2011 في ما يتعلق بقضية «ايرجينكون»، التي يقال إنها شبكة ترجع إلى «الدولة العميقة» كانت تخطط للقيام بانقلاب على الحكومة المنتخبة.

ويشترك الرجلان في وجهة النظر السياسية الكمالية، التي تستند إلى التمسك الشديد بالعلمانية والقومية التركية، إضافة إلى «رفض الإمبريالية»، الأمر الذي جعلهما يتشاركان في القلق من النفوذ الأميركي والغربي على السياسة التركية. وفي عام 2016 ألغت محكمة الاستئناف العليا الأحكام الصادرة في قضية «ايرجينيكون»، وقالت المحكمة إن منظمة «ايرجينيكون» الإرهابية غير موجودة أصلاً، وإن الدليل المستخدم ضد المدانين غير شرعي.

والتقى بيرنشيك وبيكين مع الأسد في دمشق في فبراير 2015. وخلال هذا الاجتماع اتفق الطرفان على «حاجة تركيا وسورية إلى محاربة الانفصاليين والمجموعات الإرهابية المتطرفة»، وتلت ذلك زيارات عدة قام بها أعضاء من الحزب إلى دمشق، والتقوا مع مسؤولين كبار، بمن فيهم وزير الخارجية وليد المعلم، ونائبه فيصل مقداد، ورئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك، ومدير المخابرات العامة محمد ديب زيتون. وكانت الفكرة الرئيسة لهذه الاجتماعات تدور حول كيفية إعداد الأرضية الملائمة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية التركية ـ السورية، والتعاون السياسي، حسب ما قاله بيكين.

وقال بيكين إنه، عن طريق اجتماعه مع مملوك، وصل مباشرة إلى قمة الهرم السياسي في الدولة السورية. وأضاف بيكين «مملوك كان يستأذن بين الحين والآخر، ليخرج إلى غرفة مجاورة ويتصل مباشرة مع الأسد». ويضيف بيكين «بعد 18 شهراً من هذه الزيارات شعر بأن ثمة تحولاً في موقف المسؤولين الأتراك». وأكد مسؤول رفيع في وزارة الخارجية التركية أنه التقى مع بيكين، بيد أنه أنكر بشدة أن حكومته تتفاوض مع نظام الأسد. وقال معلقاً: «إننا نستمع للجميع الذين يمتلكون معلومات عن مناطق الصراع، لكن ذلك لا يعني أن تركيا تتفاوض مع نظام الأسد».

لكن بيكين وبيرنشيك يعتقدان أن القوة المتنامية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، الذي استولى على مناطق شاسعة في شمال سورية على طول الحدود التركية، ربما أقنع المسؤولين الأتراك بتغيير رأيهم. ومن المعروف أن هذا الحزب هو امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

ويقول رئيس حزب الوطن ونائبه، إن حزب الاتحاد الديمقراطي يعتبر عدواً مشتركاً للدولتين، وقال إن بشار الأسد أبلغهما بأن هذا الحزب الكردستاني خائن، وقال إنه لن يتهاون مع مجموعة انفصالية مثله. وقال بيكين وبيرنشيك إن حزب الاتحاد يتلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة، والطريقة الوحيدة لمواجهته هي بناء علاقات مع دول إقليمية، بما فيها نظام الأسد.

وعلى الأقل هناك بعض المسؤولين الأتراك الذين يؤيدون وجهة النظر هذه، وقال مسؤول كبير من حزب العدالة والتنمية الحاكم لوكالة «رويترز» في 17 يونيو: «الأسد قاتل، فقد ذبح شعبه، لكنه لم يؤيد حكماً ذاتياً للأكراد»، بيد أن العديد من كبار المسؤولين يرفضون الادعاء الذي يفيد بأن تركيا تغير موقفها من نظام الأسد. وقال أحد المسؤولين لـ«فورين بوليسي»: «إن فكرة التعاون مع الأسد تبدو سخيفة، إذ إنه غير قادر على حماية حيّه الذي يسكن فيه، فكيف يستطيع محاربة حزب الاتحاد الكردستاني».

وفي حقيقة الأمر فإن التغير في السياسة الخارجية، نحو روسيا وإسرائيل، ينسجم مع التغير في أنقرة ذاتها. فبعد خلافات كبيرة بين أردوغان ورئيس حكومته أحمد داوود أوغلو، قدّم هذا الأخير استقالته في الرابع من مايو الماضي، وتم استبداله بابن علي يلدريم، الذي أوضح منذ البداية أنه لن ينتهج سياسة خلفه. وقال يلدريم في 11 يوليو الجاري «سنواصل تحسين العلاقات مع الجيران، وليس هناك أي سبب لمحاربة العراق وسورية ومصر، لكننا نريد مزيداً من التعاون».

وكان التوازن بين اللاعبين الأمنيين المختلفين في تركيا قد تغيّر. وذكرت صحيفة «وول ستريت» أن الجيش التركي يستعيد هيمنته على السياسة، في الوقت الذي يتصاعد التهديد الأمني الإقليمي. ومنذ عقود عدة كانت القوات المسلحة تسيطر بصورة مباشرة على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً، وقامت بأربعة انقلابات لحماية امتيازاتها السياسية. وفقد الجيش نفوذه في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، بيد أن الطلاق البشع بين هذا الحزب وحركة غولين عام 2013 أدى إلى تقوية المؤسسة القديمة، وخير دليل على ذلك، فشل المحاولة الانقلابية الخامسة التي وقعت ضد حكومة أردوغان يوم الجمعة ليل السبت الماضيين. علماً بأن مسؤولاً في حزب العدالة والتنمية كان قد صرح قبل المحاولة الانقلابية الأخيرة، بأنه وقعت «حوادث مؤسفة سابقاً بين الحكومة والجيش، لكن العلاقة بين الطرفين أصبحت صحية حالياً»، مضيفاً أن «التنسيق بين الحكومة والجيش تعزَّز خلال السنوات الأخيرة».

ومن المعروف أن الجيش التركي يشعر بالقلق من سياسة بلاده إزاء سورية، وقال مسؤول حكومي كبير معني بالسياسة التركية نحو سورية، إن الحكومة كانت تريد إنشاء منطقة آمنة، لكن الجيش رفض ذلك، وقد يكون هذا سبباً، من بين أسباب أخرى، للمحاولة الانقلابية الأخيرة الفاشلة.

تويتر