نظراً لمحدودية تأثير الغارات الجوية

الغرب يحتاج إلى حلفاء محليين من أجل هزيمة «داعش»

صورة

يعتبر الوقت، الذي يعقب حدوث أي هجمات إرهابية، مثل المجزرة الأخيرة في باريس، غير مناسب بتاتاً لاجتراح سياسات جديدة، ولكنه يقدم ظروفاً سياسية مثالية للحكومة، كي تقوم بمبادرات متطرفة، إذا لم نقل إنها ارتجالية. وتحرك القادة مدفوعين بإحساسهم بالقوة، في الوقت الذي يطالب العامة القلقون أو ربما المرعوبون، بضرورة القيام بأي رد على الكارثة، منعاً لتكرارها مرة أخرى. وفي الحقيقة فإن اللحظة الأشد خطراً، ليست عندما يتم انفجار القنابل او إطلاق الرصاص، وإنما عندما تظهر الحكومات رد فعلها على هذه الأعمال الإرهابية.

«داعش» لا يمثل السنّة

لابد من القول إن اعتبار تنظيمَي «داعش» و«القاعدة» ممثلين للطائفة السنية، انعكس بصورة كارثية على السنّة في العراق وسورية، إذ إن 3.2 ملايين من المهجرين من بيوتهم في العراق هم من السنّة، وكذلك أربعة ملايين من المهجرين في سورية هم من السنّة ايضاً. ويأتي معظم هؤلاء من المناطق المعارضة التي تعرضت للتدمير نتيجة القصف الذي تعرضت له من الجيش الحكومي. واضطر السنّة في بغداد إلى التجمع في جيوب صغيرة معظمها في غرب بغداد. وفي الحقيقة ليس هناك مكان آمن للسنّة العراقيين يمكن أن يلجأوا إليه داخل العراق.

ويهدف الإرهاب، في المقام الأول، إلى إظهار التحدي، والقوة والانتقام. ولكن لتحقيق النجاح بصورة حقيقية، يجب أن يكون رد الفعل ضعيفاً من قبل المستهدفين. وهي استراتيجية ثبتت صحتها دائماً. ولم يتجلَّ نجاح حادثة 11 سبتمبر في تدمير برجي التجارة العالميين، وإنما في دفع الولايات المتحدة إلى شن حربين على العراق وأفغانستان، حيث فشلت في تحقيق أي هدف منهما، ولاتزال متورطة في هذه الحروب.

ولاتزال بريطانيا تتخبط في حربي أفغانستان والعراق خلف الأميركيين، دون أن تكون لديها فكرة واضحة عما كانت تفعله هناك، غير إظهار التضامن مع حليفها. وفي الحقيقة فإن النقاش في بريطانيا بشأن التدخل العسكري في سورية ضد تنظيم «داعش»، يجري طرحه بصورة أفضل مما كان عليه التدخل في أفغانستان والعراق، ولكن هناك الجهل ذاته بميدان المعركة الذي ستدخله. وبالطبع فإن المساهمة البريطانية العسكرية المقترحة في سورية ستكون في أدنى الحدود، ولكن أن يضع المرء إصبعه داخل حفرة فيها ثعبان، ينطوي على الخطورة ذاتها، كما لو أنه رمى نفسه في الحفرة ذاتها.

ووصف أحد المعلقين الصراع في سورية بأنه مثل لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد، ويقوم بلعبها تسعة لاعبين دون قوانين معروفة، وربما يمكنه أن يضيف أن الصراع في العراق أكثر سوءاً. ولكن في المستوى الأول ليس من الصعب فهم الورطة التي تواجهها كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والقوى الأوروبية الأخرى، التي تشن ضربات جوية لتدمير تنظيم «داعش». وهم يدركون أن أكثر من 8000 غارة جوية بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش» الذي شكل نفسه العام الماضي، فشلت في احتواء التنظيم المتطرف، وثبت لنا ذلك من خلال التفجيرات الإرهابية التي حدثت في أنقرة، وبيروت، وبغداد، وسيناء، وباريس. وهم يدركون أن ثمة حدوداً لما يمكن أن تنجزه الغارات الجوية وحدها، ما لم تتم بالمشاركة مع قوات عسكرية على الأرض.

ومن الواضح أن الذين يقترحون بصورة جدية نشر قوات برية، وهي الجملة المرعبة التي توحي بدخول القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية على الأرض، لم يقرأوا الأخبار بصورة واضحة، خلال الأعوام الـ15 الماضية، أو أنهم لاحظوا ما الذي حدث في أفغانستان والعراق. وفي كل الأحوال، فإن الرأي العام الأميركي والبريطاني لن يسمحا لقادتهما بإرسال أي قوات أخرى إلى الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يتم استخدام الطائرات بلا طيار، وقوات خاصة لاغتيال قادة «داعش»، التي أثبتت التجارب أن غياب هؤلاء القادة، لن يكون له أي أثر في إضعاف التنظيم.

 

وإذا لم تقدم القوى الغربية قوات برية، والغارات الجوية وحدها غير كافية، فمن الواضح أن ثمة حاجة إلى حليف محلي. ولكن هنا تكمن مشكلة سياسية، اذ تعتبر أكبر القوات العسكرية التي تحارب «داعش» في سورية هو الجيش السوري ، كما قال رئيس الأركان العامة البريطاني، بارون ريتشاردز، الأسبوع الماضي. وإن كانت القوات السورية مرهقة وموزعة، لكنها على الأقل مؤلفة من أربع فرق مقاتلة. ولطالما سادت خرافة مفادها بأن هذه القوات لا تحارب «داعش»، ولكن عندما نشر التنظيم فيلماً يصور فيه قطع رؤوس جنود سوريين، تغيرت هذه الآراء. ولكن الولايات المتحدة تعمل على تجنب مهاجمة «داعش» من الجو، اذا كانت في حالة اشتباك مع الجيش السوري، لأنها تخشى أن تتهم بمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد على البقاء في السلطة.

 

ولكن بداية الحملة الجوية الروسية لدعم الجيش السوري في 30 سبتمبر، رجحت التوازن العسكري ضد «داعش»، وجبهة «النصرة» وجماعة «أحرار الشام»، وهذه التنظيمات الثلاثة هي مجموعات تعمل على خطى تنظيم «القاعدة»، وتسيطر على المقاومة المسلحة. لكنه لايزال من المبكر جداً القول مدى هذا الرجحان. وقد عانى الجيش السوري من مقتل 47 ألف جندي في المعارك، وخسرت القوات شبه العسكرية التابعة له 31 ألف مسلح خلال السنوات الأربع الماضية، الأمر الذي يجعل هذا الجيش في حالة مرهقة.

 

وفي حقيقة الأمر فإن الدعم الروسي عزز من معنويات الجنود، ولكن الضعف لايزال موجوداً. وبناء عليه ليس من الواضح ما اذا كان هذا الجيش قادراً على الانتصار في معركة كبيرة، مثل الاستيلاء على المنطقة الحلبية التي تسيطر عليها المعارضة. ولطالما كان الأكراد السوريون هم الحليف المفضل للقوات الجوية الأميركية، ولكن ثمة حدود لما يمكن أن يقوموا به خارج المناطق الكردية. وفي العراق، ربما يكون موقف «داعش» أكثر قوة مما هو عليه في سورية، كما أن أعداءه أكثر ضعفاً. ولكن النصر الذي حققه الأكراد في سنجار، كان نتيجة القصف الشديد للطائرات الأميركية على مدينة صغيرة، لم يحاول «داعش» الدفاع عنها بقوات كبيرة. ولم يتعافَ الجيش العراقي حتى الآن من هزائم العام المنصرم، كما أن الجيش أقل جاذبية بالنسبة للمجندين من الميليشيات الشيعية الرئيسة، وهي: «منظمة بدر»، و«عصائب أهل الحق»، و«كتائب حزب الله». وتنظر الغالبية الشيعية بتقدير إلى هذه الميليشيات. ولكنها فشلت في إخراج «داعش» من الفلوجة التي تبعد 40 ميلاً الى الغرب من بغداد. وبصورة عامة، فإن السلطة تنسل من بين يدي رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وحكومته الفاشلة. ولكن لابد من القول إن تنظيم «داعش» أصبح الآن أضعف مما كان عليه في الماضي. وعلى الرغم من أنه يتم المبالغة عادة بما يمكن أن تحققه الغارات الجوية وحدها، إلا أن ذلك لا يعني أنه ليس لها أي تأثير. وإن كان الجنود المخضرمون قادرين على البقاء في الأماكن المدمرة، والتوتر النفسي مستمراً، فإن ذلك سيؤدي الى تآكل الدعم الشعبي لـ«داعش» في المناطق التي تسيطر عليها. وهو لا يهمه العامة، لأن هذا التنظيم المتطرف ليس لديه خطط لإجراء انتخابات.

والخلاصة أن «داعش» يعيش تحت ضغط كبير، وتمثل الهجمات الإرهابية التي قام بها إشارة إلى ذلك، ولكن ذلك لا يعني أن التنظيم أصبح على وشك الانهيار حالياً. وسيحدث ذلك عندما يتوحد العديد من أعدائه.

 

باتريك كوكبيرن متخصص في شؤون الشرق الاوسط

تويتر