بسبب الجفاف واللامبالاة من قبل الحكومة

إثيوبيا تترقب مجاعة أسوأ مما حــــــدث قبل 32 عاماً

صورة

من المتوقع أن تتعرض إثيوبيا لكارثة مجاعة أسوأ من تلك التي تعرضت لها عام 1984، والتي قضت على مليون شخص. وفي الوقت الذي شحت فيه الأمطار لعامين متتاليين وأصاب الفشل الموسم الزراعي، ظلت هناك حاجة ملحة لتوفير الطعام لنحو 18 مليون شخص. وهذه المرة لا يقع اللوم في هذه المجاعة على الحرب الأهلية، التي كانت تدور رحاها في هذا البلد، أو على عدم مبالاة النظام الشيوعي، الذي درج على استخدام الجوع كسلاح لقهر المعارضين، ولكن على الحكومة الإثيوبية الحالية، التي تزيد الوضع سوءاً برفضها فرضية المجاعة في محاولة منها لإخفاء الصورة القاتمة لإثيوبيا كرمز للمجاعة والكوارث في إفريقيا. وكلما ازدادت مظاهر الجفاف المبكر سوءاً تدعي الحكومة الإثيوبية انها تستطيع أن تتدارك الوضع وحدها دون أي مساعدة خارجية، ما يؤدي إلى تأخر الاستجابة الدولية في حالة وقوع الكارثة، كما يعتقد مسؤولو الإغاثة الدوليون.

ولكن يبدو أن الحكومة الإثيوبية تنظر إلى الوضع من ناحية أخرى، إذ يقول احد مسؤولي الإغاثة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن «الحكومة الإثيوبية إذا أقرت بوجود أزمة طعام كبيرة فإن المستثمرين سيسحبون استثماراتهم، ويفقد المواطنون وظائفهم». ويدل طلب موظفي الإغاثة عدم ذكر أسمائهم في التحقيقات الصحافية إلى حساسية هذا الموضوع لدى الحكومة الإثيوبية، التي نادراً ما تفصح عن أرقام الوفيات الناجمة عن الجفاف، ويتوخى مسؤولو الإغاثة الحذر من استخدام عبارات مثل «مجاعة»، و«وفيات».

وتضع الحكومة الإثيوبية في اعتبارها الصور التي التقطتها كاميرات التلفزيونات منذ ثلاثة عقود عن المجاعة، ولهذا تراقب الحكومة عن كثب ما يرد في وسائل الإعلام الأجنبية، وتدور روايات بأن الأجهزة الحكومية تعقبت امرأة ذكرت لمراسل هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أن طفلها لقي حتفه بسبب الجفاف، وظهرت هذه المرأة في وقت لاحق على شاشات التلفزيون قائلة إن طفلها توفي متأثراً بمرض ما.

حالة مأساوية

تصحو عائشة نور عند كل فجر لجمع الأغصان الجافة من الأحراش حول منزلها، لتبيعها في السوق المحلية كل أسبوع، لكي تحصل فقط على ما يكفي لشراء الشاي الأسود وقليل من الخبز لأسرتها، وهذا ربما جعلهم يظلون على قيد الحياة حتى الآن، وإذ إن اثنين من أطفالها يعانون سوء التغذية بالفعل والثلاثة الآخرين على شفير الموت، فإن محنة عائشة تعد نموذجا لمحنة مئات آلاف من الأسر التي تواجه أسوأ موجه جفاف تضرب إثيوبيا منذ عقود. وعلى الرغم من ذلك تزعم الحكومة الإثيوبية أن الجفاف لم يؤثر إلا في جزء ضئيل من المناطق الريفية، ونفقت جميع مواشي الأسرة بسبب الجفاف، وإذ إن زوجها ظل طريح الفراش بسبب المرض، فقد أصبحت هي العائل الوحيدة للأسرة، وتغالب دموعها قائلة «سأكافح حتى اللحظة الأخيرة لإعالة أسرتي، حتى لو أصبت بالمرض وساءت حالتي».

وبالفعل فإن الاقتصاد الإثيوبي على النقيض مما يحدث من بوادر مجاعة، أصبح قصة نجاح إقليمية، فقد ظل الاقتصاد الإثيوبي يوصف منذ سنوات عدة بأنه واحد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. ويتجلى الازدهار في الرافعات التي انتظمت في فضاءات العاصمة أديس أبابا، واكتظاظ الأسواق بالمتسوقين، وظهور شركة الطيران الوطنية في إفريقيا كناقل مفضل بسبب كلفتها المنخفضة.

ولكن مع هذا النمو والاستقرار السياسي النسبي ازداد عدد سكان البلاد ليصل إلى أكثر من 90 مليون نسمة، ثلاثة أرباعهم لايزالون يعتمدون على الزراعة من أجل معيشتهم، وقضى الجفاف على 90% من المحاصيل في بعض المناطق ونفق جراءه ما يصل إلى مليون رأس من الماشية.

وفي حين تصر الحكومة على أن الوضع لا يقتضي الإعلان عن المجاعة، إلا أنها اعترفت أخيراً أنه لا يمكنها التعامل مع الأزمة وحدها، فقد رصدت مبلغ 360 مليون دولار لتوفير الإمدادات الغذائية الطارئة والرعاية الطبية، لكنها تقول الآن إنها تحتاج إلى مساعدة.

ويقول رئيس اللجنة الوطنية لإدارة المخاطر والكوارث، كاسا ميتيكو، إنه «ينبغي أن ترتقي الجهات المانحة والشركاء إلى مستوى الحدث لتمنح إثيوبيا الدعم الإنساني والاهتمام الذي تستحقه».

ويبدو أن المشكلات الإنسانية الناجمة عن الحروب في سورية واليمن وأزمة المهاجرين في أوروبا قد صرفت الاهتمام والموارد بعيداً عن البلدان المتلقية تقليدياً لمعونات الدول الغربية، مثل إثيوبيا، إذ إن النداء الدولي العاجل لجمع مبلغ 1.4 مليار دولار من أجل توفير أغذيه طارئة لإثيوبيا، لايزال يعاني من عجزاً مقداره 600 مليون دولار. وتؤكد منظمات المعونة أن مخزون الأغذية لحالات الطوارئ يمكن أن ينفد في غضون أسابيع، وأن كارثة إنسانية «يحتمل أن تحدث على نطاق واسع» تتكشف فصولها قبل أغسطس ما لم يتم معالجة العجز في تمويل المعونة.

وتقدم الحكومة 5 كغم من القمح لكل أسرة في منطقة الجفاف إلا أن هذا القدر لا يمثل سوى ثلث متوسط الاحتياجات الغذائية للشخص في اليوم، ولهذا السبب من المتوقع أن يعاني نحو 430 ألف طفل من سوء التغذية هذا العام.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان المزيد من الناس قد يموتون بسبب الجفاف، يلتزم موظفو الاستجابة لحالات الطوارئ دائماً بالرواية الرسمية التي تقول بأن هناك دائماً حالات وفاة في إثيوبيا تصل إلى 20 ألف طفل في العام نتيجة أسباب يمكن تلافيها، لكن من المستحيل أن يوضحوا كم طفلاً يموت نتيجة للجفاف. وتقول الحكومة إنها عالجت في يناير الماضي 25 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحادة، في حين تقول وكالات الإغاثة إنها تخشى أن يكون عدد الأطفال المتأثرين اكثر من الحالات المعلن عنها فعلياً.

والأسبوع الماضي، تحدثت أسر تقيم في مخيم للنازحين في منطقة ستي، بالصومال، كيف أنه بعد أن بدأت ماشيتهم في النفوق، ظلوا سائرين أياماً مع حيواناتهم المتبقية على قيد الحياة بحثاً عن المياه. ويقول طبيب يعمل بالمعسكر إنه ظل يعالج 12 حالة سوء تغذية، خمس منها خطيرة. ويضيف «في بعض الأحيان يأتي ناس لتقديم الدعم، لكنه لا يكفي، وعندما أمر عبر حالات سوء تغذية بالغة الخطورة أحاول إيقاف سيارة على الطريق الرئيس لإرسال الأطفال إلى أقرب مدينة لتلقي العلاج». ويقاطع رجل مسن المقابلة الصحافية في غضب، قائلاً إنه ليس فقط الأطفال هم من يعانون، «انظروا إلى أعيننا، ليس فيها حتى دم». ويمضي قائلاً مخاطباً لنا «يجب ألا تسألوا كيف حالنا، يمكنكم أن تنظروا إلينا فقط لتعرفوا حالنا».

وقال المدير الإقليمي لوكالة «أنقذوا الأطفال»، جون غراهام، الذي عمل في إثيوبيا منذ مجاعة عام 1984، إنه على الرغم من أن مستوى الجفاف هو نفسه الذي حدث في ذلك الوقت، فإن الاستجابة من العالم الخارجي لم تكن سخية بما فيه الكفاية.

«تقول الحكومة إنه إذا لم يتم توفير مبلغ الـ600 مليون دولار المرتقبة، فسوف تدبر هي بطريقة أخرى، ولكن هذا يعني تحويل التمويل من مناطق أخرى، وبسبب ذلك ستتأثر الصحة والتعليم في تلك المناطق، وستفقد عناصر مهمة كانت تحصنها من الأزمات في المستقبل». ويحذر غراهام من أن العالم إذا انتظر إلى حين ظهور صور مخيفة كما كان يحدث في عام 1984، فإنه قد يكون متأخراً جداً في منع وقوع كارثة، ويتساءل: «هل من الضروري حقاً أن نرى مثل تلك المشاهد في عام 2016؟».

تويتر