اعتبرها الناصريون واليسار «أيقونة».. ونفاها السادات.. وواجهت مبارك و«الإخوان»

شاهندة مقلـد.. ثائــرة أوقـفـت موكب عبدالناصر وجيفارا لتنقـل مطـالب الفلاحين

صورة

ودَّعت مصر، الأسبوع الماضي، المناضلة السياسية شاهندة مقلد، التي توفيت عن عمر يناهز الـ78 عاماً، وارتبطت باسم «معركة كمشيش ضد الإقطاع» في الريف المصري بالستينات، واجهت شاهندة مقلد «الدولة العميقة» المعطلة لخطوات عبدالناصر في الستينات، وعاشت أيضاً ملاحقة نظام السادات لها، ونفيها إلى الإسكندرية، ثم اعتقالها في السبعينات، كما عارضت أيضاً نظام مبارك منذ الثمانينات، وأنهت حياتها بمعركة هي الأشد مع نظام «الإخوان المسلمين»، ما انتهى باعتداء بدني عليها.

يا شاهندة خبرينا.. يا أم الصوت الحزين

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/06/8ae6c6c554dc142601552c0df67f0f97.jpg

كتب لها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم واحدة من أجمل قصائده وهي في السجن، قال لها فيها: «يا شاهندة خبرينا، يا أم الصوت الحزين، يا أم العيون جناين، يرمح فيها الهجين، إيش لون سجن القناطر، إيش لون السجانين، إيش لون الصحبة معاكي، نوار البساتين».

وقد وثق فيلم «أربع نساء من مصر»، للمخرجة تهاني راشد، في النضال والسجن، تجربة شاهندة مقلد هي وصافيناز كاظم، ووداد متري، وأمينة رشيد. كما صدر كتاب بالألمانية عن تجربتها، تحت عنوان: «لم أنكسر» للكاتب جيرهارد هازه - هاندنبيرغ. ومزج الكاتب في سرده بين الماضي وأحداث الثورة التي أطاحت نظام مبارك، والحديث عن الوضع الراهن.

لمع اسم شاهندة مقلد - المولودة عام 1938، لوالد يعمل ضابطاً بالبوليس، هو القائمقام عبدالحميد مقلد، وضمن أسرة تتألف من 14 فرداً، تنقلت بين محافظات مصر المختلفة بسبب ميول الوالد الوفدية - بعد معركة كمشيش الشهيرة في مصر عام 1966، حينما أرسل زوجها الشهيد صلاح حسين عريضة باسم فلاحي القرية، لإقامة مستشفى في مبنى يمتلكه أحد كبار الملاك من عائلة الفقي، فتحول إلى معركة كبرى انتهت باغتيال صلاح حسين، واتهام الإقطاع بالمسؤولية عن دمه.

واصلت شاهندة – كما تروي في مذكراتها – معاركها مع الفلاحين، بعد سقوط زوجها وابن عمها الذي تزوجته بعد قصة حب، والذي مثل أسطورة في القرية بعد هروبه للمشاركة في حرب فلسطين، ولفتت أنظار الصحافة المصرية والعالمية، حينما قطعت موكب عبدالناصر مع تشي جيفارا أثناء زيارتهما كمشيش، وقدمت لهما عريضة لمطالب الفلاحين في قريتها، بعد أن رفعوا لافتة مكتوباً عليها: «نحن معزولون عنك منذ سنوات يا جمال عبدالناصر.. وممنوعون من الكلام معك.. ونحن نمثل هنا قريةً ثورية، ونقف إلى جانبك».

وعندما توقفت سيارة عبدالناصر عند الجسر، اقتربت منه، وصافحته وضيفه، وسلمت الرئيس رسالة من الفلاحين، ثم خاطبت جيفارا بالقول: «نحن فلاحو قرية كمشيش الثورية»، فوقف «تشي» ورفع قبضته تحيةً لها، فأطلق الفلاحون عاصفة من الهتافات والتصفيق دون أن يعرفوا هوية الضيف الثوري. وقد تحولت القرية (كمشيش) بعد هذه الواقعة إلى مزار عالمي، يحضر إليها كبار الشخصيات العالمية، ومن هؤلاء كان الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر، وصديقته سيمون دي بوفوار اللذان زارا القرية، بعد قراءة تحقيق عنها، كتبه الصحافي الفرنسي الشهير إريك رولو.

ويروي منسق اتحاد مزارعي قصب السكر، والقيادي بحزب «العيش والحرية» موسى أبوقرين، والذي سمى ابنته باسم ابنة كمشيش شاهندة مقلد، لـ«الإمارات اليوم»، أن «شاهندة لم تكن ناشطة تلفزيونية أو استعراضية على شاكلة ما نرى هذه الأيام، إنما مؤمنة بضرورة أن ينزل السياسي إلى بسطاء الناس ويبقى معهم، وأن يترك العاصمة القاهرة ويذهب إلى حيث الأطراف والمهمشين، وقد انبهرت بشاهندة حينما جاءت الصعيد لتشكل اتحاد فلاحي مصر، في ذروة ملاحقة نظام السادات لها، وكان وجودها ملهماً لنا جميعاً، إذ ساعد في تكليل عملنا بالنجاح».

ويتابع أبوقرين إن «شاهندة كانت واحدة من قليلين، ممن هاجموا زواج السلطة بالمال في السنوات الأخيرة من نظام مبارك، كما أنها كانت تناضل حتى حزبها ذاته، حيث انتقدت تحوله إلى حزب سياسي تقليدي، وعدم تبنيه سياسات ثورية جذرية حسب تصورها، وكانت امرأة قوية جداً على المستوى الشخصي، إذ تحملت موت زوجها ثم شقيقها في حرب الاستنزاف، ثم ابنها في حادث غامض بروسيا».

وقال زعيم حزب التحالف الشعبي، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ورفيق شاهندة في محطات مختلفة من حياتها، عبدالغفار شكر، إن «نضال شاهندة المباشر مع الفلاحين، كان سبب نفيها من كمشيش إلى الإسكندرية في عهد السادات، ثم سجنها بعد ذلك، بتهمة الانضمام لتنظيمات سرية».

وشدد شكر على أن «شاهندة تختلف عن غيرها من الرائدات، فهي لم تركز فقط على حقوق المرأة، وإنما ناضلت من أجل كل الكادحين والمستضعفين، ومن أجل استقلال ورفعة الوطن».

وقالت مديرة منظمة المرأة العربية، السفيرة ميرفت التلاوي، إن «وفاة المناضلة شاهندة مقلد تعد خسارة كبيرة وفادحة للمجتمع المصري والعربي، كونها كانت تحلم دائماً بوطن يسود فيه العدل، وتطبق فيه العدالة اﻻجتماعية، وظلت تناضل من أجل ذلك طيلة حياتها».

وقالت القيادية بـ«الحزب الاشتراكي المصري»، مروة البليهي، إن شاهندة مقلد كانت أكثر من فهموا طبيعة الأحداث الممتدة بعد 25 يناير، حيث وصفتها بأنها «مجرد بداية لثورة لن تنتهي، حيث كانت تشدد على أن الـ18 يوماً تطلق شرارة ثورة، لكن لا تشكل ثورة». وتضيف البليهي «شاهندة عاشت حياتها تجارب كبرى، مثل معركة كمشيش، وتأسيس حزب التجمع الوحدوي مع خالد محيي الدين، ثم الانتقال من اعتقال إلى مطاردة إلى نفي، فقد اعتقلت عام 1971، وحرمت خوض انتخابات الاتحاد الاشتراكي، ثم نفيت للمرة الأولى، ثم اعتقلت عام 1975، لتودع بسجن مصر الرهيب يومها (سجن القلعة)، ثم اعتقلت في أعقاب انتفاضة 1977، وأخيراً اعتقلت في حملة سبتمبر 1981، وقد صقلتها هذه الاعتقالات، وجعلت مفاهيمها السياسية أكثر عمقاً وتبلوراً، وشكلت إدراكها بأن قضية التغيير ليست مسألة سهلة».

وقال أمين الحزب الاشتراكي، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان «إن رفاق شاهندة لن ينسوا ما اتسمت به من روح إنسانية دافئة، وعواطف رفقة صادقة، وتعاطف وجداني خالص، ليس مع أصدقائها ورفاق نضالها وحسب، وإنما مع كل من تعاملت معهم، حتى إن اختلفوا مع مواقفها، أو غايروها في الفكر والأيديولوجية، ولسوء الحظ غادرتنا المناضلة العزيزة، في وقت أشد ما نكون فيه، نحن وبلادنا، بحاجة لها، ولأمثالها من القامات الشامخة، التي عركتها التحديات، وتصلب عودها في لهيب المعارك، الطبقية والسياسية والفكرية».

من جانب آخر، ورغم اعتبار شاهندة مقلد «أيقونة ثورية» عند قطاعات واسعة في مصر، خصوصاً لدى الناصريين واليساريين والقوى الديمقراطية، تعرضت شاهندة مقلد لهجوم من قطاع يرى أن «معركة كمشيش» شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان، وتعذيب أكثر من 200 شخص من قبل «لجنة تصفية الإقطاع»، خصوصاً بعد أن تمت إعادة المحاكمة في عصر السادات، كما تعرضت شاهندة، وزوجها صلاح حسين، لحملة صحافية واسعة بعد موت عبدالناصر، ممن كانوا سابقاً من خصومه، كما تعرضت أيضاً لانتقادات بعد 25 يناير، لموقفها المؤيد لـ«كشوف العذرية» على المعتقلات السياسيات، معتبرة أنه إجراء يحفظ للمعتقلات حقوقهن، وتعرضت أيضاً للهجوم لتواطئها، من وجهة نظر البعض خصوصاً من أنصار تيارات الإسلام السياسي، على ما اعتبروه انتهاكات وقعت بعد 30 يونيو.

نساء 25 يناير

من أبرز العبارات، التي قالتها شاهندة مقلد في مناصرة المرأة، إن «الحركة النسائية بعد ثورة 25 يناير لم تعد مقتصرة على أبناء الطبقة المتوسطة والعليا والمتعلمة، واستقطبت كل المصريات من ربات البيوت والجدات والفلاحات، والنساء فى المناطق الشعبية».

عبدالناصر وكمشيش

أثناء معركة كمشيش، ألقى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر خطاباً في شبرا الخيمة، أشار فيه إلى صلاح حسن (زوج شاهندة مقلد)، الذي سقط في المعركة، قال فيه:«كان يتوجب علينا أن نكشف عناصر الثورة المضادة في كل مكان، ونقضي عليها منذ العام الفائت. العام الماضي مات الشهيد صلاح حسين في كمشيش، ونبهنا إلى طريقة موته (قتل). قتل بعد 14 سنة من الثورة بأيدي الإقطاع في كمشيش في الوجه البحري هنا، وليس في مجاهل الصعيد بجوارنا.. بجانب القاهرة وبجانب دائرة أنور السادات، وكيف حصل هذا؟ هذا يعني أننا كنا نغفل الثورة المضادة القائمة في البلد».

 

تويتر