أراد الحفاظ على أمن إسرائيل

مقتل رابين كان أنجح اغتيال في العالم

صورة

الاغتيال الذي وقع في إسرائيل قبل نحو عقدين لرئيس الحكومة الإسرائيلي إسحق رابين، الذي تحوّل إلى داعية سلام، ثبت أنه من أكثر الاغتيالات نجاحاً في التاريخ. وكما هي الحال لدى المهاتما غاندي، الذي تم اغتياله على يد هندوسي متطرف، فقد قتل رابين على يد يهودي متطرف أيضاً، هو «ايغال امير» الذي لم يتحمل التخلي عن الأراضي مقابل السلام. وكان هذا الرجل قومياً متديناً، ومن أتباع باروخ غولدشتاين اليهودي الأميركي، الذي قتل 29 فلسطينياً بينما كانوا يؤدون صلاة الفجر في مدينة الخليل عام 1994.

حجر الزاوية

حجر الزاوية لشرعية إسرائيل هو الاتفاق على تقاسم الأراضي الفلسطينية كما هو وارد في قرار الأمم المتحدة 181 الصادر عام 1947، الذي يدعو إلى قيام دولتين الأولى يهودية وأخرى عربية، في الأراضي المقدسة.


نصف قرن من الاحتلال

قريباً سيصل أمد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، ودعم حركة الاستيطان فيها إلى نصف قرن، إذ نشهد الآن مئات الآلاف من اليهود الذين يعيشون شرق الخط الأخضر، ويتمتعون بالمواطنة الإسرائيلية، والعديد من أشكال الدعم الحكومي.

 وعندما يتراجع المنطق، يتقدم الغضب، وعلى الرغم من أن الصهيونية المتدينة تعتبر أن الأراضي الممتدة ما بين البحر المتوسط ونهر الاردن هي منحة من الله لليهود لبناء دولتهم، إلا أنه حل مكانها الصهيونية العلمانية التي تؤمن بدولة القانون.

 وثمة سياسي يميني انتهازي يدعى بنيامين نتنياهو، الذي قارن بين رابين وتشامبرلين، رئيس حكومة بريطانية سابقاً، قد وصل إلى قمة السلطة في إسرائيل. وهو ربما يحل مكان ديفيد بن غوريون باعتباره أطول رئيس حكومة إسرائيلي يظل في السلطة، لكن إرثه يبدو تافهاً مقارنة ببن غوريون أول رئيس حكومة لإسرائيل.

وكان رابين، الذي صنع السلام، قد سقط برصاصة أطلقت عليه عام 1995، وحل مكانه مسوّق الحروب نتنياهو، واختفت القيادات الحقيقية بمعناها الجدي، ومن دون هذه القيادات يصبح من الصعب التغلب على أي مشكلة، وبوجودها لا يوجد مشكلة بلا حل.

وقريباً سيصل أمد الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، ودعم حركة الاستيطان فيها إلى نصف قرن، حيث نشهد الآن مئات الآلاف من اليهود الذين يعيشون شرق الخط الأخضر، ويتمتعون بالمواطنة الإسرائيلية، والعديد من أشكال الدعم الحكومي. والسؤال المطروح: لماذا لم تؤكد اسرائيل سيطرتها وسيادتها على جميع أراضي المنطقة الممتدة بين نهر الاردن والبحر المتوسط، وتمنح حق التصويت والحقوق الديمقراطية الأخرى لجميع السكان؟

والجواب على ذلك بسيط، مفاده هو وجود عدد كبير من الفلسطينيين في المنطقة، لأن بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية يعني نهاية الدولة اليهودية، وتفضل اسرائيل بدلاً من ذلك تقويض نظامها الديمقراطي. وكما قال المؤرخ اليهودي المولود في أميركا «اسرائيل تصرفت كما لو أن مناطق الضفة الغربية هي أراض إسرائيلية من أجل الاستيطان، والاحتلال العسكري لها يهدف إلى حكم الفلسطينيين».

ويبدو أن هذه السياسة في طريقها نحو التآكل، وليس هناك نظام ديمقراطي معصوم من إدارة نظام غير ديمقراطي على جزء من الأراضي التي يسيطر عليها. ويوجد عبر الخط الاخضر ملايين السكان، وهم من غير المواطنين، وهذه «حقيقة الدولة الواحدة» «السريعة الاشتعال»، التي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري هذا الشهر.

والأشخاص غير المواطنين هم الفلسطينيون الذين تستعمرهم إسرائيل. والقمع والاذلال منحوتان على تضاريس الضفة الغربية. وعمدت إسرائيل من خلال حركة الاستيطان التي تقوم بها إلى تقويض التزام مؤسسيها بإنشاء الدولة الديمقراطية والقانون.

وكان الروائي الهندي فيكرام سيث قد أشار إلى أن «الميزة العظيمة لكون المرء من شعب مختار، هي أنه يمكنه أن يختار تحديد من هو الشعب غير المختار». وتتجلى المساوئ الكبيرة للصهيونية المتدينة في أنها تجعل من المستحيل أن تكون إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، كما أنها تجعل قيام أعمال العنف أمراً محتوماً.

ومنذ أكتوبر الماضي قتل نحو 20 اسرائيلياً و100 فلسطيني، خلال الأعمال التي يعتبرها البعض أنها انتفاضة ثالثة، وهذا هو الوضع الراهن، وثلاثة حروب في غزة منذ عام 2008، وهذا هو الوضع الراهن، وإسرائيل أصبحت الآن معجزة في التنمية السريعة، تجثم على أساس هشٍ من الاحتلال، وأعمال الطعن بالسكاكين أصبحت وضعاً راهناً. وأصبحت القيادة الفلسطينية الآن ميؤوساً منها، فهي منقسمة على بعضها وفاسدة، وتفتقر للشرعية الديمقراطية. وقد انغمست في قبول الظلم المريح، بدلاً من اتخاذ القرارات الصعبة من أجل إنهائه، واختارت التركيز على الشكل بدلاً من الجوهر، وهي تحرض ضد اليهود، وتظهر السنوات الـ67 الماضية أن الوقت ليس إلى جانب الفلسطينيين، وربما تكون هذه المقالة جيدة، لكنها تتجاهل أحد الملامح الأساسية للقضية، وهو ما إذا كان الفلسطينيون سيقبلون الوضع الراهن أم سيواصلون التأجيل. وليس هناك أدنى شك حول شراكة الولايات المتحدة في هذا الوضع، سواء المواطنون الأميركيون، والحكومة، والملايين التي تتدفق كمساعدات. وكل ذلك لا يلغي حق الفلسطينيين في دولة تدعى فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا كذلك مصلحة الطرفين على المدى البعيد في العمل حتى النهاية. وكان رابين يكره ما فعله الفلسطينيون، لكنه مع ذلك اختار السلام من أجل أمن إسرائيل، وكان حجر الزاوية لشرعية اسرائيل المدعومة من الأمم المتحدة هو الاتفاق على تقاسم الأراضي الفلسطينية كما هو وارد في قرار الامم المتحدة 181 الصادر عام 1947، الذي يدعو إلى قيام دولتين الأولى يهودية وأخرى عربية، في الأراضي المقدسة، وكان ذلك قراراً إنسانياً وليس من عند الله.

وكانت الألواح التي حملها اليهود إلى العالم تحوي مواثيق الأخلاق للناس، وليست المواثيق التي تمنح اليهود تلال الضفة الغربية إلى الأبد، وجوهرها هو فكرة أنه مهما كنت كارهاً لنفسك، فإن ذلك ينبغي ألا ينعكس على الآخرين من البشر، ويجب تطبيق ذلك على اليهود الأقوياء في إسرائيل، تماماً كما يطبق على اليهود الخائفين في الشتات.

وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية اليسارية، قد ذكرت أخيراً، أن العديد من الجمعيات والمنظمات غير الربحية، التي يتم اقتطاع تبرعاتها من ضرائبها، تقدم التمويل لحركة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، التي تعارضها حكومة الولايات المتحدة.

ولخص السفير الأميركي السابق في إسرائيل دانييل كورتيز السبب الذي يجعل هذا الأمر غير مقبول، حيث قال «الحكومة، ونحن الشعب، نقدم الدعم لنشاط يقوض سياسة الحكومة».

ومن المفهوم أن ادارة الرئيس الاميركي باراك أوباما شعرت بالضجر وهي تقدم ورقة التوت «لعملية السلام» للقادة الاسرائيليين والفلسطينيين، لكنها يمكن ان تحدد علامة واضحة عن طريق إعلان وجهة نظرها بشأن ما هي الأراضي التي ينبغي الاتفاق عليها، وهي قريبة إلى خطوط حرب عام 1967، مع الاتفاق على تبادل أراضٍ. وهي تستطيع أيضاً ان تغلق الثغرات الضريبية الأميركية التي يستفيد منها المستوطنون الإسرائيليون، وتستطيع المحاولة في جعل عملية اغتيال رابين أقل نجاحاً.

تويتر