بسبب ضعف الموقف الأميركي

الروس يحاصرون استراتيجية أوباما في سورية

صورة

فيما تحاصر القوات السورية الحكومية، المدعومة من روسيا، مدينة حلب، المعقل الرئيس للثوار السوريين، يفرض الروس الحصار بالمثل على نهج «الدبلوماسية أولاً»، الذي يتبناه الرئيس الأميركي، باراك أوباما. ويحذر بعض قادة المعارضة والمحللين من أنه ما لم يرسل أوباما رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حتى ولو التهديد باستخدام القوة العسكرية، فإن نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، المدعوم من موسكو سيضعف المعارضة بشدة، للحد الذي تصبح فيه محادثات السلام التي تسوق لها الولايات المتحدة غير ذات جدوى.

يقول هادي البحرة، الشخصية النافذة في الائتلاف الوطني السوري: «لا يرغب أحد منا في أن تشتعل الحرب بين روسيا والولايات المتحدة، لكن يجب أن تقول الولايات المتحدة كفى»، ويضيف «إذا كان الروس يتصرفون كأنما لا توجد قوة سوى روسيا نفسها، فما جدوى التصريحات السياسية والبيانات الصحافية، التي يرسلها المجتمع الدولي والولايات المتحدة إلى روسيا، دون أن تكون هناك جهود جادة؟».

وتقول أحد قدامى المراقبين السوريين في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، رندا سليم: على روسيا أن تفهم أنها تشارك في تقويض عملية السلام، وتعتقد سليم أن الولايات المتحدة يمكنها أن تفعل كل شيء، من استهداف وحدات القوات الجوية السورية المسؤولة عن قتل المدنيين بالبراميل المتفجرة، إلى فرض منطقة حظر جوي لإرسال مزيد من الأسلحة إلى قوات الثوار المعتدلة، لكي تجعل تلك الرسالة واضحة، وإلا فإنه «في الوقت الذي تصبح فيه المرشحة الرئاسية، هيلاري كلينتون، أو اي شخص آخر رئيساً للبلاد، فإن مجموعة الخيارات ستكون أكثر وأكثر تقييداً مما عليه الحال اليوم».

ويبدو أن إدارة أوباما غير مستعدة لتصعيد الموقف، أو حتى تصعيد لهجتها، وليست هناك إشارة إلى أن الولايات المتحدة سوف تزيد وجودها الضعيف نسبياً في سورية، حيث تركز القوات الخاصة الأميركية في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وليس الأسد. وبسبب «داعش» فشل أوباما بالفعل في الحفاظ على وعده، بإنهاء حروب أميركا في الشرق الأوسط، ويبتعد الرئيس عن الزج بالولايات المتحدة في حرب مباشرة ضد الأسد، أو نظيرتها روسيا.

وتكسب قوات الديكتاتور السوري، بدعم من الضربات الجوية الروسية، المزيد من الأرض بسرعة خارج حلب، وكذلك في أجزاء أخرى من البلاد، وقد أدى ذلك إلى موجة جديدة من اللاجئين السوريين تتجه نحو تركيا، ما جعل المعارضة السورية تحذر من مجازر وشيكة و«تطهير عرقي».

ويقول المتحدث باسم البيت الأبيض، غوش أرنست، إن الولايات المتحدة لاتزال تشعر بالقلق إزاء «الوضع الإنساني الفظيع» في سورية، وأعترف بأن التطورات الأخيرة من شأنها أن تعقد عملية السلام، لكنه قال ببساطة إن الولايات المتحدة «ستواصل حث الروس» على وقف العنف، وتقديم أي استراتيجية جديدة.

والمطالبات الأميركية السابقة لروسيا لم توقفها عن تصعيد دعمها للنظام السوري، والذي تعتبره موسكو حليفاً لا غنى لها عنه في الشرق الأوسط، وساعد التقدم الذي تدعمه روسيا في حلب على انهيار جولة سابقة من محادثات السلام، التي ترعاها الأمم المتحدة، في وقت سابق من هذا الشهر.

ويتوقع أن يتم تنظيم جولة جديدة من المحادثات في 25 فبراير الجاري، لكن هناك أمل ضئيل في نجاحها، وتتمثل المخاوف في الوقت الراهن في أن حصار حلب، والذي قد يستمر أشهراً عدة، قد يعمق الشروخ داخل المعارضة، ويؤدي إلى تفاقم التوترات بشدة بين المعارضة وإدارة أوباما، وفي نهاية المطاف سيصبح الأسد أقوى من أي وقت مضى. ومن المحتمل أيضاً أن يستفيد تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» المنتمية إلى تنظيم القاعدة في سورية، والتي يمكن أن تستقطب مجندين جدداً مع تعثر المعارضة المعتدلة.

يوم الجمعة الماضي، أكد وزير الخارجية، جون كيري، أن العملية الدبلوماسية لاتزال جديرة بالمتابعة، وقال إن روسيا أبدت «مباشرة أنها على استعداد لوقف إطلاق النار»، من أجل دعم قرار الأمم المتحدة الأخير حول الوضع السوري، إلا أن كيري أضاف أن حديث روسيا «إذا كان مجرد كلام من أجل الكلام، لكسب الوقت ومواصلة القصف، فلا أحد سوف يقبل ذلك». ومع ذلك، فلا هو ولا مساعدوه قد أشاروا إلى أي عواقب من المحتمل أن تواجهها روسيا، إذا واصلت ضغوطها العسكرية في سورية، وهي المعيار على مدى نفوذ الولايات المتحدة على موسكو.

ويقول البحرة إن هناك إمكانية واحدة تستطيع بها الولايات المتحدة التفوق في النفوذ على روسيا، وهو الاستعداد الذي ابدته كل من السعودية والإمارات، لإرسال قوات برية إلى سورية لمحاربة تنظيم «داعش»، الذي يسيطر على جزء كبير من الأراضي غير الخاضعة لسيطرة الأسد، تحت قيادة اميركية. وعلى الرغم من أن تفاصيل اي مشاركة سعودية او اماراتية غير واضحة المعالم حتى الآن، فإن زعيم المعارضة السورية يعتقد أن مجرد وجود قوات برية من هذا القبيل، مدعومة في الظاهر من الولايات المتحدة، سيكون بالنسبة للمعارضة بمثابة رادع لروسيا والأسد. ويقول البحرة «على الأقل سنسيطر على بعض الأراضي، ونرسل رسالة واضحة مفادها أنهم لا يمكنهم التوسع».

ويحذر الزميل بمؤسسة «سينشري»، مايكل حنا، من «الإفراط في تفسير» الوضع في سورية في أي لحظة من اللحظات، لافتاً إلى أنه قبل ثمانية أشهر، بدا الأسد كأنه سيفقد السلطة عندما استطاع ائتلاف الثوار، الذي يسمى «جيش الفتح»، تحقيق مكاسب كبيرة، وأضاف أن روسيا رأت ذلك أنه بمثابة تصعيد، لذلك تدخلت.

ويرى حنا أنه ليس هناك سبب للاعتقاد أن روسيا لن تصعد الموقف مرة أخرى، إذا اتخذت الولايات المتحدة أي خطوات جذرية. فبعد كل شيء، فإن لدى روسيا حصة من المصالح في سورية أكبر من تلك التي لدى الولايات المتحدة؛ حيث تعتبر هذه الدولة العربية واحدة من عدد قليل جداً من حلفاء موسكو في الشرق الأوسط، وأنها تستضيف قاعدة بحرية روسية.

ويقول المعارض السوري المستقل، الذي خدم في حكومة الأسد قبل انشقاقه، جهاد مقدسي، إنه في حين أن بعض زعماء المعارضة المتشددين يرغبون في رؤية مزيد من الإجراءات الأميركية على الأرض في سورية، فإن الكثير منهم يعرفون جيداً حدود مصلحة أميركا هناك.

تويتر