بسبب إفرازات الخروج من الاتحاد الأوروبي

تيريزا ماي تواجه عقبات سيــاسية تهدَّد وحدة بريطانيا

صورة

تستعد رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، تيريزا ماي، لقيادة البلاد، بدلاً من رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، الذي تنحى عن منصبه في أعقاب فشل معسكره في الاحتفاظ ببريطانيا داخل حظيرة الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن لدى ماي فرصة في أن تترك بصماتها على أمة على أعتاب مرحلة جديدة. إلا أن صورتها الحذرة في ذهن الجمهور البريطاني، وصعودها السريع دون منازع في أعقاب الفوضى السياسية، التي أعقبت عزم البلاد مغادرة الاتحاد الأوروبي، قد جعلا المؤيدين والمعارضين لها يفتقرون - على حد سواء - إلى رؤية واضحة، بشأن ما إذا كانت تستطيع تولي هذا المنصب بجدارة أم لا.

تكنوقراطي نشط

الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، هو أن تعهد ماي بالمفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وحكومتها، ليس إلى وزير الخارجية الجديد، أو بالضرورة إلى وزارته، لكن إلى شخص آخر يؤمن بالخروج من الاتحاد الأوروبي، مؤهل ومقتنع، يتمتع بتفويض كامل، ليس من طراز المسؤولين القديم، مثل وزير الدفاع الأسبق، ليام فوكس، أو المسؤول البارز في حزب المحافظين، ديفيد ديفيس، ولكن لأحد التكنوقراط النشطين، مثل عضو البرلمان الأوروبي، دانيال هنان، الذي يعرف شؤون التجارة والهجرة في الداخل والخارج.

ويبدو أن المهمة التي أمامها شاقة جداً، إذ تقع عليها مسؤولية التفاوض بشأن شروط انسحاب البلاد من التكتل الأوروبي، بطريقة تقلل الضرر الاقتصادي الذي قد تتعرض له البلاد، وفي الوقت نفسه تسعى للحفاظ على النفوذ البريطاني على الساحة العالمية.

وتواجه رئيسة الوزراء الجديدة الضغوط في ما يتعلق باستمرار وجود المملكة المتحدة بشكلها الجيوسياسي الحالي، مع تطلع أسكتلندا مرة أخرى للاستقلال عن البلاد، ومحاولة بعض الجمهوريين في إيرلندا الشمالية استخدام «خروج بريطانيا» مبرراً للانفصال عن الاتحاد البريطاني.

وتواجه ماي، مثلها مثل القادة على جانبي المحيط الأطلسي، القوى السياسية الشعبية، التي تتحدى الأيديولوجيات التقليدية الصعبة والتحالفات الانتخابية. إلا أن الظروف توفر لها أيضاً مجالاً كبيراً للمناورة، حيث إن كل شخصية من كبار الشخصيات في حزب المحافظين الحاكم، قد تعرضت إما للتهميش أو الخطر السياسي، خلال مرحلة الاستفتاء على الاتحاد الأوروبي، ما ترك فراغاً في القيادة استطاعت هي أن تحتله الآن بدعم من مختلف العناصر العنيدة في الحزب. وفي الوقت ذاته يبدو أن حزب العمال المعارض في حالة من الفوضى وعرضة للانقسام.

وخلال ظهورها في خضم التسلسل السريع للأحداث يوم الإثنين، والذي مهد الطريق لها لتولي السلطة، أكدت أن حكومة المحافظين ستسعى لمعالجة الأسباب الكامنة وراء التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي، ووعدت بأنها ستعالج القلق والإحباط، اللذين أصابا البريطانيين، الذين شعروا بأنهم تخلفوا عن ركب العولمة، بما في ذلك عدم المساواة.

يقول أستاذ العلوم السياسية في كوين ماري، بجامعة لندن، فيليب كاولي «يبدو أن بعض خصومها من القيادات داخل حزب المحافظين همشوا أنفسهم، أو عرضوا مراكزهم للخطر، ولهذا أصبحت لديها فرصة واضحة»، ويعتقد أيضاً أن حزب العمال «تقريباً في أزمة وجودية، وأن الذين يتحدثون عن انقسامه المحتمل ليسوا بعيدين عن الحقيقة». ويعتقد كاولي أن ماي تواجه تحديات هائلة، لكنه أضاف أن هناك قاعدة ذهبية في السياسة البريطانية، هي: «ينبغي ألا نقلل من شأن تيريزا ماي».

وتعتبر ماي، المولودة لأحد رجال الدين، مجددة في حزب المحافظين، حتى قبل توليها وزارة الداخلية. ففي عام 2002، لفتت نظر نشطاء حزب المحافظين بأنهم يجعلون من الحزب «حزباً قذراً».

ومع ذلك، فإن مسألة رحيل بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستحدد حتماً مدى جدارة ماي بمنصب الرئاسة، لأن مهمتها الأساسية في هذا الشأن هي التفاوض على علاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي. وقد ذكرت من قبل أن نتيجة الاستفتاء ستكون الكلمة النهائية حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أنها عازمة على التحرك بحذر، لأنها من ناحية وقفت إلى جانب أولئك الذين يرغبون في البقاء في الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن جميع خطواتها ستكون مرصودة بشكل وثيق من قبل أعضاء حزبها، الذين كانوا ينادون بمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي.

الأمر الأكثر أهمية، هو متى ستبدأ الحكومة في التفاوض رسمياً مع أوروبا، بشأن تطبيق أحكام المادة 50 من معاهدة لشبونة، والتي تمنح العضو المنفصل مهلة لمدة عامين للتوصل إلى اتفاق بشأن الانسحاب. ويبدو أن ماي لا تخطط لمغادرة الاتحاد الأوروبي بسرعة، لأن ذلك يمكن أن يضع المفاوضين البريطانيين تحت الضغوط، ويجعلهم في وضع غير مناسب.

بعض أنصار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي يريدون التحرك بسرعة، من أجل الالتزام بنتيجة الاستفتاء. ويقول زعيم «حزب الاستقلال» المستقيل، ناجل فاراج، الذي يؤيد الخروج من الاتحاد الأوروبي، في بيان له: «لكي نفي بتعهداتنا لأكثر من 17 مليون ناخب، يرغبون في مغادرة بلادهم الاتحاد الأوروبي، ينبغي على ماي أن تفعّل المادة 50 في أقرب وقت ممكن فعلياً»، مضيفاً أن «حزب الاستقلال سيراقب مثل الصقر، أنه لا يوجد أي تراجع في هذا الخصوص». أحد التحديات التي تواجه ماي، هو أن البلاد لم تصوت على خطة محددة، تحل محل علاقة بريطانيا الحالية مع أوروبا.

ويقول كاولي إن «المشكلة هي أن لا أحد يعرف ماذا يعني الخروج من الاتحاد الأوروبي، فأي شيء تفعله في هذا الخصوص ربما خيب آمال شخص آخر، ربما لأنها قد تجعل الهجرة مقيدة تقريباً»، ويضيف «بعض من أولئك الذين صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي، يتوقعون تخفيضات كبيرة في الهجرة - أو حتى عودة البريطانيين إلى أوطانهم».

على الرغم من أن ماي معارضة للخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها وعدت باحترام نتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما جعلها تحظى باحترام القادة الأوروبيين. وتقول في هذا الصدد «سوف نحقق نجاحاً من هذا الموقع (تعني الخروج)، لن تكون هناك محاولات للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولا محاولات للانضمام إليه من الباب الخلفي، ولا عن طريق استفتاء ثانٍ».

وربما عبر قادة الاتحاد الأوروبي عن امتنانهم لماي على هذا الوضوح، على الرغم من أنهم يفضلون أن تفعل الحكومة الجديدة المادة 50 في الحال، ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يفكر في المملكة المتحدة في مرحلة ما بعد الخروج، وعلى المملكة المتحدة أيضاً أن تحذو الحذو نفسه. الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، هي أن تعهد ماي بالمفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وحكومتها، ليس إلى وزير الخارجية الجديد، أو بالضرورة إلى وزارته، لكن إلى شخص آخر يؤمن بالخروج من الاتحاد الأوروبي، مؤهل ومقتنع، يتمتع بتفويض كامل، ليس من طراز المسؤولين القديم، مثل وزير الدفاع السابق ليام فوكس، أو المسؤول البارز في حزب المحافظين ديفيد ديفيس، لكن لأحد التكنوقراط النشطين، مثل عضو البرلمان الأوروبي دانيال هنان، الذي يعرف شؤون التجارة والهجرة في الداخل والخارج.

وحيث إنها غادرت لتوها وزارة الداخلية، قد تميل ماي إلى معالجة مشكلات الشؤون القضائية، وتقاسم المعلومات الاستخباراتية، ومذكرات الاعتقال الأوروبية، وما شابه ذلك، كما أنها قد ترغب أيضاً في الاضطلاع بملف «حرية الحركة».

وبالتأكيد ستنظر بعين الاهتمام للعلاقات الوثيقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وأستراليا ودول الكومنولث، ودفعها نحو الأفضل، والتعامل أيضاً مع إرث بريطانيا في حروبها الأخيرة في أفغانستان والعراق وليبيا، وربما تلقي نظرة جديدة على الخلافات القديمة، التي لم تحل حتى الآن (الأرجنتين، وجبل طارق)، والمزيد من التوترات المختلفة، مثل (الملاذات الضريبية في مناطق التعهيد).

تويتر