يتعين على جيرانها لعب دور محوري

التدخل العسكري في ليبيا محفــــوف بالمخاطر

صورة

كشف مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية، الأسبوع الماضي، أن عدد المقاتلين في صفوف التنظيم الارهابي «داعش» في ليبيا، قد ارتفع بشكل كبير، ما بين 5000 و6500 مقاتل، العام الماضي. وتحدث المحللون عن صعود التنظيم في هذا البلد الإفريقي منذ فترة، وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية، من شأنها أن تمهد الطريق للتعاون بين الفصائل العسكرية المحلية، في عملية واسعة ومنظمة ضد المتشددين.

وقد تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في المغرب، الشهر الماضي، لكن حتى الآن يرفض برلمان طبرق المصادقة على حكومة الوحدة الوطنية المقترحة، في إطار خطة تدعمها الأمم المتحدة.

وما لم تتولَّ حكومة وطنية قابلة للاستمرار، في الأسابيع المقبلة، مقاليد الأمور، فمن المرجح أن تقرر الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، التدخل عسكرياً. قبل أيام، طلب الرئيس باراك أوباما من مجلس الأمن القومي التصدي لجهود توسع التنظيم في ليبيا، ولم يستثنِ العمل العسكري. مثل هذا العمل، يرجح أن يكون أكثر محدودية مقارنة بتدخل 2011، الذي أطاح العقيد معمر القذافي، وسيتركز في ما يبدو على قصف جوي، يستكمل بعمليات للقوات الخاصة، وتنسيق ميداني بالمعلومات الاستخباراتية مع الفصائل المسلحة على الأرض.

تحدٍّ كبير

صرح وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، الأسبوع الماضي، أنه يتعين على جيران ليبيا والمجموعة الدولية الوقوف إلى جانب الشعب الليبي، حتى يستعيد الأمن والاستقرار. ويمثل الوضع المتردي في ليبيا تحدياً كبيراً لجيران ليبيا ولفرنسا، أيضاً، التي لديها مصالح اقتصادية وعسكرية في شمال إفريقيا. وفي حين خسر تنظيم «داعش» بعض معاقله في سورية والعراق، تمكن من زيادة نفوذه في ليبيا، وأماكن أخرى.

ويرى محللون أن التدخل العسكري في ليبيا قد يصبح لا مفر منه، إذا استمر التنظيم في التوسع هناك، وهذا واحد من بين مجموعة من الأسباب التي تجعل أوروبا بحاجة إلى القدرات الضرورية، لتطوير سياسة أمنية ودفاعية مشتركة ذات صدقية. وأعرب المسؤولون في الحكومات الأوروبية عن قلقهم إزاء تزايد قوة التنظيم في هذا البلد، ودعوا إلى الدفع في اتجاه تشكيل حكومة وفاق وطني.

وأكد مسؤولون فرنسيون وألمان أنه بعد تشكيل حكومة ليبية ونيلها ثقة البرلمان، يمكن آنذاك أن تحصل على دعم المجموعة الدولية؛ خصوصاً لضمان أن يكون مقرها في العاصمة طرابلس. ولفت مراقبون إلى أن تدفق المقاتلين إلى سورية والعراق تراجع في الآونة الأخيرة، بسبب صعوبة الوصول إلى هناك، في حين باتت ليبيا وجهة مفضلة للمقاتلين في الوقت الراهن، نظراً لغياب المراقبة على الحدود الشاسعة، ووجود تنظيمات مسلحة في الساحل الإفريقي، كانت قد بايعت «داعش».

وفي حين تتوافر أسباب مقنعة لمنع انتشار «داعش» خارج قاعدته الأساسية في العراق وسورية، إلا أن التدخلات الغربية السابقة تقدم ثلاثة دروس، تفيد بأن أي عملية عسكرية في ليبيا، مهما كانت محدودة، فإنها محفوفة بالمخاطر.

أولاً: بينما تركز الدول الغربية على كيف ولماذا وتحت أي ظرف، ينبغي أن تشارك في التدخلات العسكرية؟ تولي اهتماماً ضئيلاً لما سيؤول إليه مثل هذا التدخل. صحيح أن بصمة عسكرية خفيفة يمكن أن تمنع بعض الانزلاقات؛ مقارنة بتدخلات واسعة النطاق مثل العراق وأفغانستان، لكن على الرغم من ذلك، فإن مثل هذه التدخلات تحقق القليل في غياب تسوية سياسية.

هدف محتمل

ثانياً: التدخلات المحدودة من هذا النوع، التي يضعها المجتمع الدولي في عين الاعتبار في الوقت الراهن، تدعو إلى عمل غير مباشر مع الشركاء على الأرض. ولتكون العملية أكثر فاعلية يجب أن توجد هناك مؤسسات أمنية، وعمل مشترك للمجموعات المسلحة، الأمر الذي يعزز الأمن والاستقرار. ولا توجد مثل هذه الأرضية المشتركة في منطقة سرت، معقل «داعش»، والتي تمثل الهدف المحتمل للعمل العسكري الغربي، ومع أن الطرفين المتناحرين رفضا وجود التنظيم في المنطقة، فقد ظلت الفصائل العسكرية تقاتل بعضها بعضاً، بالقرب من سرت.

إلى ذلك، نشر الجيش الأميركي قوات خاصة في ليبيا، خلال الأشهر الأخيرة، من أجل التنسيق مع هذه الفصائل، وتقييم القدرات، وتحديد المجموعات المحلية، التي سيتم دعمها في عملية مكافحة التنظيم.

ومع ذلك، فقد أشار محللون إلى أن مهمة قتال «داعش» ستكون صعبة على الفصائل الليبية، بسبب التحالفات المتداخلة والصلات القبلية، والمصالح المتشابكة في ما بينها. على سبيل المثال، إبراهيم الجدران، الذي يقود حرس المرافق النفطية، والذي يقاتل التنظيم الإرهابي في منطقة سرت، هو شقيق أحد قادة التنظيم المتطرف، وقد اتهم الجدران، من قبل، رئيس الهيئة الوطنية للنفط في ليبيا بتهريب النفط إلى مقاتلي «داعش».

في المقابل، تعتبر مدينة مصراتة، التي تتمتع باستقلالية عن بقية المناطق، مهمة للغاية في محاربة «داعش» ووقف توسعه غرباً. وقد نشر مجلس مصراتة العسكري قواته بالقرب من سرت، وطلب مراراً الدعم العسكري من الولايات المتحدة، ومن شأن ذلك أن يوفر للمدينة شرعية دولية، طالما سعت لكسبها، من أجل فرض نفسها، والظهور كوسيط للتوصل إلى تسوية سياسية في المستقبل.

والأهم من ذلك، أن المصالح المحلية يمكنها أن تمهد الطريق لتحالف أوسع لمكافحة التنظيم المتطرف مع الجنرال خليفة حفتر، الذي يقود القوات المتحالفة مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً في طبرق، بينما سيزيد ذلك من تفتت معسكر «فجر ليبيا»، وهو ائتلاف ميليشيات تدعم حكومة طرابلس، ومتحالفة مع فصائل مصراتة، ومن شأن التحالف للقضاء على «داعش» أن يؤجج الصراع داخل القوى الإسلامية في غرب ليبيا أيضاً.

كما أن الخلاف بين مصراتة، والفصائل الإسلامية المنحازة لتنظيم «أنصار الشريعة»، التي تهيمن على المؤتمر الوطني العام (الهيئة السياسية لفجر ليبيا)، يعرض جهود الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية للخطر.

تقارب استراتيجي

ثالثاً: كما رأينا في أفغانستان وسورية والعراق، التقارب الاستراتيجي بين اللاعبين الإقليميين الرئيسين أمر حاسم لنجاح التدخل الغربي. وفي الشأن الليبي، تتقاسم الجزائر ومصر المخاوف بشأن التهديدات على حدودهما بدرجات متفاوتة، ومع ذلك فهما مختلفتان في ما يخص الوسائل الممكنة لتحسين الاستقرار والأمن. ففي حين تلقت قوات حفتر دعماً خارجياً، تتمسك الجزائر بعقيدتها العسكرية القائمة على مبدأ عدم التدخل العسكري، داعية إلى حل سياسي مع تقديم الدعم لجهود الممثل الخاص للأمم المتحدة، مارتن كوبلر.

ومن شأن التدخل الغربي أن يشجع مصر على زيادة دعمها العسكري لعملية الكرامة، وهي هجوم عسكري يقوم به حفتر ضد الفصائل الإسلامية في شرق ليبيا؛ وينفر الجزائر، التي تعتبر وسيطاً لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، وقوة مؤثرة في قبائل رئيسة في المناطق الغربية لليبيا، التي طالما تم تهميشها بسبب ولائها للقذافي، ودور هذه القبائل مهم للغاية في تشكيل حكومة وحدة وطنية.

يأتي ذلك في وقت أبدت فيه السلطات التونسية قلقها من مخاطر انضمام مسلحين ليبيين إلى المقاتلين في الجبال الشرقية من تونس، الأمر الذي سيقود إلى هجمات تستهدف مؤسسات الدولة، انتقاماً من التدخل العسكري. وتقول مصادر رسمية إن نحو 500 مسلح تونسي يقاتلون في تونس حالياً. وقد أعلنت تونس، أخيراً، أنها استكملت إنشاء جدار ترابي على طول الحدود مع ليبيا، على طول 250 كلم، ضمن خطة لتعزيز المراقبة ومكافحة الإرهاب والتهريب. وتكافح السلطات الأمنية في البلاد لكبح خطر الجماعات المتشددة وتضييق الخناق عليها، خصوصاً بعد مقتل عشرات السياح على يد مسلحين العام الماضي.

كاسبر وايت - باحث متخصص في شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط

تويتر