رحلة محفوفة بالمخاطر

العبوات الناسفة تهدّد حيـــــــاة العائدين إلى الرمـادي بعد تحريرها

صورة

تمكنت القوات العراقية من استعادة الرمادي، العام الماضي، وطرد مقاتلي تنظيم «داعش» الإرهابي، ولقي هذا الإنجاز ترحيباً دولياً. إلا أنه بعد أشهر من تحريرها، لاتزال المدينة مدمرة بشكل شبه تام، ويجد سكان المنطقة صعوبة في العودة إلى ديارهم بسبب الدمار الهائل ومخلفات الحرب. وهكذا كان حال أسامة إسماعيل، الذي أدرك ـ خطأً - أنه حان الأوان للعودة والاطمئنان على منزله المهجور في المدينة. ويقول أقارب أسامة، الذي عمل في التدريس سنوات طويلة، إن الأخير لقي حتفه عندما كان يتجول في منزله، ولم ينتبه لوجود قنبلة يدوية تركها المتطرفون في المكان. ويقول مسؤولون في المدينة إن منزل الضحية استُخدم من قبل المتطرفين وعند فرارهم عمدوا إلى زرع الألغام فيه. يقول إمام مسجد في الرمادي، أحد أقارب الضحية، قحطان راشد: «على الأقل وجدنا جثة لدفنها»، مشيراً إلى الحوادث التي أودت بحياة العشرات من الأشخاص جراء القنابل اليدوية. وبعد تحرير الرمادي، الواقعة إلى الغرب من العاصمة العراقية، قررت 15 ألف عائلة العودة إلى المدينة، على أمل بداية حياة جديدة، إلا أن تجربة أسامة، الذي نزح مع عائلته إلى أربيل، في إقليم كردستان، تُظهر المخاطر التي تواجه العائدين إلى الرمادي.

تفخيخ «الرمادي»

يقول مسؤولون في الرمادي إن المعارك ضد تنظيم «داعش» تسبّب في تدمير أكثر من 3000 منزل، وأغلب البنى التحتية للمشروعات المهمة. وبعد أن مالت الكفة لمصلحة القوات العراقية، اعتمد التنظيم الإرهابي على استراتيجية زرع عبوات ناسفة في الشوارع، وتفخيخ المنازل والمباني والسيارات، في محاولة لوقف تقدم قوات الأمن. ونتيجة لذلك تضررت جميع مشروعات المياه والكهرباء والمجاري والبنى التحتية والجسور والمباني الحكومية، وكذلك المستشفيات والمدارس، ولحقها دمار كبير بسبب المواجهات العسكرية والتخريب. وعمد مقاتلو التنظيم إلى تفجير جميع مقرات الشرطة والدوائر الحكومية، وجميع الجسور وشبكات الاتصالات، وشبكات توزيع الكهرباء والماء، في الرمادي.

إلى ذلك، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن الظروف «لا تشجع حالياً على عودة العائلات إلى الرمادي، على الرغم من استعادة مناطق من قبل القوات الأمنية».

تعرضت المدينة للتدمير بنسبة 80% خلال المعارك الضارية بين القوات العراقية والحشد الشعبي من جهة، ومقاتلي «داعش» من جهة أخرى، على مدى السنتين الماضيتين، وذلك وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. ولاتزال آثار القذائف والرصاص واضحة في كل مكان بالمدينة، في حين ينتشر ركام المباني المنهارة في جنوب المدينة، حيث تبدو الأحياء وكأنها من مخلفات الحرب العالمية الثانية. وترك مقاتلو التنظيم المنهزم، آلاف الألغام وراءهم لتكون «هدايا» الوداع للقوات العراقية وأهالي المنطقة. وتكون هذه الألغام مخبأة في أماكن، مثل الأرائك وتحت السجاد، وفي حالة غريبة ذكرتها وسائل الإعلام المحلية، داخل إطار دراجة أطفال صغيرة.

منازل مفخخة

ويقول الضابط في القوات الخاصة العراقية، أركان فاضل: «عندما أتجول داخل منزل مهجور في المدينة المحرّرة لا أتجرأ على الاقتراب حتى من علبة صغيرة مثل هذه!» وقد شارك فاضل في تحرير المدينة مع كتيبته بدعم جوي ولوجستي من القوات الأميركية. وتوجد التحذيرات من مخاطر العبوات الناسفة في كل مكان بالرمادي، عاصمة محافظة الانبار. وتحذّر اللافتات المعلقة على بقايا الأسوار في بعض المناطق الأهالي من دخول المنازل دون التواصل مع مسؤول عسكري، لأن «معظم المنازل غير آمنة». في المقابل، تعلق لافتات في الأماكن الآمنة بعد إزالة الألغام والعبوات الناسفة بشكل كامل، لتصبح الأحياء قابلة للعيش من جديد، ويمكن رؤية لافتة تقول: «تمت معالجة الشارع وتنظيفه». يقول شيوخ العشائر في الرمادي إنهم أشرفوا على إبطال مفعول أكثر من 5500 عبوة ناسفة مزروعة في بيوت ونزع فتيلها. ولاتزال الكثير من العبوات غير مكتشفة، لأنها صمّمت بطريقة ذكية، بحيث يتوجب نسف كل البيت، أحياناً، من أجل إبطال مفعولها. والكثير منها مزودة بجهاز تفجير مؤقت زمنياً، أو يمكن تفجيرها عن بعد. وقد عاد الأهالي، وفقاً لمراقبين، بسبب انعدام الأمل؛ فهم لا يعرفون إلى أين يذهبون والوضع سيئ بدرجة كبيرة. ويعيش النازحون من المعارك في مخيمات في الأراضي القاحلة، وليس في مخيمات لجوء تم إنشاؤها لهذا الغرض وبشكل نظامي. وبعض الذين هربوا وصلوا إلى أماكن مثل نهر دجلة، على سبيل المثال، ومنعتهم الحكومة من عبور النهر إلى الجهة المقابلة. وفي هذه الأماكن تضخمت المعسكرات، لتضم عشرات الآلاف من المشرّدين الهاربين من الحرب.

بطء العمليات

فضلاً عن الانقطاعات في الإمدادات بالطاقة الكهربائية والماء، يشكو العائدون إلى الرمادي بطء عملية إزالة العبوات الناسفة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا. ويقول إمام المسجد في الرمادي، قحطان راشد: «منذ أيام سمعت بمقتل أربعة أشخاص بالعبوات»، ووفقاً لقيادة عمليات الأنبار التابعة للجيش العراقي، فإن 800 شخص قُتلوا أو أُصيبوا في الرمادي، منذ فبراير. إلى ذلك، أوقفت السلطات عودة النازحين إلى الرمادي، ويقول عمدة الرمادي، إبراهيم الجنابي، إنه سيسمح للأهالي بالرجوع إلى منازلهم بعد نهاية العام الدراسي الحالي، في يونيو. واضطر الآلاف للبقاء في الخيام إلى حين السماح لهم بالرحيل. ويقول الهارب من المدينة، رائد جياد عابد، الذي يعيش حالياً في مخيم بالقرب من بغداد: «لن نعود.. ما إن يبدأ أحدهم بتنظيف منزله حتى يلقى حتفه في انفجار عبوة ناسفة»، ويوضح النازح «لا يوجد حل سوى انتظار فرق الهندسة العسكرية لتمشيط وتطهير الأحياء من الألغام القاتلة». والرمادي هي جزء من حملة أوسع لطرد «داعش» والقضاء عليه. وفي 2014، استولى التنظيم على أجزاء واسعة من البلاد في هجوم كاسح على مدن مثل الموصل، عاصمة التنظيم المعلنة في العراق. لكن القوات العراقية المدعومة من قبل قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة بضربات جوية مركزة ومكثفة، تمكنت من استعادة أراضٍ شاسعة، وهي الآن تعد العدة لشن هجوم عسكري لاستعادة مدينة الفلوجة، التي يسيطر عليها المتطرفون منذ يناير 2014. ولايزال الآلاف من المدنيين محاصرين في المدينة، التي تواجه نقصاً حاداً في الغذاء والدواء. وقد تزايد أعداد اللاجئين في داخل العراق بشكل غير مسبوق، في حين انطلقت عمليات واسعة لتحرير ثاني أكبر المدن العراقية، ألا وهي الموصل. ويعيش «داعش» حالة تراجع كبيرة على جميع الجبهات. وتتوقع الأمم المتحدة أن يصل عدد اللاجئين في منطقة الموصل وحدها إلى أكثر من مليون نازح، يريدون الفرار من المعارك هناك، وسيشكل ذلك ضغطاً على تركيا، حيث سيحاول اللاجئون الفرار إليها ومنها إلى أوروبا. ويقول مراقبون إن القارة قد تكون على موعد مع موجة لاجئين جديدة من العراق. ويقرّ مسؤولون في الأمم المتحدة يعملون داخل العراق، بأنه ليس بمقدورهم توقع ما سيحدث في الموصل. ويرجح مسؤولون غربيون أن تحدث موجات فرار ولجوء كبيرة. وحسب التقديرات فإن العدد قد يتجاوز المتوقع بكثير، نظراً لكارثية الوضع في الموصل. وتضاعفت أسعار المحروقات هناك بين 10 و20 ضعفاً. وفي الواقع، نهب «داعش» الأهالي الذين باتوا يائسين ومستعدين للفرار باتجاه شمال العراق وتركيا، وربما أيضاً إلى مناطق آمنة في سورية.

تويتر