قوى سياسية تتخوّف من تأثيرها في الحرية السياسية.. وأخرى ترى الأولوية لدعم الأمن القومي

ضوابط جديدة لاتصال الأحزاب المصرية بالخارج وتلقّيها تمويلات أجنبية

صورة

أيّدت أحزاب سياسية مصرية بيان «لجنة الأحزاب» الذي صدر أخيراً، والذي حدد ضوابط جديدة لاتصال هذه الأحزاب مع الخارج، وتلقي تمويلات أجنبية، معتبرة أن هذه الضوابط ضرورية لصيانة الأمن القومي. واعترضت أحزاب على منطوق هذه الضوابط وتخشى أن تؤدي، بصيغتها الحالية، إلى تقليص حركة الأحزاب، وتهديد الحريات السياسية. وقال محللون إن هذه الضوابط مؤقتة ومرتبطة بظروف عدم اكتمال البنيان التشريعي في البلاد، فيما تشدد آخرون في ضرورة إقفال هذا الباب منعاً لتكرار تجربة المنظمات الحقوقية وأزماتها مع السلطة، في ما يتعلق بثنائية التمويل والاتصال بالخارج.

تنظيم العلاقة بين الدولة والأحزاب

من خارج إطار الأحزاب السياسية، قال نائب رئيس هيئة القضاء العسكري السابق، والمرشح البرلماني لحزب المؤتمر في الانتخابات الأخيرة، اللواء طه سيد طه، لـ«الإمارات اليوم»، إنه من حق الدولة المصرية أن تحمي أمنها القومي بشكل متوازٍ على جميع الصعد، ومن ذلك اتصال قوى سياسية وجماعات وأفراد وهيئات وجماعات حقوقية بالخارج، وذلك لتحمي نفسها وتحمي شعبها وتحمي هؤلاء المتصلين أنفسهم.

وأضاف أن صدور ضوابط من لجنة شؤون الأحزاب «مهم جداً، حتى تصبح هناك مرجعية يتم الاحتكام إليها بين القوى السياسية المختلفة والقانون، بحيث يعرف كل طرف ما له وما عليه، وتنظيم هذه العلاقة لا يُغضب أحداً».

واعتبر اللواء طه أن قضية التمويل الأجنبي لجماعات وأحزاب من أخطر القضايا التي يمكن أن تواجه أي دولة، وأشار في هذا السياق إلى أزمة المنظمات الحقوقية في مصر في السنوات الاخيرة.

 

وأعلنت لجنة شؤون الأحزاب، نهاية الأسبوع الماضي، ضوابط جديدة تحدد قواعد العلاقة بين الأحزاب المصرية ونظيراتها الأجنبية، وشددت هذه الضوابط على أن لا تكون هذه اللقاءات سرية، وأن تتم بعلم جهات الدولة المسؤولة المختلفة وبأجندات واضحة معلنة، مع امتناع الأحزاب عن قبول أي تمويلات أجنبية، إلا إذا كانت منحاً تدريبية مرتبطة بشكل وثيق بأهداف ومبادئ الحزب، وبوسائل تحقيقها، وأن لا يتم ذلك إلا بعد أخذ موافقات الجهات المعنية في البلاد، على أن لا يكون لهذه الأحزاب والتنظيمات السياسية الأجنبية موقف معادٍ لمصر أو تعمل على المساس بالمصالح القومية المصرية، وألا يكون لتلك الأحزاب الأجنبية ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، أو لها علاقة بأعمال تمس سيادة الدول الأخرى، وأن تكون هناك أهداف واضحة ومحددة ومقننة لتلك العلاقات.

ورحبت قوى سياسية بهذه الضوابط، وكان لافتاً أن بعضاً من هذه القوى طالبت بالمزيد منها، مذكرة بأنها (هذه القوى) طالبت بها منذ فترة طويلة.

وقال أمين عام حزب مصر العربي الاشتراكي، اللواء وحيد الأقصري، لـ«الإمارات اليوم»، إن هذه الضوابط مهمة جداً لحماية الحياة السياسية الحزبية، ويجب رصد أي محاولات لاختراقها من الخارج.

وأضاف: «موقفنا سبق الموقف الحكومي بأننا ضد التعامل مع الجهات الأجنبية، وضد السماح لأي كيان داخل مصر بتلقي تمويل أجنبي، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، هذا الباب يفتح على مصراعيه ما يهدد الأمن القومي المصري، فالجهات المانحة لها، الأجنبية، والغربية خصوصاً، لها أجنداتها».

وحول لقاء الأحزاب بقوى سياسية أجنبية، قال الأقصري: «الوطن ليس بحاجة إلى فتح أبواب خلفية، يمكن لمن يريد أن يلتقي أحداً من الخارج، لكن بعد أن تحدد الدولة تماماً ما يطمئنها في ذلك، وأن تعلم تلك الأحزاب بمن تلتقي وماذا تقول أثناء اللقاء».

وأشار إلى أن «حزبه، على سبيل المثال، يلتقي بسفير كوريا الشمالية في القاهرة بوصف الحزب (حزب العمل الاشتراكي) يجتمع مع الحزب الحاكم في كوريا الشمالية في التوجه الاشتراكي، لكن هذا يتم بموافقة ومراقبة ومتابعة السلطات، وفي ظلال وارفة من الشرعية».

ورداً على سؤال حول تصوره للمستجدات التي دفعت لإصدار بيان شؤون الأحزاب في الوقت الراهن، قال الأقصري إنه «ليس لديه معلومات كافية، فلربما نما لعلم صانع القرار تحركات هنا أو هناك، لكني لا أجد غضاضة في إعلان هذه الضوابط وإلزام الأحزاب بها، فلايزال هناك قصور في قانون الأحزاب السياسية، لعدم تضمنه صياغات محكمة لمنع أي لبس بهذا الخصوص، وليس عيباً أن تحاول (شؤون الأحزاب) تعزيز القانون بهذه الضوابط».

وفي الاتجاه ذاته، أصدر حزب «الجيل الديمقراطي» بياناً قال فيه إن هذه الضوابط «تأخرت كثيراً، وسبق أن طالب بها حزب الجيل أكثر من مرة، وطالب بمنع أي تمويلات أجنبية، سواء من أحزاب أجنبية أو دول أجنبية أو عربية»، ورفض حزب الجيل في بيانه سماح لجنة شؤون الأحزاب بالتمويل الأجنبي، إذا كان على شكل منح تدريبية.

وقال «إن هذا الاستثناء يفتح علينا أبواب جهنم، ويكون ثغرة ينفذ منها التمويل الأجنبي بكل آثاره التخريبية على بلادنا».

وأيد حزب الشعب الجمهوري هذه الضوابط، وقال إن الحزب يقتصر في لقاءاته الأجنبية على «السفراء والمعتمدين دبلوماسياً من قبل الدولة المصرية»، فيما قال القيادي في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، عاطف مغاوري، في تصريحات خاصة لـ«صدى البلد»، إن هذه الضوابط لا تشكل أي قيود على حرية الأحزاب، خصوصاً أنه لابد من أن تكون هناك علانية لأنشطة الأحزاب على مستوى الأجهزة المختصة والرأي العام، لأن أي إخفاء لهذه الأنشطة يعنى وجود شيء تريد الأحزاب إخفاءه.

على صعيد متصل، أبدى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي دهشته من بيان لجنة شؤون الأحزاب في هذا التوقيت بالذات، والذي تحتاج فيه الأحزاب إلى مزيد من المساحات لدعم حراكها وتفاعلها داخلياً وخارجياً.

وقال الأمين العام لحزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد، لـ«الإمارات اليوم»: «إنني لم أفهم في البداية مبررات لجنة شؤون الأحزاب لإصدار هذه الضوابط الآن، هل حدث شيء معين، وما هو وما حدوده، وهذه أبسط قواعد الشفافية المطلوبة للحياة الحزبية».

وأضاف: «الطبيعي أن تمارس الأحزاب نشاطها بشكل عادي، وإذا حدث منها تجاوز تخضع للقضاء والقانون لمحاسبتها، والقول إن الأحزاب يجب أن تجري لقاءاتها علانية لم يضف جديداً، فهذا بديهي، نحن لسنا في أحزاب سرية، وعملنا يتم تحت كل الكشافات وإلا كنا نتآمر». وقال: «كذلك القول بعدم تلقي تمويلات اجنبية أيضاً بديهي بحكم القانون الذي مفترض بداهة اننا ملتزمون به، لذا لا أرى أن هذه الضوابط تضيف أي جديد عما حدّده القانون».

واستطرد الزاهد «أنا أخشى أن يتم استخدام هذه الضوابط في ترويع القوى السياسية، وإشعارها بأن هناك من يتصيد بها».

وأكد أن المشكلة الحقيقية في المشهد المصري حالياً «هو الفقر الشديد جداً في تواصل الأحزاب المصرية مع نظيرتها العربية والعالمية، ما يحول دون توصيل صورة حقيقية عن الشعب المصري ونضالاته، ونحن لو كنا راغبين حقاً في تطوير المواجهة ضد الهيمنة الغربية وضد المشروعات التكفيرية والطائفية لشجّعنا التواصل».

تويتر